الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1756 427 - حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- قال: كان الفضل رديف النبي - صلى الله عليه وسلم- فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها، وتنظر إليه، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: إن فريضة الله أدركت أبي شيخا كبيرا، لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم، وذلك في حجة الوداع.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: " أفأحج عنه؟ قال: نعم " وهو يخبر بجواز حج المرأة عن الرجل.

                                                                                                                                                                                  قوله: " كان الفضل" وهو ابن عباس، وهو أخو عبد الله، وكان أكبر ولد العباس، وبه كان يكنى، وكان شقيق عبد الله، وأمهما أم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن الهلالية، مات في طاعون عمواس بناحية الأردن سنة ثماني عشرة من الهجرة، في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " رديف النبي - صلى الله عليه وسلم" وزاد شعيب في رواية: " على عجز راحلته"، قوله: " من خثعم" بفتح الخاء المعجمة وسكون الثاء المثلثة، قبيلة مشهورة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فجعل الفضل ينظر إليها" ، وفي رواية شعيب: " وكان الفضل رجلا وضيئا"؛ أي: جميلا، " وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة، فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها"، قوله: " يصرف وجه الفضل" ، وفي رواية شعيب: " فالتفت النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم- والفضل ينظر إليها، فأخلف بيده، فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها"، ووقع في رواية الطبري في حديث علي: " وكان الفضل غلاما جميلا، فإذا جاءت الجارية من هذا الشق صرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وجه الفضل إلى الشق الآخر، فإذا جاءت إلى [ ص: 216 ] الشق الآخر صرف وجهه عنه"، وقال في آخره: " رأيت غلاما حدثا، وجارية حدثة، فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان". قوله: " إن فريضة الله أدركت أبي شيخا كبيرا" ، وفي رواية عبد العزيز وشعيب: " إن فريضة الله على عباده في الحج"، وفي رواية النسائي من طريق يحيى بن أبي إسحاق، عن سليمان بن يسار: " إن أبي أدركه الحج"، واتفقت الروايات كلها عن ابن شهاب، على أن السائلة كانت امرأة، وأنها سألت عن أبيها، وخالفه يحيى بن أبي إسحاق، عن سليمان فاتفق الرواة عند علي أن السائل رجل.

                                                                                                                                                                                  واعلم أنهم اختلفوا على سليمان بن يسار في إسناد هذا الحديث ومتنه، أما إسناده فقال هشيم: عن ابن شهاب، عن سليمان، عن عبد الله بن عباس، وقال محمد بن سيرين: عن ابن شهاب، عن سليمان، عن الفضل، أخرجهما النسائي، وقال ابن علية: عنه، عن سليمان، حدثني أحد ابني العباس: إما الفضل، وإما عبد الله، أخرجه أحمد.

                                                                                                                                                                                  وأما المتن فقال هشيم: إن رجلا سأل، فقال: إن أبي مات، وقال ابن سيرين: فجاء رجل فقال: إن أمي عجوز كبيرة، وقال ابن علية: فجاء رجل فقال: إن أبي وأمي.

                                                                                                                                                                                  وخالف الجميع معمر، عن يحيى بن أبي إسحاق، فقال في روايته: إن المرأة سألت عن أمها.

                                                                                                                                                                                  قوله: " لا يثبت على الراحلة" ، ووقع في رواية عبد العزيز، وشعيب: " لا يستمسك على الرحل"، وفي رواية يحيى بن أبي إسحاق زيادة، وهي: " إن شددته خشيت أن يموت"، وكذا في مرسل الحسن، وفي حديث أبي هريرة أخرجه ابن خزيمة بلفظ: " وإن شددته بالحبل على الراحلة خشيت أن أقتله".

                                                                                                                                                                                  قوله: " أفأحج عنه" ؛ أي: أيجوز أن أنوب عنه، وإنما قدرنا هكذا؛ لأن ما بعد الفاء الداخلة عليها الهمزة معطوفة على مقدر، وفي رواية عبد العزيز وشعيب: " فهل يقضى عنه"، وفي حديث علي: " هل يجزئ عنه". قوله: " قال: نعم" ، وفي حديث أبي هريرة: " فقال: احجج عن أبيك".

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه) فيه جواز الحج عن الغير، وقد ذكرناه، وفيه جواز الارتداف، وفيه جواز كلام المرأة وسماع صوتها للأجانب عند الضرورة؛ كالاستفتاء عن العلم، والترافع في الحكم والمعاملة.

                                                                                                                                                                                  وفيه منع النظر إلى الأجنبيات، وغض البصر، وفيه بيان ما ركب في الآدمي من الشهوة، وما جبلت طباعه عليه من النظر إلى الصورة الحسنة، وفيه تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم- وفيه ظهور منزلة الفضل بن عباس عند النبي - صلى الله عليه وسلم- وفيه إزالة المنكر باليد.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية