الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة وقال الليث حدثني يونس قال أخبرني نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته مردفا أسامة بن زيد ومعه بلال ومعه عثمان بن طلحة من الحجبة حتى أناخ في المسجد فأمره أن يأتي بمفتاح البيت فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة فمكث فيه نهارا طويلا ثم خرج فاستبق الناس فكان عبد الله بن عمر أول من دخل فوجد بلالا وراء الباب قائما فسأله أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار له إلى المكان الذي صلى فيه قال عبد الله فنسيت أن أسأله كم صلى من سجدة

                                                                                                                                                                                                        4039 حدثنا الهيثم بن خارجة حدثنا حفص بن ميسرة عن هشام بن عروة عن أبيه أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح من كداء التي بأعلى مكة تابعه أبو أسامة ووهيب في كداء [ ص: 612 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 612 ] قوله : ( باب دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعلى مكة ) أي حين فتحها . وقد روى الحاكم في " الإكليل " من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال : " دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة يوم الفتح وذقنه على رحله متخشعا " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال الليث : حدثني يونس ) هو ابن يزيد ، وهذه الطريق وصلها المؤلف في الجهاد ، وتقدم شرح الحديث في الصلاة وفي الحج في " باب إغلاق البيت " مع فوائد كثيرة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأمره أن يأتي بمفتاح البيت ) روى عبد الرزاق والطبراني من جهته من مرسل الزهري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعثمان يوم الفتح : ائتني بمفتاح الكعبة ، فأبطأ عليه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينتظره ، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق ، ويقول : ما يحبسه ؟ فسعى إليه رجل ، وجعلت المرأة التي عندها المفتاح وهي أم عثمان واسمها سلافة بنت سعيد تقول : إن أخذه منكم لا يعطيكموه أبدا ، فلم يزل بها حتى أعطت المفتاح ، فجاء به ففتح ، ثم دخل البيت ، ثم خرج فجلس عند السقاية فقال علي : إنا أعطينا النبوة والسقاية والحجابة ، ما قوم بأعظم نصيبا منا . فكره النبي - صلى الله عليه وسلم - مقالته . ثم دعا عثمان بن طلحة فدفع المفتاح إليه .

                                                                                                                                                                                                        وروى ابن أبي شيبة من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب مرسلا نحوه ، وعند ابن إسحاق بإسناد حسن عن صفية بنت شيبة قالت : لما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واطمأن الناس خرج حتى جاء البيت فطاف به ، فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتح له فدخلها ، ثم وقف على باب الكعبة فخطب قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل العلم أنه - صلى الله عليه وسلم - قام على باب الكعبة ، فذكر الحديث ، وفيه : ثم قال يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل فيكم ؟ قالوا : خيرا ، أخ كريم وابن أخ كريم . قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء . ثم جلس فقام علي فقال : اجمع لنا الحجابة والسقاية ، فذكره . وروى ابن عائذ من مرسل عبد الرحمن بن سابط أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دفع مفتاح الكعبة إلى عثمان فقال : خذها خالدة مخلدة ، إني لم أدفعها إليكم ولكن الله دفعها إليكم ، ولا ينزعها منكم إلا ظالم .

                                                                                                                                                                                                        ومن طريق ابن جريج أن عليا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : اجمع لنا الحجابة والسقاية ، فنزلت إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها فدعا عثمان فقال : خذوها يا بني شيبة خالدة تالدة ، لا ينزعها منكم إلا ظالم . ومن طريق علي بن أبي طلحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يا بني شيبة كلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف . وروى الفاكهي من طريق محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ناول عثمان المفتاح قال له : غيبه . قال الزهري : فلذلك يغيب المفتاح . ومن حديث ابن عمر أن بني أبي طلحة كانوا يقولون : لا يفتح الكعبة إلا هم ، فتناول النبي - صلى الله عليه وسلم - المفتاح ففتحها بيده .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا الهيثم بن خارجة ) بخاء معجمة وجيم خراساني نزل بغداد ، كان من الأثبات . قال عبد الله [ ص: 613 ] بن أحمد : كان أبي إذا رضي عن إنسان وكان عنده ثقة حدث عنه وهو حي ، فحدثنا عن الهيثم بن خارجة وهو حي ، وليس له عند البخاري موصول سوى هذا الموضع .

                                                                                                                                                                                                        ( تابعه أبو أسامة ووهيب في كداء ) أي روياه عن هشام بن عروة بهذا الإسناد وقالا في روايتهما : " دخل من كداء " أي بالفتح والمد ، وطريق أبي أسامة وصلها المصنف في الحج عن محمود بن غيلان عنه موصولا ، وأوردها هنا عن عبيد بن إسماعيل عنه فلم يذكر فيه عائشة . وأما طريق وهيب وهو ابن خالد فوصلها المصنف أيضا في الحج ، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى هناك .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية