الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رحمه الله تعالى : " فإن رعف وخلفه مسافرون ومقيمون فقدم مقيما كان على جميعهم ، وعلى الراعف أن يصلوا أربعا : لأنه لم يكمل واحد منهم الصلاة حتى كان فيها في صلاة مقيم . ( قال المزني ) : هذا غلط الراعف يبتدئ ولم يأتم بمقيم ، فليس عليه ولا على المسافر إتمام ، ولو صلى المستخلف بعد حدثه أربعا لم يصل هو إلا ركعتان لأنه مسافر لم يأتم بمقيم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها في مسافر صلى بمسافرين ومقيمين فرعف في تضاعيف صلاته ، وقبل سلامه ، فعلى مذهب الشافعي في القديم والإملاء أن صلاته لا تبطل بالرعاف ، وإن غسل رعافه ، وعاد قريبا بنى على صلاته ، وعلى قوله في الجديد - وهو الصحيح - قد بطلت صلاته بالرعاف فعلى هذا لهم حالان : حال يستخلف عليهم من يصلي بهم بقية صلاتهم . وحال يتموا الصلاة لأنفسهم ، فإن صلوا لأنفسهم صلى المقيمون أربعا ، والمسافرون ركعتين إن شاءوا القصر ، وكان الإمام الراعف بالخيار إذا استأنف الصلاة بين أن يتم ، أو يقصر .

                                                                                                                                            وإن صلوا بإمام مستخلف فله حالان .

                                                                                                                                            أحدهما : أن يستخلفه الإمام الراعف .

                                                                                                                                            والثاني : أن يستخلفوه لأنفسهم ، فإن استخلفه الإمام الراعف لم تخل حاله من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن يكون مسافرا ، أو مقيما ، فإن كان مسافرا ، ونوى القصر صلى هو ومن خلفه من المسافرين ركعتين ، وصلى المقيمون أربعا ، وكان للإمام الراعف أن يصلي ركعتين إن شاء القصر ، وإن كان مقيما وجب عليه وعلى من خلفه من المقيمين ، والمسافرين أن يصلوا أربعا لائتمامهم بمقيم ، فأما الإمام الراعف : فقد قال الشافعي : عليه أن يتم الصلاة أربعا .

                                                                                                                                            قال المزني : هذا غلط يجب أن يلزمه الإتمام لأنه مسافر لم يدخل في صلاة مقيم .

                                                                                                                                            فأجاب أصحابنا عن ذلك بثلاثة أجوبة .

                                                                                                                                            [ ص: 385 ] أحدها : وهو جواب أبي إسحاق المروزي : أن المسألة مضمونة على أن الراعف حين غسل رعافه رجع فأحرم خلف المقيم فلزمه الإتمام . ولو لم يرجع ، وصلى لنفسه منفردا جاز له القصر كما قال المزني .

                                                                                                                                            قال : وتعليل الشافعي يدل على هذا ، وهو قوله : لأن كل واحد منهم لم يكمل الصلاة حتى حمل فيها في صلاة مقيم . فهذا جواب وعليه أكثر أصحابنا .

                                                                                                                                            والجواب الثاني : وهو جواب أبي العباس بن سريج أن الشافعي إنما لزمه الإتمام على قوله في القديم : إن الرعاف لا يبطل الصلاة ، فإذا استخلف مقيما في صلاة هو فيها لزمه أن يتم لأنه صار مؤتما بمتمم وأما على قوله في الجديد فلا يلزمه الإتمام .

                                                                                                                                            والجواب الثالث : وهو جواب بعضهم أن الشافعي أوجب عليه الإتمام على القولين معا ، سواء عاد فدخل معه في الصلاة ، أم لا ، وإنما وجب عليه الإتمام ، لأنه أصل ، والإمام المستخلف فرعه ، والفرع لا يكون أوكد حالا من أصله ، فلما وجب على الفرع الإتمام كان الأصل به أولى .

                                                                                                                                            وإذا كان الراعف قد استخلفه القوم مكانه ففيه لأصحابنا وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الجواب على ما مضى من استخلاف الراعف له سواء .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن الراعف إذا لم يستخلفه فله أن يقصر بكل حال ، أعني الراعف : لأن المستخلف ، وإن كان مقيما فليس بفرع للراعف فيلزمه حكم صلاته في الإتمام ، فعلى هذا لو استخلف المقيمون مقيما ، والمسافرون مسافرا جاز وصلى المقيمون مع إمامهم أربعا ، وصلى المسافرون مع إمامهم ركعتين ، وكذلك لو افترقوا ثلاث فرق ، وأكثر وقدمت كل فرقة منهم إماما جاز ، ولو كان إمامهم قبل الحدث واحدا إذا قيل بجواز الاستخلاف . نصالشافعي عليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية