الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4636 [ ص: 454 ] ( 71 ) سورة: إنا أرسلنا نوحا

                                                                                                                                                                                                                              أطوارا طورا كذا وطورا كذا، يقال: عدا طوره. أي قدره، والكبار أشد من الكبار، وكذلك جمال وجميل، لأنها أشد مبالغة، وكبار الكبير، وكبارا أيضا بالتخفيف، والعرب تقول: رجل حسان وجمال وحسان مخفف وجمال مخفف. ديارا من دور ولكنه فيعال من الدوران كما قرأ عمر: ( الحي القيام ). وهي من قمت. وقال غيره ديارا أحدا. تبارا هلاكا. وقال ابن عباس: مدرارا يتبع بعضها بعضا. وقارا عظمة.

                                                                                                                                                                                                                              1 - باب: ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق [ نوح: 23]

                                                                                                                                                                                                                              4920 - حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام، عن ابن جريج وقال: عطاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود كانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع كانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبا، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير، لآل ذي الكلاع. أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا، وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت. [ فتح: 8 \ 667]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              هي مكية، وتسمى سورة نوح - عليه السلام -، ونزلت بعد النحل وقبل سورة إبراهيم، كما قاله السخاوي .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 455 ] ( ص ) ( أطوارا طورا كذا وطورا كذا ) أي نطفة ثم علقة، ثم مضغة إلى تمام الخلق، كما حكاه عبد بن حميد ، عن خالد بن عبد الله . وقال مجاهد : طورا من تراب ثم من نطفة إلى آخر الخلق.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ثم قال: ( عدا طوره ) أي: قدره.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( والكبار أشد من الكبير، وكبار أيضا بالتخفيف ) قلت: يقال: كبير وكبار مثل طويل وطوال وطوال. ومعنى كبارا: عظيما.

                                                                                                                                                                                                                              قال البخاري : ( وكذلك جمال -يعني: بالتشديد- وجميل ; لأنها أشد مبالغة، والعرب تقول: رجل حسان وجمال مخفف ) قلت: وتقول أيضا العرب: عجيب وعجاب وكمال، وقرأ القارئ، ووصى الموصي. وقرأ ابن محيصن وعيسى ( كبارا ) بالتخفيف.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( ديارا من دور، ولكنه فيعال من الدوران، كما قرأ عمر : ( الحي القيام ). وهي من قمت ) قلت: وأصله: قيوام وديران.

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال البخاري : ( وقال غيره: ديارا أحدا ) يدور في الأرض فيذهب ويجيء، ولم يتقدم عزو ما قبله حتى يقول: ( وقال غيره ) فابحث عنه. وقال القتبي: أصله من الدار. أي: نازل دار.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 456 ] ( ص ) ( تبارا هلاكا ) أي: ودمارا.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( وقال ابن عباس : مدرارا : يتبع بعضه بعضا ) أخرجه ابن أبي حاتم من حديث معاوية عنه.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ): ( وقارا : عظمة ) أخرجه سفيان في "تفسيره" عن أبي روق، عن الضحاك بن مزاحم ، عن ابن عباس بلفظ: لا تخافون لله عظمة؟! وأخرجه عبد بن حميد من رواية أبي الربيع عنه: ما لكم لا تعلمون منه عظمة، وقال مجاهد : لا تبالون لله عظمة. وفي رواية: لا ترون. وعن الحسن: لا تعرفون لله حقا، ولا تشكرون له نعمة. وعن قتادة : لا ترجون لله عاقبة. وعن ابن جبير : لا ترجون لله ثوابا ولا تخافون عقابا.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق البخاري عن إبراهيم بن موسى، أنا هشام ، عن ابن جريج وقال: عطاء عن ابن عباس : صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع كانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبا، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير، لآل ذي الكلاع. ونسر أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا، وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 457 ] الكلام عليه من وجوه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              عطاء هذا اختلف فيه هل هو ابن أبي رباح أو الخراساني؟ فذكره أبو مسعود من رواية عطاء بن أبي رباح عنه ثم قال: إن حجاج بن محمد وعبد الرزاق روياه عن ابن جريج فقالا: عن عطاء الخراساني . وقال خلف: هو الخراساني. ثم قال: قال أبو مسعود: ظن البخاري أنه ابن أبي رباح، وابن جريج لم يسمع التفسير من الخراساني، إنما أخذ الكتاب من أبيه ونظر فيه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الإسماعيلي: يشبه أن يكون هذا عن عطاء الخراساني على ما أخبرني به ابن فرج، عن علي بن المديني فيما ذكر في "تفسير ابن جريج " كلاما معناه: كان يقول عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس ، فطال على الوراق أن يكتب الجواب -أي في كل حديث- فتركه، فرواه من روى على أنه عطاء بن أبي رباح .

                                                                                                                                                                                                                              قال الجياني: قال أبو مسعود: ثبت هذا الحديث في "تفسير ابن جريج " عن عطاء الخراساني ، وإنما أخذ ابن جريج الكتاب من أبيه ونظر فيه. قال: وهذا تنبيه بديع من أبي مسعود، ورويناه عن صالح بن أحمد ، عن علي بن عبد الله ، سمعت هشام بن يوسف قال: قال لي ابن جريج : سألت عطاء عن التفسير من البقرة وآل عمران ثم قال: أعفني من هذا. قال هشام : وكان بعد إذا قال: عطاء عن ابن عباس قال: الخراساني. قال هشام : فكتبنا ما كتبنا ثم مللنا يعني: كتبنا ما كتبنا أنه الخراساني - قال ابن المديني: إنما كتبت أنا هذه القصة ; لأن محمد بن ثور كان يجعلها عن عطاء ، عن [ ص: 458 ] ابن عباس ، فظن الذي حملوا هنا عنه أنه عطاء بن أبي رباح . وعن صالح بن أحمد ، عن ابن المديني قال: سألت يحيى بن سعيد عن أحاديث ابن جريج عن عطاء الخراساني فقال: ضعيفة. فقيل ليحيى: إنه يقول: أنا. فقال: لا شيء، كله ضعيف، إنما هو كتاب دفعه إليه.

                                                                                                                                                                                                                              الثاني:

                                                                                                                                                                                                                              روينا عن عروة بن الزبير وغيره أن آدم اشتكى وعنده بنوه ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وكان ود أكبرهم. وأبرهم به. وقال محمد بن كعب : كانوا عبادا فمات منهم رجل فحزنوا عليه، فقال الشيطان: أنا أصور لكم مثله إذا نظرتم إليه ذكرتموه. قالوا: افعل. فصوره في المسجد من صفر ورصاص. ثم مات أخوه فصوره، حتى ماتوا كلهم وتنقضت الأشياء إلى أن تركوا عبادة الله بعد حين، فقال الشيطان للناس: ما لكم لا تعبدون إلهكم وإله آبائكم، ألا ترونها في مصلاكم؟ فعبدوها من دون الله حتى بعث الله نوحا.

                                                                                                                                                                                                                              وقال محمد بن قيس ، ومحمد بن كعب أيضا: إنما كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم أتباع، فلما ماتوا زين لهم الشيطان أن يصوروا صورهم ليذكرونهم بها، فلما ماتوا وجاء آخرون قالوا: ليت شعرنا هذه الصور ما هي؟ فقال إبليس لهم: هي آلهتكم وكانوا يعبدونها، فعبدوها.

                                                                                                                                                                                                                              وعند السهيلي: يغوث هو ابن شيث وابتداء عبادتهم من زمن [ ص: 459 ] مهلاييل بن قينن.

                                                                                                                                                                                                                              الثالث:

                                                                                                                                                                                                                              ود بفتح الواو، وقد سلف أنه لكلب بدومة الجندل. وقال صاحب "العين" هو بالفتح صنم كان لقوم نوح، وبضم الواو صنم لقريش، وبه سمي عمرو بن ود وقراءة نافع بالضم والباقون بالفتح. وزعم الواقدي أنه على صورة رجل.

                                                                                                                                                                                                                              قال الماوردي : وهو أول صنم معبود، وسمي ود لودهم له، وكان بعد قوم نوح لكلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن ( أنماكي ) ابن قضاعة، وكان بدومة الجندل.

                                                                                                                                                                                                                              وأما سواع فكان على صورة امرأة، وكان لهزيل بن مدركة بن إلياس بن مضر برهاط موضع بقرب مكة بساحل البحر.

                                                                                                                                                                                                                              ويغوث قد ذكره في الأصل، وأنه بالجرف عند سبأ من أرض اليمن، كذا هو كانت بالألف واللام.

                                                                                                                                                                                                                              وذكر أبو عبيد البكري أنه معرفة ولا تدخله الألف واللام.

                                                                                                                                                                                                                              ورواه الحميدي بالراء كما حكاه ياقوت، قال: ورواه النسفي باللام في آخر الحول. قال أبو عثمان النهدي : رأيته وكان من رصاص على [ ص: 460 ] صورة أسد وكانوا يحملونه على جمل أجرد ويسيرون معه، لا يهيجونه حتى يكون هو الذي يبرك، فإذا برك نزلوا وقالوا: قد رضي لكم ربكم هذا الموضع، فيضربون عليه بناء وينزلون حوله.

                                                                                                                                                                                                                              ويعوق كانت لهمدان كما ذكره في الأصل ببلخع وهو بإسكان الميم وبالدال المهملة، وهي قبيلة. وقيل: لكهلان أولا ثم توارثه بنوه حتى صار في همدان. قال الواقدي : وكان على صورة فرس.

                                                                                                                                                                                                                              ونسر كان لآل بني ذي الكلاع من حمير، وكان على صورة نسر ويخدشه ما سلف أنهم كانوا على صورة آدميين. وفي "المختار" قال أبو عبيدة عن أبي الخطاب الأخفش : كانوا مجوسا فغرقهم الله بالطوفان فبثها إبليس في الناس. وفي "المصاحف" لابن أبي داود من قراءة ابن مسعود ( يغوثا ويعوقا ) بجر بهما.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( وأما نسر فكانت لحمير لآل بني ذي الكلاع، ونسر أسماء رجال صالحين ) كذا هو في البخاري ، وكأن قوله: ( ونسر ) تحريف، وصوابه: وهي أسماء رجال صالحين. وعلى تقدير صحتها فهو نوع تكرير ينقض، فإنه كان يلزم إعادة باقي الأسماء قبلها وهي: ود وسواع، ويغوث، ويعوق.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية