الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب غزوة أوطاس

                                                                                                                                                                                                        4068 حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة فقتل دريد وهزم الله أصحابه قال أبو موسى وبعثني مع أبي عامر فرمي أبو عامر في ركبته رماه جشمي بسهم فأثبته في ركبته فانتهيت إليه فقلت يا عم من رماك فأشار إلى أبي موسى فقال ذاك قاتلي الذي رماني فقصدت له فلحقته فلما رآني ولى فاتبعته وجعلت أقول له ألا تستحيي ألا تثبت فكف فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته ثم قلت لأبي عامر قتل الله صاحبك قال فانزع هذا السهم فنزعته فنزا منه الماء قال يا ابن أخي أقرئ النبي صلى الله عليه وسلم السلام وقل له استغفر لي واستخلفني أبو عامر على الناس فمكث يسيرا ثم مات فرجعت فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته على سرير مرمل وعليه فراش قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر وقال قل له استغفر لي فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال اللهم اغفر لعبيد أبي عامر ورأيت بياض إبطيه ثم قال اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس فقلت ولي فاستغفر فقال اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما قال أبو بردة إحداهما لأبي عامر والأخرى لأبي موسى

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب غزوة أوطاس ) قال عياض : هو واد في دار هوازن ، وهو موضع حرب حنين انتهى . وهذا الذي قاله ذهب إليه بعض أهل السير ، والراجح أن وادي أوطاس غير وادي حنين ، ويوضح ذلك ما ذكر ابن [ ص: 638 ] إسحاق أن الوقعة كانت في وادي حنين ، وأن هوازن لما انهزموا صارت طائفة منها إلى الطائف وطائفة إلى بجيلة وطائفة إلى أوطاس ، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - عسكرا مقدمهم أبو عامر الأشعري إلى من مضى إلى أوطاس كما يدل عليه حديث الباب ، ثم توجه هو وعساكره إلى الطائف . وقال أبو عبيدة البكري : أوطاس واد في ديار هوازن ، وهناك عسكروا هم وثقيف ثم التقوا بحنين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بعث أبا عامر ) هو عبيد بن سليم بن حضار الأشعري ، وهو عم أبي موسى . وقال ابن إسحاق : هو ابن عمه . والأول أشهر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فلقي دريد بن الصمة فقتل دريد ) أما الصمة فهو بكسر المهملة وتشديد الميم أي ابن بكر بن علقمة - ويقال : ابن الحارث بن بكر بن علقمة - الجشمي بضم الجيم وفتح المعجمة من بني جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن ، فالصمة لقب لأبيه واسمه الحارث ، وقوله فقتل رويناه على البناء للمجهول ، واختلف في قاتله فجزم محمد بن إسحاق بأنه ربيعة بن رفيع بفاء مصغر ابن وهبان بن ثعلبة بن ربيعة السلمي وكان يقال له : ابن الذعنة بمعجمة ثم مهملة ، ويقال بمهملة ثم معجمة ، وهي أمه ، وقال ابن هشام : يقال : اسمه عبد الله بن قبيع بن أهبان ، وساق بقية نسبه . ويقال له أيضا : ابن الدغنة وليس هو ابن الدغنة المذكور في قصة أبي بكر في الهجرة ، وروى البزار في مسند أنس بإسناد حسن ما يشعر بأن قاتل دريد بن الصمة هو الزبير بن العوام ولفظه " لما انهزم المشركون انحاز دريد بن الصمة في ستمائة نفس على أكمة فرأوا كتيبة ، فقال : خلوهم لي ، فخلوهم ، فقال : هذه قضاعة ولا بأس عليكم ، ثم رأوا كتيبة مثل ذلك ، فقال : هذه سليم ، ثم رأوا فارسا وحده فقال : خلوه لي ، فقالوا معتجر بعمامة سوداء ، فقال : هذا الزبير بن العوام ، وهو قاتلكم ومخرجكم من مكانكم هذا ، قال : فالتفت الزبير فرآهم فقال : علام هؤلاء ههنا ؟ فمضى إليهم ، وتبعه جماعة فقتلوا منهم ثلاثمائة ، فحز رأس دريد بن الصمة فجعله بين يديه . ويحتمل أن يكون ابن الدغنة كان في جماعة الزبير فباشر قتله فنسب إلى الزبير مجازا ، وكان دريد من الشعراء الفرسان المشهورين في الجاهلية ، ويقال إنه كان لما قتل ابن عشرين - ويقال ابن ستين - ومائة سنة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال أبو موسى : وبعثني ) أي النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                        ( مع أبي عامر ) أي إلى من التجأ إلى أوطاس ، وقال ابن إسحاق : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا عامر الأشعري في آثار من توجه إلى أوطاس ، فأدرك بعض من انهزم فناوشوه القتال .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فرمي أبو عامر في ركبته ، رماه جشمي ) بضم الجيم وفتح المعجمة أي رجل من بني جشم ، واختلف في اسم هذا الجشمي فقال ابن إسحاق : زعموا أن سلمة بن دريد بن الصمة هو الذي رمى أبا عامر بسهم فأصاب ركبته فقتله ، وأخذ الراية أبو موسى الأشعري فقاتلهم ففتح الله عليه ، وقال ابن هشام : حدثني من أثق به أن الذي رمى أبا عامر أخوان من بني جشم وهما أوفى والعلاء ابنا الحارث ، وفي نسخة وافى بدل أوفى ، فأصاب أحدهما ركبته ، وقتلهما أبو موسى الأشعري . وعند ابن عائذ والطبراني في " الأوسط " من وجه آخر عن أبي موسى الأشعري بإسناد حسن " لما هزم الله المشركين يوم حنين بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خيل [ ص: 639 ] الطلب أبا عامر الأشعري وأنا معه فقتل ابن دريد أبا عامر ، فعدلت إليه فقتلته وأخذت اللواء " الحديث . فهذا يؤيد ما ذكره ابن إسحاق . وذكر ابن إسحاق في المغازي أيضا أن أبا عامر لقي يوم أوطاس عشرة من المشركين إخوة فقتلهم واحدا بعد واحد ، حتى كان العاشر فحمل عليه وهو يدعوه إلى الإسلام وهو يقول : اللهم اشهد عليه ، فقال الرجل : اللهم لا تشهد علي ، فكف عنه أبو عامر ظنا منه أنه أسلم فقتله العاشر ، ثم أسلم بعد فحسن إسلامه ، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسميه شهيد أبي عامر ، وهذا يخالف الحديث الصحيح في أن أبا موسى قتل قاتل أبي عامر ، وما في الصحيح أولى بالقبول ، ولعل الذي ذكره ابن إسحاق شارك في قتله .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فنزا منه الماء ) أي انصب من موضع السهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال : يا ابن أخي ) هذا يرد قول ابن إسحاق إنه ابن عمه ، ويحتمل - إن كان ضبطه - أن يكون قال له ذلك لكونه كان أسن منه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فرجعت فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ) في رواية ابن عائذ " فلما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معي اللواء قال : يا أبا موسى قتل أبو عامر " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( على سرير مرمل ) براء مهملة ثم ميم ثقيلة ، أي معمول بالرمال ، وهي حبال الحصر التي تضفر بها الأسرة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وعليه فراش ) قال ابن التين : أنكره الشيخ أبو الحسن وقال : الصواب : ما عليه فراش ، فسقطت " ما " انتهى . وهو إنكار عجيب ، فلا يلزم من كونه رقد على غير فراش كما في قصة عمر أن لا يكون على سريره دائما فراش .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه ) يستفاد منه استحباب التطهير لإرادة الدعاء ، ورفع اليدين في الدعاء خلافا لمن خص ذلك بالاستسقاء ، وسيأتي بيان ما ورد من ذلك في كتاب الدعوات .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فوق كثير من خلقك ) أي في المرتبة ، وفي رواية ابن عائذ " في الأكثرين يوم القيامة " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال أبو بردة ) هو موصول بالإسناد المذكور .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية