الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ذكر الدنانير التي قسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ]

                                                                                                                                            وكان قد بقي عنده مال أصابه ستة دنانير ، تركها عند عائشة رضي الله عنها ، فاستدعاها وفرقها وقال : ما ظن محمد لو لقي الله وهي عنده ، فلما جد به الموت أرسلت عائشة - رضي الله عنها - بمصباحها إلى امرأة من الأنصار وقالت : اقطري فيه من سمن عكتك فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمسى في شديد الموت .

                                                                                                                                            [ ذكر ما قاله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه قبل الوفاة ]

                                                                                                                                            وروى أبو هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اللهم لا تجعل قبري وثنا ، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .

                                                                                                                                            وروى ابن عباس قال : اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الخميس ، واشتد وجعه ، فقال : ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا ، فقال بعض من كان عنده إن نبي الله يهجر استفهموه فأعادوه فقال : دعوني ، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه ، وأوصى بثلاث فقال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم ، وسكت عن الثالثة .

                                                                                                                                            [ ص: 93 ] وروت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا فاطمة في مرضه هذا فناجاها فبكت ، ثم ناجاها فضحكت ، فلما مات سألتها عن بكائها وضحكها فقالت : إنه أخبرني أنه يقبض في مرضه هذا فبكيت ، ثم أخبرني أني أول أهله لحوقا به ، وأنني سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم ابنة عمران فضحكت .

                                                                                                                                            وبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اجتماع الأنصار في مسجده رجالهم ونساؤهم وصبيانهم يبكون عليه ، فأمر أن يصب عليه سبع قرب من سبع آبار ، فاغتسل ووجد راحة ، فخرج فصلى بالناس ثم خطبهم فقال : يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون ، وأصبحت الأنصار لا تزيد على هيأتها التي هي عليها اليوم ، وهم عيبتي التي أويت إليها ، وكرشي التي آكل فيها ، فاحفظوني فيهم ، أكرموا كريمهم ، وأحسنوا إلى محسنهم ، لكل نبي تركة ، وإن الأنصار تركتي . وقال للأنصار : يا معشر الأنصار ، إنكم تلقون بعدي أثرة ، قالوا : يا نبي الله فما تأمرنا ؟ قال : آمركم أن تصبروا حتى تلقوا الله ورسوله، وكان آخر مجلس جلسه حتى قبض .

                                                                                                                                            ولما ضعف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخروج للصلاة بأصحابه قال أصلى الناس ؟ فقيل لا هم ينتظرون خروجك إليهم ، فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فقالت عائشة : إن أبا بكر رجل رقيق : إذا وقف موقفك بكى ، ولم يسمع الناس فلو أمرت عمر يصلي بالناس فقال : إنكن صواحب يوسف ، مروا بلالا فليؤذن ، ومروا أبا بكر فليصل بالناس ، فحضر أبو بكر ، فصلى بالناس وكانت صلاة عشاء الآخرة ، وتأخر بعض الصلوات ، فتقدم عمر ، فصلى فسمع تكبيره ، فقال : من هذا ؟ قيل : عمر ، قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فصلى بهم أبو بكر فلما كان في يوم الاثنين وكان أبو بكر في صلاة الصبح ، وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكونا من وجعه قال : إن الله تعالى جعل قرة عيني في الصلاة ، فكشف الستر

                                                                                                                                            . وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوكأ على الفضل بن العباس وثوبان مولاه حتى دخل المسجد والناس مع أبي بكر وهم قيام في الثانية من الصبح ، فوقف على يمين أبي بكر ، فاستأخر أبو بكر ، فأعاده إلى موقفه وجلس ، وأبو بكر قائم حتى تمت صلاة أبي بكر ، وأتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الركعة الثانية وقال بعد فراغه : لم يقبض نبي قط حتى يؤمه رجل من أمته ، ومات في بقية يومه ذلك ، وكان عدد ما صلى أبو بكر بالناس سبع عشرة صلاة .

                                                                                                                                            وقيل لعائشة : لم راجعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعدل بالصلاة عن أبيك إلى عمر ؟ قالت : لأنه وقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية