الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السم الذي أصابه بخيبر من اليهود

ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك : ( أن امرأة يهودية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مصلية بخيبر ، فقال : " ما هذه " ؟ قالت : هدية وحذرت أن تقول : من الصدقة ، فلا يأكل منها ، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم وأكل الصحابة ، ثم قال : " أمسكوا " ، ثم قال للمرأة : " هل سممت هذه الشاة " ؟ قالت : من أخبرك بهذا ؟ قال : " هذا العظم لساقها " وهو في يده ؟ قالت : نعم . قال : " لم " ؟ قالت : أردت إن كنت كاذبا أن يستريح منك الناس ، وإن كنت نبيا ، لم يضرك ، قال فاحتجم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة على الكاهل ، وأمر أصحابه أن يحتجموا ، فاحتجموا ، فمات بعضهم ) .

[ ص: 112 ] وفي طريق أخرى : ( واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة ، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة ، وهو مولى لبني بياضة من الأنصار ، وبقي بعد ذلك ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي توفي فيه ، فقال : "ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر حتى كان هذا أوان انقطاع الأبهر مني " فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا ، قاله موسى بن عقبة .

معالجة السم تكون بالاستفراغات ، وبالأدوية التي تعارض فعل السم وتبطله ، إما بكيفياتها وإما بخواصها ، فمن عدم الدواء فليبادر إلى الاستفراغ الكلي وأنفعه الحجامة ، ولا سيما إذا كان البلد حارا ، والزمان حارا ، فإن القوة [ ص: 113 ] السمية تسري إلى الدم ، فتنبعث في العروق والمجاري حتى تصل إلى القلب ، فيكون الهلاك ، فالدم هو المنفذ الموصل للسم إلى القلب والأعضاء ، فإذا بادر المسموم وأخرج الدم خرجت معه تلك الكيفية السمية التي خالطته ، فإن كان استفراغا تاما لم يضره السم ، بل إما أن يذهب وإما أن يضعف فتقوى عليه الطبيعة ، فتبطل فعله أو تضعفه .

ولما احتجم النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في الكاهل ، وهو أقرب المواضع التي يمكن فيها الحجامة إلى القلب ، فخرجت المادة السمية مع الدم لا خروجا كليا ، بل بقي أثرها مع ضعفه لما يريد الله سبحانه من تكميل مراتب الفضل كلها له ، فلما أراد الله إكرامه بالشهادة ، ظهر تأثير ذلك الأثر الكامن من السم ليقضي الله أمرا كان مفعولا ، وظهر سر قوله تعالى لأعدائه من اليهود : ( أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ) [ البقرة : 87 ] فجاء بلفظ كذبتم بالماضي الذي قد وقع منه وتحقق ، وجاء بلفظ " تقتلون " بالمستقبل الذي يتوقعونه وينتظرونه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية