الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب القتل بالقسامة

                                                                      4520 حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ومحمد بن عبيد المعنى قالا حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج أن محيصة بن مسعود وعبد الله بن سهل انطلقا قبل خيبر فتفرقا في النخل فقتل عبد الله بن سهل فاتهموا اليهود فجاء أخوه عبد الرحمن بن سهل وابنا عمه حويصة ومحيصة فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه وهو أصغرهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبر الكبر أو قال ليبدأ الأكبر فتكلما في أمر صاحبهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته قالوا أمر لم نشهده كيف نحلف قال فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم قالوا يا رسول الله قوم كفار قال فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبله قال سهل دخلت مربدا لهم يوما فركضتني ناقة من تلك الإبل ركضة برجلها قال حماد هذا أو نحوه قال أبو داود رواه بشر بن المفضل ومالك عن يحيى بن سعيد قال فيه أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم ولم يذكر بشر دما و قال عبدة عن يحيى كما قال حماد ورواه ابن عيينة عن يحيى فبدأ بقوله تبرئكم يهود بخمسين يمينا يحلفون ولم يذكر الاستحقاق قال أبو داود وهذا وهم من ابن عيينة

                                                                      التالي السابق


                                                                      بفتح القاف وتخفيف المهملة مصدر أقسم وهي الأيمان تقسم على أولياء القتيل إذا ادعوا الدم أو على المدعى عليهم الدم . وخص القسم على الدم بالقسامة . وقد حكى إمام الحرمين أن القسامة عند الفقهاء اسم للأيمان . وعند أهل اللغة اسم للحالفين . وقد صرح بذلك في القاموس .

                                                                      قال النووي قال القاضي عياض : حديث القسامة أصل من أصول الشرع وقاعدة من أحكام الدين وبه أخذ العلماء كافة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وإن اختلفوا في كيفية الأخذ به .

                                                                      وروي عن جماعة : إبطال القسامة ، واختلف القائلون بها فيما إذا كان القتل عمدا هل يجب القصاص بها أم لا ، فقال جماعة من العلماء يجب وهو قول مالك وأحمد وإسحاق وقول الشافعي في القديم . وقال الكوفيون والشافعي في أصح قوليه لا يجب بل تجب الدية . واختلفوا فيمن يحلف في القسامة ، فقال مالك والشافعي والجمهور يحلف الورثة ويجب الحق بحلفهم .

                                                                      وقال أصحاب أبي حنيفة يستحلف خمسون من أهل المدينة ويتحراهم الولي يحلفون بالله ما قتلناه وما علمنا قاتله فإذا حلفوا قضي عليهم وعلى أهل المحلة وعلى عاقلتهم بالدية انتهى .

                                                                      [ ص: 186 ] ( بشير بن يسار ) : بالتصغير ( عن سهل بن أبي حثمة ) : بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة ( ورافع بن خديج ) : بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة والجيم ( أن محيصة ) : بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر الياء المشددة وفتح الصاد المهملة وقد يسكن الياء وكذلك حويصة الآتي ذكره ، وقال في القاموس : حويصة ومحيصة ابنا مسعود مشددتي الصاد صحابيان ، ولا شك أن تشديد الصاد إنما يكون عند سكون الياء ( قبل خيبر ) : بكسر القاف وفتح الموحدة أي إلى خيبر ( في النخل ) : اسم جنس بمعنى النخيل ( فقتل ) : بصيغة المجهول ( فجاء أخوه ) : أي أخو عبد الله بن سهل ( عبد الرحمن بن سهل ) : بدل من أخوه ( وابنا عمه ) : الضمير المجرور لعبد الله ( حويصة ومحيصة ) : بالرفع فيهما على البدلية من ابنا عمه ( في أمر أخيه ) : أي المقتول ( وهو ) : أي عبد الرحمن ( أصغرهم ) : أي أصغر من الثلاثة ( الكبر الكبر ) : بضم فسكون وبالنصب فيهما على الإغراء أي ليبدأ الأكبر بالكلام أو قدموا الأكبر إرشادا إلى الأدب فيتقديم الأسن والتكرير للتأكيد ( أو ) : للشك ( فتكلما ) : أي حويصة ومحيصة ( في أمر صاحبهما ) : أي المقتول ( خمسون ) : أي رجلا ( على رجل منهم ) : أي من اليهود ( فليدفع ) : بصيغة المجهول ( برمته ) : بضم الراء وتشديد الميم الحبل والمراد هاهنا الحبل الذي يربط في رقبة القاتل ويسلم فيه إلى ولي القتيل .

                                                                      وفيه دليل لمن قال إن القسامة يثبت فيها القصاص وقد سبق بيان مذهب العلماء فيه [ ص: 187 ] وتأول القائلون بعدم القصاص فيها بأن المراد أن يسلم ليستوفى منه الدية لكونها ثبتت عليه ( فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم ) : أي تبرأ إليكم من دعواكم بخمسين يمينا .

                                                                      وقيل : معناه يخلصونكم من اليمين بأن يحلفوا فإذا حلفوا انتهت الخصومة ولم يثبت عليهم شيء وخلصتم أنتم من اليمين . كذا قال النووي ( قوم كفار ) : أي هم قوم كفار لا تقبل أيمانهم أو كيف نعتبر أيمانهم ( فوداه ) : بتخفيف الدال أي أعطى دية القتيل ( من قبله ) : بكسر ففتح أي من عنده وإنما وداه صلى الله عليه وسلم من عنده قطعا للنزاع وإصلاحا لذات البين فإن أهل القتيل لا يستحقون إلا أن يحلفواأو يستحلفوا المدعى عليهم وقد امتنعوا من الأمرين وهم مكسورون بقتل صاحبهم ، فأراد صلى الله عليه وسلم جبرهم وقطع المنازعة بدفع ديته من عنده ( قال سهل ) : أي ابن أبي حثمة ( مربدا ) : بكسر الميم وفتح الباء وهو الموضع الذي يحبس فيه الإبل والغنم والذي يجعل فيه التمر ليجف ( فركضتني ) : أي ضربتني بالرجل ، والركض الضرب بالرجل .

                                                                      وأراد بهذا الكلام أنه ضبط الحديث وحفظه حفظا بليغا ( قال حماد ) : أي ابن زيد ( هذا أو نحوه ) : أي هذا الحديث هكذا كما رويناه أو فيه تغير بعض الألفاظ مع اتحاد المعنى والله أعلم .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي .

                                                                      ( أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم ) : أي يثبت حقكم على من حلفتم عليه وهل ذلك الحق قصاص أو دية فيه الخلاف السابق . وكلمة أو للشك . ثم اعلم أن حكم القسامة مخالف لسائر الدعاوى من جهة أن اليمين على المدعي وأنها خمسون يمينا وهو يخص قوله صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي واليمين على من أنكر ( ولم يذكر بشر دم ) : بفتح الميم من غير تنوين على الحكاية .

                                                                      [ ص: 188 ] وفي بعض النسخ دما بالتنوين أي قال بشر في روايته تستحقون صاحبكم بحذف لفظة دم ( وقال عبدة عن يحيى ) : هو ابن سعيد أي في روايته ( كما قال حماد ) : أي ابن زيد في روايته المذكورة ( ولم يذكر الاستحقاق ) : أي لم يذكر ابن عيينة قوله وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم ( وهذا وهم من ابن عيينة ) : المشار إليه هو بداءته بقوله تبرئكم يهود بخمسين يمينا يحلفون .

                                                                      ووقع في بعض الكتاب هذه العبارة : قال أبو عيسى بلغني عن أبي داود أنه قال هذا الحديث وهم من ابن عيينة يعني التبدئة انتهى . وأبو عيسى هذا هو الرملي أحد رواة أبي داود .

                                                                      قال المنذري : قال الشافعي رضي الله عنه إلا أن ابن عيينة لا يثبت أقدم النبي صلى الله عليه وسلم الأنصاريين في الأيمان أو يهود ، فيقال في الحديث إنه قدم الأنصاريين فيقول هو ذلك وما أشبهه هذا ، وحديث الإمام الشافعي أيضا عن ابن عيينة أنه بدأ بالأنصار وقال وكان سفيان يحدثه هكذا وربما قال لا أدري أبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنصار في أمر يهودي فيقال له إن الناس يحدثون أنه بدأ بالأنصار قال فهو ذاك وربما حدثه ولم يشك وذكر البيهقي أن البخاري ومسلما أخرجا هذا الحديث من حديث الليث بن سعد وحماد بن زيد وبشر بن المفضل عن يحيى بن سعيد واتفقوا كلهم على البداءة بالأنصار .




                                                                      الخدمات العلمية