الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون

                                                                                                                                                                                                                                        (80 ) يذكر تعالى عباده نعمه، ويستدعي منهم شكرها والاعتراف بها، فقال: والله جعل لكم من بيوتكم سكنا في الدور والقصور ونحوها، تكنكم من الحر والبرد وتستركم أنتم وأولادكم وأمتعتكم، وتتخذون فيها البيوت والغرف، والبيوت التي هي لأنواع منافعكم ومصالحكم، وفيها حفظ لأموالكم وحرمكم وغير ذلك من الفوائد المشاهدة، وجعل لكم من جلود الأنعام إما من الجلد نفسه، أو مما نبت عليه، من صوف وشعر ووبر، بيوتا تستخفونها أي: خفيفة الحمل تكون لكم في السفر والمنازل التي لا قصد لكم في استيطانها، فتقيكم من الحر والبرد والمطر، وتقي متاعكم من المطر، ( و ) جعل لكم " من أصوافها " أي: الأنعام وأوبارها وأشعارها أثاثا وهذا شامل لكل ما يتخذ منها من الآنية والأوعية والفرش والألبسة والأجلة، وغير ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                        ومتاعا إلى حين أي: تتمتعون بذلك في هذه الدنيا وتنتفعون بها، فهذا مما سخر الله العباد لصنعته وعمله.

                                                                                                                                                                                                                                        (81 والله جعل لكم مما خلق أي: من مخلوقاته التي لا صنعة لكم فيها، ظلالا وذلك كأظلة الأشجار والجبال والآكام ونحوها، وجعل لكم من الجبال أكنانا أي: مغارات تكنكم من الحر والبرد والأمطار والأعداء.

                                                                                                                                                                                                                                        وجعل لكم سرابيل أي: ألبسة وثيابا تقيكم الحر ولم يذكر الله البرد؛ لأنه قد تقدم أن هذه السورة أولها في أصول النعم وآخرها في مكملاتها ومتمماتها، ووقاية البرد من أصول النعم؛ فإنه من الضرورة، وقد ذكره في أولها في قوله لكم فيها دفء ومنافع

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 895 ] و تقيكم بأسكم أي: وثيابا تقيكم وقت البأس والحرب من السلاح، وذلك كالدروع والزرود ونحوها، كذلك يتم نعمته عليكم حيث أسبغ عليكم من نعمه ما لا يدخل تحت الحصر لعلكم إذا ذكرتم نعمة الله ورأيتموها غامرة لكم من كل وجه تسلمون لعظمته وتنقادون لأمره، وتصرفونها في طاعة موليها ومسديها، فكثرة النعم من الأسباب الجالبة من العباد مزيد الشكر والثناء بها على الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                        (82 ) ولكن أبى الظالمون إلا تمردا وعنادا، ولهذا قال الله عنهم: فإن تولوا عن الله وعن طاعته بعد ما ذكروا بنعمه وآياته، فإنما عليك البلاغ المبين : ليس عليك من هدايتهم وتوفيقهم شيء، بل أنت مطالب بالوعظ والتذكير والإنذار والتحذير.

                                                                                                                                                                                                                                        (83 ) فإذا أديت ما عليك، فحسابهم على الله؛ فإنهم يرون الإحسان، ويعرفون نعمة الله، ولكنهم ينكرونها ويجحدونها، وأكثرهم الكافرون لا خير فيهم، وما ينفعهم توالي الآيات، لفساد مشاعرهم وسوء قصودهم، وسيرون جزاء الله لكل جبار عنيد كفور للنعم متمرد على الله وعلى رسله.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية