الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : ولما كان في العام المقبل حج من الأوس والخزرج سبعون رجلا ، وكان فيهم البراء بن معرور ، فصلى إلى الكعبة حين قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : لا أتركها وراء ظهري . ثم سأله عنها فقال له : قد كنت على قبلة لو صبرت عليها فعاد واستقبل [ ص: 20 ] بيت المقدس ، وكان أول من استقبل الكعبة ، وهو أول من أوصى بثلث ماله ، وواعدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العقبة في أوسط أيام التشريق فيأتوا تلك الليلة في رحالهم ، ثم خرجوا منها بعد ثلاث ليال لموعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحضروا شعب العقبة ، ووافى رسول الله ومعه عمه العباس بن عبد المطلب وأبو بكر وعلي ، فأوقف العباس على فم الشعب عينا له ، وأوقف أبا بكر على فم الطريق الآخر عينا له ، وتلا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن ، وأخذ عليهم الإسلام فأسلموا جميعا ، وقد كان فيهم من لم يكن قد أسلم ، ثم قال للعباس وهو على دين قومه : خذ عليهم العهد وكانوا أخواله ؛ لأن أم عبد المطلب كانت سلمى بنت عمرو من بني النجار من الخزرج ، فقال العباس : يا معشر الخزرج إن محمدا منا في عز من قومه ، ومنعة في بلده وقد أبى إلا الانقطاع إليكم ، واللحوق بكم : فإن منعتموه مما تمنعوا منه أنفسكم ، وإلا فدعوه بين قومه ، وفي بلده ، فقال البراء بن معرور : بل نمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأبناءنا ، فقال أبو الهيثم بن التيهان : يا رسول الله إن بيننا وبين الناس حبالا يعني اليهود وإنا قاطعوها ، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ، ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا ، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : لا بل الدم الدم ، والهدم الهدم أنتم مني وأنا منكم أحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم . فأقبل أبو الهيثم بن التيهان على الأنصار ، وقال : يا قوم هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حقا ، وأشهد بالله إنه لصادق ، وإنه اليوم لفي حرم الله ، وبين عشيرته ، واعلموا أنكم إن تخرجوه إليكم ترميكم العرب عن قوس واحدة : فإن كانت أنفسكم قد طابت بالقتال ، وذهاب الأموال والأولاد فادعوه ، وإلا فمن الآن . فقالوا : يا رسول الله اشترط علينا لربك ولنفسك ما تريد : فقال : أشترط لربي أن تعبدوه ، ولا تشركوا به شيئا ، وأشترط لنفسي أن تمنعوني عما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم فأجابوه وأحسنوا ، فقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله ، قد اشترطت لربك ولنفسك ، فماذا لنا إذا أوفينا لله ورسوله ؟ فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم : لكم على الله الوفاء بالجنة فقال ابن رواحة : قد قبلنا من الله ما أعطانا ، ثم قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : اختاروا منكم اثني عشر نقيبا كما اختار موسى من قومه ، وقال للنقباء : أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ، ككفالة الحواريين ، يعني ابن مريم قالوا نعم : فبايعوه على هذا ، وكان أصغر من حضر سنا أبو مسعود البدري وجابر بن عبد الله .

                                                                                                                                            واختلفوا في أول من بايعه ، فقال قوم : أبو الهيثم بن التيهان .

                                                                                                                                            وقال آخرون : البراء بن معرور .

                                                                                                                                            [ ص: 21 ] وقال آخرون : أسعد بن زرارة ، وكانت هذه البيعة على حرب الأحمر والأسود ، والبيعة الأولة - بيعة النساء - على غير حرب ، وعادوا إلى المدينة على هذا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية