الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      فصل فمن ملك رقبة لزمه العتق ( أو أمكنه تحصيلها ) أي الرقبة ( بما ) أي بشيء من نقد أو غيره ( هو فاضل عن كفايته وكفاية من يمونه على الدوام و ) عن ( غيرها ) أي غير كفايته وكفاية من يمونه ( من حوائجه الأصلية ) لأنها قريبة من كفايته ومساوية لها ، بدليل تقديمها على غرماء المفلس ( ورأس ماله كذلك ) أي رأس المال الذي يحتاجه لكفايته وكفاية عياله وحوائجه الأصلية والكاف للتعليل كما قيل في قوله تعالى : { كما هداكم } .

                                                                                                                      ( و ) عن ( وفاء دينه ولو لم يكن مطالبا به ) أي بالدين ، لأن ما استغرقته حاجة الإنسان كالمعدوم في جواز الانتقال إلى البدل كمن وجد ما يحتاجه للعطش يجوز له الانتقال إلى التيمم ( بثمن مثلها ) لأن ما حصل بأكثر من ثمن المثل يجوز له الانتقال كالمتيمم ( لزمه العتق ) إجماعا قاله في المبدع .

                                                                                                                      ( وليس له الانتقال إلى الصوم إذا كان حرا مسلما ) لقدرته على الرقبة ( ولو كان له عبد اشتبه بعبد غيره أمكنه العتق ) وكذا لو اشتبهت أمته بأمة غيره ( بأن يعتق الرقبة التي في ملكه ثم يقرع بين الرقاب فيعتق ) أي [ ص: 378 ] يظهر عتق ( من وقعت عليه القرعة ) هذا قياس المذهب قاله القاضي وغيره ( ومن له خادم يحتاج إلى خدمته إما لكبر أو مرض أو زمانة أو عظم خلق ونحوه مما يعجز عن خدمة نفسه ) كهزال مفرط ( أو يكون ) من له خادم ( ممن لا يخدم نفسه عادة ولا يجد رقبة فاضلة عن خدمته ) لم يلزمه العتق ( أو له دار يسكنها ) لم يلزمه العتق بثمنها ( أو ) له ( دابة يحتاج إلى ركوبها أو ) إلى ( الحمل عليها أو ) له ( كتب علم يحتاجها أو ) له ( ثياب يتجمل بها ) لم يلزمه العتق بثمنها ( إذا كان صالحا لمثله ) لأنه في حكم العدم كمن معه ماء يحتاج إليه لعطش أو نحوه ( أو لم يجد رقبة إلا بزيادة عن ثمن مثلها تجحف به لم يلزمه العتق ) لأن عليه ضررا في ذلك .

                                                                                                                      ( وإن كانت ) الزيادة ( تجحف به لزمه ) العتق كما لو وجدها بثمن مثلها ( وإن وجد ثمنها وهو محتاج إليه لم يلزمه شراؤها ) لما فيه من الضرر عليه ( وإن كان له مال يحتاج لأكل الطيب ولبس الناعم وهو من أهله لزمه شراؤها ) أي الرقبة لعدم عظم المشقة ( وإن كان له خادم يخدم امرأته وهو ) أي الزوج ( ممن عليه إخدامها ) لكون مثلها لا يخدم نفسه لم يلزمه العتق كما لو احتاجه لخدمة نفسه ( أو كان له رقيق يتقوت بخراجهم أو ) له ( عقار يحتاج إلى غلته أو عرض للتجارة ولا يستغنى عن ربحه في مئونته ) ومئونة عياله وحوائجه الأصلية ( لم يلزمه العتق ) لأنه غير فاضل عن حاجته .

                                                                                                                      ( وإن استغنى عن شيء من ذلك مما يمكنه أن يشتري به رقبة لزمه ) العتق لقدرته عليه بلا ضرر ( فلو كان له خادم يمكن بيعه ويشتري به ) أي بثمنه ( رقبتين يستغنى بخدمة إحداهما ويعتق الأخرى لزمه ذلك ، وكذا لو كان له ثياب فاخرة تزيد على ملابس مثله يمكنه بيعها وشراء ما يكفيه في لباسه و ) شراء ( رقبة يعتقها ) في كفارته ( أو له دار ) فوق ما يحتاجها ( يمكنه بيعها وشراء ما يكفيه لسكنى مثله ورقبة ) يعتقها بالباقي لزمه ، لأنه أمكنه العتق بلا ضرر ( أو ) له ( صنعة يفضل منها عن كفايته ما يمكنه به من شراء رقبة ويراعى في ذلك الكفاية التي يحرم معها أخذ الزكاة لزمه ) العتق لأنها بثمن مثلها ، ولا يعد شراؤها بذلك ضررا وإنما الضرر في إعتاقها ، وذلك لا يمنع الوجوب كما لو كان مالكا لها .

                                                                                                                      ( ويستثنى من ذلك لو كان له سرية لم يلزمه إعتاقها وإن أمكنه بيعها أو ) أمكنه ( شراء رقبة أخرى و ) شراء ( رقبة يعتقها لم يلزمه ذلك ) لأن الغرض قد يتعلق بعينها بخلاف الخادم ( وإن وجد رقبة ) تباع ( بثمن مثلها إلا أنها رفيعة يمكن أن يشتري بثمنها رقابا من غير جنسها لزمه شراؤها ) مع عدم غيرها و كون ثمنها فاضلا عن حاجته كما تقدم ، ولقدرته على العتق بلا ضرر ( وإن وهبت له ) رقبة [ ص: 379 ] يعتقها ( لم يلزمه قبولها ) كما لو وهب له ثمنها لما فيه من المنة عليه ، بخلاف ماء التيمم لعدم تموله عادة .

                                                                                                                      ( وإن كان ماله غائبا وأمكنه شراؤها ) أي شراء رقبة يعتقها ( ب ) ثمن نسيئة لزمه ذلك ( أو كان ماله دينا مرجو الوفاء ) وأمكنه شراء الرقبة نسيئة ( لزمه ذلك ) لأنه قادر عليها بما لا مضرة فيه ( فإن لم تبع بالنسيئة جاز الصوم ولو في غير كفارة الظهار ) للحاجة وكالعادم .

                                                                                                                      وفي الشرح إذا كان يرجو الحضور قريبا لم يجز الانتقال إلى الصوم لأن ذلك بمنزلة الانتظار لشراء الرقبة وإن كان بعيدا جاز الانتقال في غير كفارة الظهار لأنه لا ضرر في الانتظار ، وهل يجوز في كفارة الظهار ؟ على وجهين أحدهما لا يجوز لوجود الأصل في ماله ، والثاني : يجوز لأنه يحرم عليه المسيس ، فجاز له الانتفال للحاجة .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية