الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          763 - مسألة : ومن أقام من قبل الفجر ولم يسافر إلى بعد غروب الشمس في سفره فعليه إذا نوى الإقامة المذكورة أن ينوي الصوم ولا بد ، سواء كان في جهاد ، أو عمرة ، أو غير ذلك ، لأنه إنما ألزم الفطر إذا كان على سفر وهذا مقيم ; فإن أفطر عامدا فقد أخطأ إن كان جاهلا متأولا ، وعصى إن كان عالما ولا قضاء عليه ; لأنه مقيم صحيح [ ص: 406 ] ظن أنه مسافر ; فإن نوى من الليل وهو في سفره أن يرحل غدا فلم ينو الصوم فلما كان من الغد حدثت له إقامة فهو مفطر ; لأنه مأمور بما فعل ، وهو على سفر ما لم ينو الإقامة المذكورة وهذا بخلاف الصلاة ; لأن النص ورد في الصلاة بقصر عشرين يوما يقيمها في الجهاد ، وبقصر أربعة أيام يقيمها في الحج . وبقصر ما يكون فيه من الصلوات مقيما ما بين نزوله إلى رحيله من غد ، ولم يأت نص بأن يفطر في غير يوم لا يكون فيه مسافرا .

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : قال الله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } فهذا على سفر ؟ قلنا : لو كانت " على " في هذه الآية معناها ما ظننتم من إرادة السفر لا الدخول في السفر لوجب على من أراد السفر وهو في منزله أن يفطر وإن نوى السفر بعد أيام ; لأنه على سفر وهذا ما لا يشك في أنه لا يقوله أحد ; ويبطله أيضا أول الآية إذ يقول تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } فوجب على الشاهد صيامه وعلى المسافر إفطاره لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ليس من البر الصيام في السفر } ولقوله عليه الصلاة والسلام : { إن الله وضع عن المسافر الصيام وشطر الصلاة } . فصح أنه ليس إلا مسافر أو شاهد ; فالشاهد يصوم والمسافر يفطر وليس المسافر إلا المنتقل لا المقيم ; فلا يفطر إلا من انتقل بخلاف من لم ينتقل ، ومن كان مقيما صائما فحدث له سفر فإنه إذا برز عن موضعه فقد سافر فقد بطل صومه وعليه قضاؤه ; وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : بل نقيس الصوم على الصلاة ؟ قلنا : القياس باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا ; لأنهم متفقون على أن قصر بعض الصلوات لا يقاس عليه قصر سائرها ، فإذا لم يجز عندهم قياس قصر صلاة على قصر صلاة أخرى فأبطل وأبعد أن يقاس فطر على فطر ; وأيضا فقد ينوي في الصلاة المسافر إقامة فينتقل إلى حكم المقيم ولا يمكن ذلك في الصوم ، فبطل على كل حال قياس أحدهما على الآخر - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية