الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما الآثار فقد جاء في الأثر : لا تزال لا إله إلا الله تدفع عن العباد سخط الله عز وجل ما لم يسألوا ما نقص من دنياهم .

وفي لفظ آخر : ما لم يؤثروا صفقة دنياهم على دينهم فإذا ، فعلوا ذلك وقالوا : لا إله إلا الله ، قال الله تعالى : كذبتم لستم بها صادقين .

وعن بعض الصحابة : رضي الله عنهم : أنه قال : تابعنا الأعمال كلها فلم نر في أمر الآخرة أبلغ من زهد في الدنيا .

وقال بعض الصحابة لصدر من التابعين أنتم أكثر أعمالا واجتهادا من أصحاب رسول الله : صلى الله عليه وسلم وكانوا خيرا منكم قيل : ولم ذلك ؟ قال : كانوا أزهد في الدنيا منكم .

وقال عمر : رضي الله عنه : الزهادة في الدنيا راحة القلب والجسد .

وقال بلال بن سعد كفى به ذنبا أن الله تعالى يزهدنا في الدنيا ونحن نرغب فيها .

وقال رجل لسفيان أشتهي أن أرى عالما زاهدا فقال : ويحك تلك ضالة لا توجد .

وقال وهب بن منبه إن للجنة ثمانية أبواب ، فإذا صار أهل الجنة إليها جعل البوابون يقولون : وعزة ربنا لا يدخلها أحد قبل الزاهدين في الدنيا العاشقين للجنة .

وقال يوسف بن أسباط رحمه الله إني لأشتهي من الله ثلاث خصال : أن أموت حين أموت وليس في ملكي درهم ولا يكون علي دين ولا على عظمي لحم فأعطي ، ذلك كله .

وروي أن بعض الخلفاء أرسل إلى الفقهاء بجوائز فقبلوها وأرسل إلى الفضيل بعشرة آلاف فلم يقبلها ، فقال له بنوه قد قبل الفقهاء وأنت ترد على حالتك هذه فبكى الفضيل وقال : أتدرون ما مثلي ومثلكم كمثل قوم كانت لهم بقرة يحرثون عليها فلما هرمت ذبحوها لأجل أن ينتفعوا : بجلدها كذلك ، أنتم أردتم ذبحي على كبر سني ، موتوا يا أهلي جوعا خير لكم من أن تذبحوا فضيلا .

وقال عبيد بن عميرة كان المسيح ابن مريم عليه السلام : يلبس الشعر ويأكل الشجر وليس له ولد يموت ولا بيت يخرب ولا يدخر لغد أينما أدركه المساء نام .

وقالت امرأة أبي حازم لأبي هذا الشتاء قد هجم علينا ولا بد لنا من الطعام والثياب والحطب ، فقال لها أبو حازم : من هذا كله بد ولكن لا بد لنا من الموت ثم البعث ثم الوقوف بين يدي الله تعالى ثم الجنة أو النار .

وقيل : للحسن لم لا تغسل ثيابك قال : الأمر أعجل من ذلك .

وقال إبراهيم بن أدهم قد حجبت قلوبنا بثلاثة أغطية فلن يكشف للعبد اليقين حتى ترفع هذه الحجب الفرح بالموجود والحزن على المفقود والسرور بالمدح ، فإذا فرحت بالموجود فأنت حريص وإذا حزنت على المفقود فأنت ساخط والساخط معذب ، وإذا سررت بالمدح فأنت معجب والعجب يحبط العمل .

وقال ابن مسعود رضي الله عنه ركعتين : من زاهد قلبه خير له وأحب إلى الله من عبادة المتعبدين المجتهدين إلى آخر الدهر أبدا سرمدا .

وقال بعض السلف : نعمة الله علينا فيما صرف عنا أكثر من نعمته فيما صرف إلينا وكأنه التفت إلى معنى قوله : صلى الله عليه وسلم : إن الله يحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه كما تحمون مريضكم الطعام والشراب تخافون عليه فإذا فهم هذا علم أن النعمة في المنع المؤدي إلى الصحة أكبر منها في الإعطاء المؤدي إلى السقم .

وكان الثوري يقول : الدنيا دار التواء لا دار استواء ودار ترح لا دار فرح ، من عرفها لم يفرح برخاء ولم يحزن على شقاء .

وقال سهل لا يخلص العمل لمتعبد حتى يفرغ من أربعة أشياء : الجوع والعري والفقر والذل .

وقال الحسن البصري أدركت أقواما وصحبت طوائف ما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا أقبل ولا يأسفون على شيء منها أدبر ولهي كانت في أعينهم أهون من التراب كان أحدهم يعيش خمسين سنة أو ستين سنة لم يطوله ثوب ولم ينصب له قدر ولم يجعل بينه وبين الأرض شيئا ولا أمر من في بيته بصنعة طعام قط فإذا كان الليل فقيام على أقدامهم يفترشون وجوههم تجري دموعهم على خدودهم يناجون ربهم في فكاك رقابهم كانوا إذا عملوا الحسنة دأبوا في شكرها وسألوا الله أن يقبلها وإذا عملوا السيئة أحزنتهم وسألوا الله أن يغفرها لهم فلم يزالوا على ذلك ووالله ما سلموا من الذنوب ولا نجوا إلا بالمغفرة رحمة الله عليهم ورضوانه .

التالي السابق


(وأما الآثار فقد جاء في الأثر: لا تزال) كلمة (لا إله إلا الله تدفع عن العبد سخط الله) أي: غضبه (ما لم يبالوا ما نقص من دنياهم) بسلامة دينهم (وفي لفظ آخر: ما لم يؤثروا صفقة دنياهم على دينهم، فإن فعلوا ذلك وقالوا: لا إله إلا الله، قال الله تعالى: كذبتم لستم بها صادقين) ، وفي لفظ آخر: فإذا قالوها ردت عليهم، أورد المصنف هذا في الآثار على أنه ليس بمرفوع متصل، وليس كذلك، بل روى ذلك من حديث زيد بن أرقم: لا تزال لا إله إلا الله تحجب غضب الرب عن الناس ما لم يبالوا ما ذهب من دينهم إذا صلحت لهم دنياهم، فإذا قالوها قيل: كذبتم لستم من أهلها. رواه ابن النجار في تاريخه، وروى الحاكم في تاريخه من رواية أبان عن أنس رفعه: لا تزال لا إله إلا الله تنفع من قالها حتى يستخفوا بحقها. والاستخفاف بحقها أن يظهروا العمل بالمعاصي فلا ينكروه ولا يغيروه (وعن بعض الصحابة - رضي الله عنهم - أنه قال: تابعنا الأعمال كلها فلم نر في أمر الآخرة أبلغ من زهد في الدنيا) ولفظ القوت: تابعنا الأعمال كلها بعضها على إثر بعض فلم نر أبلغ في أمر الآخرة من زهادة في الدنيا (وقال بعض الصحابة لصدر من التابعين) أي: للصدر الأول منهم لما رأوا شدة اجتهادهم في العبادة: (أنتم أكثر أعمالا واجتهادا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و) هم (كانوا خيرا منكم قيل: ولم ذاك؟ قال: كانوا أزهد في الدنيا منكم) نقله صاحب القوت. وكذلك قال أبو الدرداء لما وصف الأبدال فذكر قلوبهم ومواجيدهم وعلم اليقين منهم وأحوال الصديقين فيهم فقال له صاحبه: والله ما سمعت صفة أحسن من هذه، ولا أعجب إلي منها، فكيف لي أن أكون من أهلها؟ فقال: يا ابن أخي ما بينك وبين أن تكون من أوسطهم أو في أوسطها حالا أن تزهد في الدنيا، فبقدر زهدك فيها وبغضك لها يدخل حب الآخرة والرغبة والروح في قلبك، وبقدر ذلك يحبك ربك، قلت: والمراد ببعض الصحابة هو عبد الله بن مسعود، قال أبو نعيم في الحلية: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا محمد بن شبل، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الرحمن بن زيد عن عبد الله قال: أنتم أكثر صلاة وصياما واجتهادا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم كانوا خيرا منكم، قالوا: لم يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: هم كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة.

(وقال عمر) بن الخطاب (- رضي الله عنه -: الزهادة في الدنيا راحة القلب والجسد) وهذا قد روي مرفوعا من حديث أبي هريرة، رواه ابن لال في مكارم الأخلاق، ولفظه: الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن والرغبة في الدنيا تتعب القلب والبدن (وقال بلال بن سعد) [ ص: 335 ] ابن تميم الأشعري أو الكندي أبو عمرو أو أبو زرعة الدمشقي ثقة عابد فاضل مات في خلافة هشام، روى له البخاري في كتاب الأدب، وأبو داود في كتاب القدر، والنسائي.

(كفى به ذنبا أن الله تعالى يزهدنا في الدنيا ونحن نرغب فيها) نقله صاحب القوت عن بعض السلف قال: والآخر يقول: كفى من الذنوب التي لا نفتر منها ولا نتوب حبنا للدنيا ولأبنائها، (وقال رجل لسفيان) الثوري: (أشتهي أن أرى عالما زاهدا) في الدنيا (فقال: ويحك تلك ضالة لا توجد) رواه أبو نعيم في الحلية، (وقال وهب بن منبه) - رحمه الله تعالى -: (للجنة ثمانية أبواب، فإذا صار أهل الجنة إليها جعل البوابون) أي: الملائكة الموكلون بالأبواب (يقولون: وعزة ربنا لا يدخلها أحد قبل) الناس كلهم (إلا الزاهدين في الدنيا والعاشقين في الجنة) أي: المحبين لها .

(وقال يوسف بن أسباط) الشيباني - رحمه الله تعالى -: (إني لأشتهي من الله ثلاث خصال: أن أموت حين أموت وليس في ملكي درهم ولا يكون علي دين ولا على عظمي لحم، فأعطي ذلك كله) ترجم له أبو نعيم في الحلية، وهو من أقران حذيفة المرعشي (وروي أن بعض الخلفاء) من بني العباس (أرسل إلى الفقهاء بجوائز) أي: عطايا (فقبلوها وأرسل إلى الفضيل) بن عياض - رحمه الله تعالى - (بعشرة آلاف فلم يقبلها، فقال له بنوه) : يا أبتاه، (قد قبل الفقهاء وأنت ترد على حالتك هذه) أي: من الخصاصة (فبكى الفضيل وقال: أتدرون ما مثلي ومثلكم كمثل قوم كانت لهم بقرة يحرثون عليها فلما هرمت) أي: أسنت وعجزت عن العمل (قيل: ألا تنتفعون بجلدها، وكذلك أنتم أردتم ذبحي على كبر سني، موتوا يا أهلي جوعا خير لكم من أن تذبحوا فضيلا) .

رواه أبو نعيم في الحلية نحوه في قصة طويلة قال: حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا محمد بن زكريا الغلابي، حدثنا أبو عمر الجرمي النحوي، حدثنا الفضل بن الربيع قال: حج أمير المؤمنين يعني: هارون الرشيد فأتاني فخرجت مسرعا، فقلت: يا أمير المؤمنين، لو أرسلت لي أتيتك، فقال لي: ويحك قد حك في نفسي شيء فانظر لي رجلا أسأله، فذكر لقيه لجماعة من الفقهاء منهم سفيان بن عيينة وعبد الرزاق بن همام وأنه أعطاهما الجوائز ولقي الفضيل بن عياض فذكر قصة طويلة تقدم بعضها في وعظ العلماء الملوك، وذكر وعظه له وفيه: فبكى هارون وقال له: عليك دين؟ قال: نعم، دين لربي لم يحاسبني عليه، فالويل لي إن سألني وناقشني، قال: إنما أعني من دين العباد هذه ألف دينار خذها فأنفقها على عيالك وتقوى بها على عبادتك، فقال: سبحان الله، أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا؟ سلمك الله ووفقك، ثم صمت قال: فخرجنا من عنده فلما صرنا على الباب فدخلت عليه امرأة من نسائه فقالت: يا هذا قد ترى ما نحن فيه من ضيق الحال فلو قبلت هذا المال فتفرحنا به، فقال لها: مثلي ومثلكم كمثل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه فلما كبر نحروه فأكلوا لحمه.

(وقال عبيد بن عمير) بن قتادة الليثي أبو عاصم المكي القاص من كبار التابعين مجمع على ثقته، روى له الجماعة (كان المسيح - عليه السلام - يلبس الشعر ويأكل الشجر وليس له ولد يموت ولا بيت يخرب ولا يدخر لغد أينما أدركه المساء نام) روى ابن عساكر نحوه عن مجاهد ولفظه: كان يلبس الشعر ويأكل الشجر ولا يخبئ اليوم لغد ويبيت حيث آواه الليل، لم يكن له ولد فيموت، ولا بيت فيخرب، ورواه أحمد في الزهد عن سفيان: كان عيسى - عليه السلام - لا يخبئ عشاء لغداء ولا غداء لعشاء، يقول: مع كل يوم وليلة رزقها، ليس له بيت يخرب، وروى ابن عساكر عن كعب: أن عيسى - عليه السلام - كان يأكل الشعير ويمشي على رجليه ولا يركب الدواب ولا يسكن البيوت ولا يصطبح بالسراج، ولا يلبس القطن، ولم يمس النساء، ولم يمس الطيب، ولم يمزج شرابه بشيء قط، ولم يبرده، ولم يدهن رأسه قط، ولم يجعل بين الأرض وجلده شيئا قط إلا لباسه، ولم يهتم لغداء قط، ولا لعشاء قط، ولا اشتهى شيئا من شهوات الدنيا.

(وقالت امرأة أبي حازم لأبي حازم) مسلمة بن دينار الأعرج المدني التابعي العابد الفقيه (هذا الشتاء قد هجم علينا ولا بد لنا من الطعام والثياب والحطب، فقال أبو حازم: من هذا كله بد ولكن لا بد لنا من الموت ثم البعث ثم الوقوف بين يدي الله تعالى ثم إلى الجنة أو النار، وقيل: للحسن) البصري - رحمه الله تعالى - وقد رئي عليه ثوب وسخ (لم لا تغسل [ ص: 336 ] ثيابك قال: الأمر أعجل من ذلك) نقله صاحب القوت .

(وقال إبراهيم بن أدهم) - رحمه الله تعالى - (قد حجبت قلوبنا بثلاثة أغطية فلن يكشف للعبد اليقين حتى ترتفع هذه الحجب) الأول (الفرح بالموجود و) الثاني (الحزن على المفقود و) الثالث (السرور بالمدح، فإذا فرحت بالموجود فأنت حريص) والحريص محروم (فإذا حزنت على المفقود فأنت ساخط والساخط معذب، وإذا سررت بالمدح فأنت معجب والعجب يحبط العمل) .

نقله صاحب القوت وقال أبو نعيم في الحلية: حدثنا أبو عمر وعثمان بن محمد العثماني، حدثنا العباس بن أحمد الرملي عن بعض أشياخه قال: قال إبراهيم بن أدهم: على القلب ثلاثة أغطية الفرح والحزن والسرور، فإذا فرحت بالموجود فأنت حريص والحريص محروم. وساقه إلى آخره كسياق صاحب القوت، ثم قال: ودليل ذلك قوله تعالى: لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ثم قال صاحب القوت: وهذان الوصفان هما أتم حالا من الزهد من أعطي أحدهما تبعه الآخر; لأن الذي لا يأسى على ما فاته من الدنيا والذي لا يفرح على بما أتاه منها; لأنه مثله والذي لا يفرح بما أتاه منها هو الذي لا يحزن على ما فاته منها، إذ هو نحوه، والأسى على المفقود بعد الفرح بالموجود، وهذان الوصفان هما ثمرة اليقين بما أمر به من ستر النصيب في الكتاب المبين، ومشاهدة التوفية للنصيب لا محالة مع الزهد، لقوله تعالى: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ثم أحكمه وفرغ منها لقوله تعالى: وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص كذلك كان أول الخبر عن فقد الأسى على الفوت وترك الوجد بالفرح على ما لا يفوت، فأول الكلام قوله: ما أصاب من مصيبة في الأرض فهذا المنفصل عن النفس ولا في أنفسكم وهذا المتصل بالجسم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها نخلق النفس والمصيبة معا ثم عقبه بقوله: لكيلا تأسوا على الفوت فيقطعكم الحزن عن المغيب ولا تفرح بمالك بما قد كتب في الكتاب فيشغلك السبب عن ولي الأسباب، وهذا وصف عبد غير متملك لملك، وسيما عبد قائم بحكم رب، ونعت عبد موقن محب قد شغلته مشاهدة الآخرة عن التفرغ لمتعة الدنيا، وقد فرغته معاينة الغيب عن الاشتغال بما يغني. والله أعلم .

(وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: ركعتان من زاهد قلبه خير له وأحب إلى الله من عبادة المتعبدين المجتهدين إلى آخر الدهر أبدا سرمدا) رواه مسروق عنه كما في القوت قلت: وقد روي نحوه مرفوعا من حديث أنس: ركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط، رواه أبو نعيم، وروى ابن النجار عن موسى بن جعفر عن أبيه عن جده: ركعتان من عالم أفضل من سبعين ركعة من غير عالم، وروى الشيرازي في الألقاب من طريق مالك بن دينار عن الحسن عن أنس عن علي رفعه: ركعتان من عالم بالله خير من ألف ركعة من متجاهل بالله.

(وقال بعض السلف: نعمة الله علينا فيما صرف عنا) من الدنيا (أكثر من نعمته علينا فيما صرف إلينا) نقله صاحب القوت (وكأنه التفت إلى معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله يحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه كما تحمون مريضكم الطعام والشراب تخافون عليه) رواه أحمد وابن عساكر من حديث محمود بن لبيد، ورواه الحاكم من حديث أبي سعيد الخدري، وقد تقدم، وكان الفضيل يمثل حال المؤمن في الدنيا بالطفل مع أمه يقول: إن الله يحمي عبده المؤمن من الدنيا، ويعلله عنها ويمررها عليه مرة بالجوع ومرة بالعري ومرة بالحاجة والغم والكروب كما تصنع الوالدة الشفيقة بولدها تعلله مرة تسقيه صبرا، ومرة حضضا ومرة تجرعه ألوان الأشربة والأغذية تريد بذلك ما هو خير له من حيث لا يعلم.

(وإذا فهم هذا على أن النعمة في المنع المؤدي إلى الصحة أكثر منها في الإعطاء المؤدي إلى السقم وكان) سفيان (الثوري) - رحمه الله تعالى - (يقول: الدنيا دار التواء) أي: الهلاك، (لا دار استواء) أي: اعتدال وإقامة (ودار ترح) أي: تعب وحزن (لا دار فرح، من عرفها لم يفرح برخاء) أي: بسعة (ولم يحزن على شقاء) أي: الضيق والتعب كذا في القوت .

(وقال) أبو محمد (سهل) التستري - رحمه الله تعالى - (لا يخلص العمل لمتعبد حتى لا يفزع) أي: لا يجزع ولا يخاف (من أربعة أشياء: الجوع والعري والفقر والذل) نقله صاحب القوت ولفظه: لا يصح التعبد لأحد [ ص: 337 ] ولا يخلص له عمله حتى لا يجزع ولا يفر من أربعة أشياء والباقي سواء .

(وقال الحسن) البصري - رحمه الله تعالى -: (أدركت أقواما وصحبت طوائف ما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا) إذا (أقبل) عليهم (ولا يأسفون على شيء منها) إذا (أدبر) عنهم (ولهي كانت في أعينهم أهون من التراب) فضلا عن أن تكون مساوية له (كان أحدهم يعيش خمسين سنة أو ستين سنة) أو أقل أو أكثر (لم يطوله ثوب ولم تنصب له قدر ولم يجعل بينه وبين الأرض شيئا) سوى الثوب الذي على جسده، (ولا أمر في بيته بصنعة طعام قط) وإنما يأكل ما وجد وتيسر (فإذا كان الليل فقيام على أقدامهم) في العبادة (يفترشون وجوههم) تذللا (تجري دموعهم على خدودهم) تخوفا (يناجون ربهم في فكاك رقابهم) من النار (كانوا إذا عملوا الحسنة دأبوا في شكرها) حيث أنعم الله عليهم بها (وسألوا الله أن يقبلها) منهم (وإذا عملوا السيئة أحزنتهم وسألوا الله أن يغفر لهم فلم يزالوا على ذلك) الحال والدأب (ووالله ما سلموا) مع ذلك (من الذنوب ولا نجوا إلا بالمغفرة) - رحمة الله عليهم ورضوانه - والله الموفق .




الخدمات العلمية