الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                القسم الحادي عشر : الاختلاف في دعوى الخيار والبت ، ففي الجواهر : قال ابن القاسم : يصدق مدعي البت لأنه الأصل في العقود ، وعن أشهب : مدعي الخيار ; لأن الأصل عدم انتقال الملك ، وبنى المتأخرون هذا الخلاف على تبعيض الدعوى .

                                                                                                                تنبيه : قال صاحب الجواهر : تقسيم الاختلاف إلى هذه الأقسام هو طريق المتأخرين ، أما غيرهم : فقال القاضي أبو الحسن : إذا اختلفا في مقدار الثمن أو المثمن أو التأجيل أو النقد أو الخيار فقال : لي ، وقال الآخر : بل لي ، أو اشترط الرهن أو الحميل ففي ذلك كله ثلاث روايات ، وحكى الروايات المتقدمة في اختلاف الثمن إلا رواية البينونة مع القبض ، ووافقه الأستاذ أبو بكر ، وجعلا هذه الأقسام واحدة .

                                                                                                                قواعد : يقع التعارض بين الدليلين والبينتين والأصلين والظاهرين ، والأصل والظاهر ، ويختلف العلماء في جميع ذلك بالترجيح والتسوية فالدليلان : كقوله تعالى : ( إلا ما ملكت أيمانكم ) . يتناول الجمع بين الأختين في الملك ، وقوله تعالى : ( وأن تجمعوا بين الأختين ) يقتضي المنع ، والبينتان ظاهر . والأصلان : نحو : العبد الآبق هل تجب زكاة فطره أولا ؟ لأن الأصل [ ص: 329 ] حيازته ، ولأن الأصل براءة الذمة ، والظاهر : إن كان اختلاف الزوجين في متاع البيت ، ولكل واحد منهما يد ظاهرة في الملك ، وكشهادة عدلين على رؤية الهلال في الصحو ، فالظاهر : صدقهما للعدالة ( والظاهر : كذبهما لعدم رؤية أهل المصر له ) والأصل والظاهر ، كالمقبرة القديمة ، الظاهر تنجيسها فتحرم الصلاة فيها للنجاسة ، والأصل : عدم النجاسة ، وكاختلاف الزوجين في النفقة والكسوة ، وقد تقدم بسط هذه القواعد في مقدمة الكتاب ، وعليها يتخرج اختلاف المتبايعين ، فإذا اختلفا في جنس المثمن تعارض أصلان ، وإن أتيا بما لا يشبه ، تعارض ظاهران : دعوى الخيار والبث ، تعارض أصل وظاهر ، وترد الفروع في الاختلاف على هذه القواعد .

                                                                                                                قاعدة : في ضبط المدعي والمدعى عليه حتى يتعين المدعى عليه فيصدق مع يمينه ، والمدعي فلا يصدق إلا ببينة ; لقوله - عليه السلام - في الموطأ : ( لو أعطي الناس بدعواهم لادعى قوم على قوم دماءهم وأموالهم ، لكن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ) ، وليس المدعي هو المطلوب اتفاقا ، بك كل من عضد قوله عرف أو أصل فهو مدعى عليه ، وكل من خالف قوله عرف أو أصل فهو مدع ، فالمودع يقبض ببينة فلا يقبل قوله في الرد إلا ببينة ، فإن ادعى الرد بغيرها فهو مدع ، وإن كان مطلوبا منه لا طالبا ، وكذلك دعوى الوصي في إنفاق المال على خلاف العرف والأصل ، نحو دعاوي الديون والإتلافات ، فإن الأصل براءة الذمم ، وهذا معنى قول الأصحاب : المدعى عليه أقوى المتداعيين سببا ، فعلى هذه القاعدة أيضا يتعين من يصدق مع يمينه [ ص: 330 ] ممن لا يصدق .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية