الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأيضا فيقال: القول في استلزام الذات لقدرها الذي لم يقدره المشركون ، كما قال تعالى : وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون [سورة الزمر 67] كاستلزام الذات لسائر صفاتها من العلم والقدرة والحياة ، فإنه لو كان مختص يحتاج إلى مخصص لزم الدور أو التسلسل الباطلان فلا بد من مختص بما يختص به يختص بذلك لنفسه وذاته، لا لأمر مباين له .

وهذا هو حقيقة الواجب لنفسه المستلزم لجميع نعوته من غير افتقار إلى غير نفسه ، مع أن ما ذكره في وجوب تناهي الأبعاد قد أبطل فيه مسالك الناس كلها ، وأنشأ مسلكا ذكر أنه لم يسبقه إليه أحد وإذا حرر الأمر عليه وعليهم في تلك المسالك كان القدح فيها أقوى من مسالكهم [في النفي] ، فلو قدر أن اثنين أثبت أحدهما موجودا قائما بنفسه لا يتناهى، وأثبت الآخر موجودا لا يكون متناهيا ولا غير [ ص: 206 ] متناه، كان قول الثاني أفسد، والأول أقرب إلى الصواب، وما من مقدمة يدعون بها إفساد قول الأول إلا وفي أقوالهم ما هو أفسد منها .

والمناظرة تارة تكون بين الحق والباطل ، وتارة بين القولين الباطلين لتبيين بطلانهما ، أو بطلان أحدهما، أو كون أحدهما أشد بطلانا من الآخر ، فإن هذا ينتفع به كثيرا في أقوال أهل الكلام والفلسفة وأمثالهم ، ممن يقول أحدهم القول الفاسد وينكر على منازعه ما هو أقرب منه إلى الصواب، فيبين أن قول منازعه أحق بالصحة إن كان قوله صحيحا ، وأن قوله أحق بالفساد إن كان قول منازعه فاسدا، لتنقطع بذلك حجة الباطل ، فإن هذا أمر مهم ، إذ كان المبطلون يعارضون نصوص الكتاب والسنة بأقوالهم، فإن بيان فسادها أحد ركني الحق وأحد المطلوبين ، فإن هؤلاء لو تركوا نصوص الأنبياء لهدت وكفت، ولكن صالوا عليها صول المحاربين لله ولرسوله، فإذا دفع صيالهم وبين ضلالهم كان ذلك من أعظم الجهاد في سبيل الله .

وقد حكى الأشعري وغيره عن طوائف أنهم يقولون : إنه لا يتناهى، وهؤلاء نوعان : نوع يقول : هو جسم ، ونوع يقول: ليس بجسم، فإذا أراد النفاة أن يبطلوا قول هؤلاء لم يمكنهم ذلك، فإنهم إذا قالوا : يلزم أن يخالط القاذورات والأجسام ، قالوا : كما أثبتم موجودا لا يشار إليه ، ولا هو داخل ولا خارج ، فنحن نثبت موجودا هو داخل [ ص: 207 ] ولا يخالط غيره. فإذا قالوا: هذا لا يعقل. قالوا : وذلك لا يعقل .

التالي السابق


الخدمات العلمية