الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو كتب ناطق ) أو أخرس ( طلاقا ، ولم ينوه فلغو ) إذ لا لفظ ولا نية ( وإن نواه ) ومثله كل عقد وحل وغيرهما ما عدا النكاح ولم يتلفظ بما كتبه ( فالأظهر وقوعه ) لإفادتها حينئذ ، وإن تلفظ به ولم ينوه عند التلفظ ولا الكتابة ، وقال : إنما قصدت قراءة المكتوب فقط صدق [ ص: 22 ] بيمينه ( فإن كتب إذا بلغك كتابي فأنت طالق ) ونوى الطلاق ( فإنما تطلق ببلوغه ) إن كان فيه صيغة الطلاق كهذه الصيغة بأن أمكن قراءتها ، وإن انمحت ؛ لأنها المقصود الأصلي بخلاف ما عداها من السوابق واللواحق فإن انمحى سطر الطلاق فلا و قوع وقيل إن قال كتابي هذا أو الكتاب لم يقع أو كتابي وقع وصححه المصنف في تصحيح التنبيه ونقله الروياني عن الأصحاب وخرج بكتب ما لو أمر غيره فكتب ونوى هو فلا يقع شيء بخلاف ما لو أمره بالكتابة أو كناية أخرى وبالنية فامتثل ونوى ، وبقوله فأنت طالق ما لو كتب كناية كأنت خلية فلا يقع ، وإن نوى إذ لا يكون للكناية كناية كذا حكاه ابن الرفعة عن الرافعي وردوه بأن الذي فيه الجزم بالوقوع تبعا لجمع متقدمين قال الأذرعي ، وهو الصحيح ؛ لأنا إذا اعتبرنا الكتابة قدرنا أنه تلفظ بالمكتوب ( وإن كتب إذا قرأت كتابي ، وهي قارئة فقرأته ) أي صيغة الطلاق منه نظير ما مر ، وإن لم تفهمها أو طالعتها وفهمتها ، وإن لم تتلفظ بشيء منها كما نقل الإمام عليه اتفاق علمائنا ( طلقت ) لوجود المعلق عليه ، ويظهر أنه لا فرق هنا بين ظن كونها أمية وعدمه ؛ لأن اللفظ لا ينصرف عن حقيقته إلا عند التعذر ومجرد ظنه لا يصرفه عنها .

                                                                                                                              ( وإن قرئ عليها فلا ) طلاق ( في الأصح ) لعدم قراءتها مع إمكانها ، وإنما انعزل القاضي في نظير ذلك ؛ لأن العادة في الحكام أن يقرأ عليهم المكاتيب فالقصد إعلامه دون قراءته بنفسه بخلاف ما هنا ، وأيضا فالعزل لا يصح تعليقه فتعين إرادة إعلامه به بخلاف الطلاق ( وإن لم تكن قارئة فقرئ عليها طلقت ) إن علم حالها ؛ لأن القراءة في حق الأمي محمولة على الاطلاع [ ص: 23 ] ومنه يؤخذ أنها لو تعلمت وقرأته ، وأن القارئ لو طالعه ، وأخبرها بما فيه طلقت ؛ لأن القصد الاطلاع وقد وجد فإن لم يعلم لم تطلق إلا إن تعلمت وقرأته .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : في المتن ولو كتب ناطق طلاقا إلخ ) عبارة الروض ، وإن قرأه أي ما كتبه حال الكتابة أو بعدها فصريح فلو قال قرأته حاكيا بلا نية صدق بيمينه . ا هـ . فقراءته عند عدم قصد الحكاية صريح ثم قال في الروض وفائدته أي قوله المذكور إذا لم يقارن الكتب النية أنه إن قارنها طلقت ولا معنى لقوله المذكور ومثله أي الطلاق فيما ذكر العتق والإبراء والعفو عن القصاص أي وسائر التصرفات غير [ ص: 22 ] النكاح كما في شرحه ( قوله : فإن كتب إذا بلغك كتابي إلخ ) في الروض ، وإن علق ببلوغ الطلاق فبلغ موضع الطلاق وقع قطعا ، وقراءة بعض الكتاب إن علق بقراءته كوصول بعضه إن علق بوصوله ، وإن علق بوصول الكتاب ثم علق بوصول الطلاق طلقت بوصول الكتاب طلقتين أو بوصول نصف الكتاب فوصل كله طلقت . ا هـ .

                                                                                                                              وينبغي إذا علق بوصول الكتاب وبوصول نصفه أن تطلق طلقتين ( قوله : بخلاف ما لو أمره بالكتابة إلخ ) ظاهره ولو على الوجه المذكور في المتن مع أنه تعليق والتوكيل في التعليق لا يصح كما تقدم في الوكالة ( قوله : ويظهر إلخ ) يظهر الفرق فيما إذا قرئ عليها الآتي في قوله ، وإن قرئ عليها فلا في الأصح ولو علم أنها قارئة ثم نسيت القراءة ثم قرئ عليها فينبغي أن لا تطلق أو علم أنها غير قارئة ثم تعلمت ثم قرأته فينبغي أن لا تطلق أيضا ( قوله : إن علم حالها ) أي بخلاف ما إذا لم يعلم حالها على الأقرب في الروضة ، وأصلها وسيأتي [ ص: 23 ] الجزم به في كلامه ( قوله : فإن لم يعلم ) أي حالها .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قول المتن ولو كتب إلخ ) أي على ما يثبت عليه الخط كرق وثوب وحجر وخشب لا على نحو ماء كهواء . ا هـ . مغني عبارة الروض مع شرحه والكتب على الأرض أو نحوها كناية لا على الماء والهواء ونحوهما . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : أو أخرس ) إلى قول المتن ، وإن لم تكن في النهاية وكذا في المغني إلا قوله وقيل إلى وخرج وقوله ، وإن لم تفهمها ( قول المتن طلاقا ) ونحوه مما لا يفتقر إلى قبول كالإعتاق والإبراء والعفو عن القصاص كأن كتب زوجتي أو كل زوجة لي طالق أو عبدي حر . ا هـ . مغني وفي سم بعد ذكر ذلك عن الروض أي وسائر التصرفات غير النكاح كما في شرحه . ا هـ . أي فكان الأولى للشارح أن يكتب قوله ومثله كل عقد إلخ عقب قول المصنف طلاقا ( قول المتن فلغو ) أي ، ويقبل قوله : في ذلك بيمينه كما تقدم في قوله قريبا ولو أنكر نيته إلخ . ا هـ . ع ش ( قوله : ومثله إلخ ) أي الطلاق ( قوله : وغيرهما ) أي كالإقرار والدعوى أخذا مما مر في الإشارة ( قوله : ولم يتلفظ إلخ ) عطف على نواه ( قوله : لإفادتها حينئذ إلخ ) عبارة المغني والروض مع شرحه ؛ لأن الكتابة طريق في إفهام المراد وقد اقترنت بالنية فإن قرأ ما كتبه حال الكتابة أو بعدها فصريح فإن قال قرأته حاكيا ما كتبته بلا نية طلاق صدق بيمينه . وفائدة قوله هذا إذا لم يقارن الكتب النية ، وإلا فلا معنى لقوله . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وقال إنما قصدت إلخ ) بخلاف ما لو قصد الإنشاء أو أطلق كما يفهمه كلام المحلي أيضا . ا هـ . ع ش ( قوله : صدق إلخ ) أي إن أنكرته [ ص: 22 ] الزوجة ( قول المتن إذا بلغك ) أو وصل إليك أو أتاك .

                                                                                                                              ( فرع )

                                                                                                                              لو كتب إذا بلغك نصف كتابي هذا فأنت طالق فبلغها كله طلقت كما قاله المصنف فإن ادعت وصول كتابه بالطلاق فأنكر صدق بيمينه فإن أقامت بينة بأنه خطه لم تسمع إلا برؤية الشاهد للكتابة وحفظه عنده لوقت الشهادة . ا هـ . مغني وفي النهاية ما نصه أما لو قال إذا جاءك خطي فأنت طالق فذهب بعضه وبقي البعض وقع الطلاق ، وإن لم يكن فيما بقي ذكر الطلاق . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : كهذه الصيغة ) أي إذا بلغك كتابي إلخ ( قوله : بأن أمكن ) تصوير لقوله إن كان فيه إلخ ( قوله : من السوابق ) كالبسملة والحمدلة وقوله : واللواحق كالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم ( قوله : فإن انمحى إلخ ) أي ولم يبق أثره بعد المحو بحيث يمكن قراءته ( قوله : وقيل إن قال كتابي هذا إلخ ) أي وقد انمحى غير سطر الطلاق . ا هـ . ع ش ( قوله : وخرج بكتب ) أي في قول المتن ولو كتب ناطق إلخ ( قوله : ما لو أمر غيره ) أي بكتابة طلاق زوجته ولو بقوله اكتب زوجة فلان طالق ، وقوله : ونوى هو أي الآمر عند كتابة الغير . ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : لو أمره بالكتابة أو كناية أخرى إلخ ) يرد عليه أن هذا توكيل في التعليق ومر أنه لا يصح إلا أن يقال مراده أمره بالكتابة بطلاق منجز والغرض منه التنبيه على أنه يشترط كون النية من الآتي بالكناية كناية أو غيرها ولا يكفي النية من أحدهما والكناية من الآخر . ا هـ . ع ش ( قوله : فامتثل ونوى ) أي فإنه يقع . ا هـ . ع ش ( قوله : وبقوله إلخ ) عطف على بكتب إلخ ( قوله : وردوه ) أي ابن الرفعة ( قوله : بأن الذي فيه ) أي في كلام الرافعي وقوله : وهو الصحيح معتمد . ا هـ . ع ش .

                                                                                                                              ( قول المتن : وإن كتب إلخ ) في الروض ، وإن علق ببلوغ الطلاق فسلم موضع الطلاق وقع قطعا وقراءة بعض الكتاب إن علق بقراءته كوصول بعضه إن علق بوصوله ، وإن علق بوصول الكتاب ثم بوصول الطلاق طلقت بوصول الكتاب طلقتين . ا هـ . سم ( قوله : أي صيغة الطلاق إلخ ) أي ، وإن لم تقرأ الجميع ( قوله : وإن لم تفهمها إلخ ) وذكر النهاية ضمير المفعول هنا وفي المواضع الثلاثة الآتية ( قوله : أو طالعتها ) عطف على قرأته ( قوله : وإن لم تتلفظ إلخ ) نعم لو قال الزوج إنما أردت القراءة باللفظ قبل قوله : فلا تطلق إلا بها . ا هـ . نهاية ( قوله : لوجود المعلق عليه ) هذا لا يظهر بالنسبة لما نقله الشارح عن الإمام ( قوله : ويظهر أنه لا فرق إلخ ) يظهر الفرق فيما إذا قرئ عليها الآتي في قوله ، وإن قرئ عليها فلا في الأصح ولو علم أنها قارئة ثم نسيت القراءة أي أو عميت ثم قرئ عليها فينبغي أن لا تطلق أو علم أنها غير قارئة ثم تعلمت ثم قرأته فينبغي أن تطلق . ا هـ . سم وقوله : ولو علم إلخ في النهاية مثله ( قوله : ويظهر أنه لا فرق إلخ ) الذي يتبادر إلى الفهم أن مراد الشارح التعميم في القارئة في قراءتها والقراءة عليها فلا يقع في الثاني ، وإن ظن كونها أمية خلافا لما يقتضيه صنيع المحشي ، وإن كان ما أفاده المحشي أوجه . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : هنا ) أي في وقوع الطلاق . ا هـ . ع ش والأولى في اشتراط قراءتها ( قوله : فلا طلاق ) أي ، وإن ظنها حال التعليق أمية . ا هـ . ع ش ( قوله : وإن علم حالها ) كذا في النهاية والمغني ( قوله : [ ص: 23 ] ومنه ) أي التعليل ( قوله : لو تعلمت إلخ ) ولو علقه بقراءتها عالما بأنها غير قارئة ثم تعلمت ، ووصل كتابه هل تكفي قراءة غيرها الظاهر الاكتفاء . ا هـ . نهاية قال ع ش قوله : ثم تعلمت إلخ المتبادر من هذا الصنيع أنه إذا قرأته بنفسها طلقت وقوله : الظاهر الاكتفاء أي ، وإن قصد قراءتها بنفسها فلا يدين . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وأن القارئ إلخ ) عطف على قوله إنها إلخ وكان الأولى أو بدل الواو عبارة النهاية قال الأذرعي مفهومه أي قول المصنف فقرئ عليها إلخ اشتراط قراءته عليها فلو طالعه أي الغير وفهمه أو قرأها أي الصيغة ثم أخبرها بذلك لم تطلق ولم أر فيه نصا ، ويحتمل أنه يكتفى بذلك إذ الغرض الاطلاع على ما فيه . ا هـ . قال ع ش قوله : لم تطلق معتمد وقوله : ويحتمل أنه يكتفي بذلك أي في الوقوع ، وهو معتمد حج ونقل سم على منهج عن الشارح عدم الوقوع ، وهو موافق للاحتمال الأول . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : فإن لم يعلم ) أي حالها سم ونهاية أي كونها قارئة . ا هـ . ع ش




                                                                                                                              الخدمات العلمية