الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 510 ] قوله : ويستحب الشرب من ماء زمزم - يعني للأثر فيه - وقع في آخر حديث جابر الطويل عند مسلم : { ثم شرب من ماء زمزم بعد فراغه }.

وروى أحمد وابن أبي شيبة ، وابن ماجه والبيهقي من حديث عبد الله بن المؤمل ، عن أبي الزبير ، عن جابر رفعه : { ماء زمزم لما شرب له }. قال البيهقي : تفرد به عبد الله وهو ضعيف ، ثم رواه البيهقي بعد ذلك من حديث إبراهيم بن طهمان ، عن أبي الزبير ، ولا يصح عن إبراهيم ، قلت : إنما سمعه إبراهيم من ابن المؤمل ، ورواه العقيلي من حديث ابن المؤمل ، وقال : لا يتابع عليه ، وأعله ابن القطان به وبعنعنة أبي الزبير ، لكن الثانية مردودة ، ففي رواية ابن ماجه التصريح بالسماع ، ورواه البيهقي في شعب الإيمان ، والخطيب في تاريخ بغداد من حديث سويد بن سعيد ، عن ابن المبارك ، عن أبي الموالي ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر .

كذا أخرجه في ترجمة عبد الله بن المبارك ، قال البيهقي ، غريب تفرد به سويد ، قلت : وهو ضعيف جدا ، وإن كان مسلم قد أخرج له في المتابعات ، وأيضا فكان أخذ به عنه قبل أن يعمى ويفسد حديثه ، وكذلك أمر أحمد بن حنبل ابنه بالأخذ عنه كان قبل عماه ، ولما أن عمي صار يلقن فيتلقن ، حتى قال يحيى بن معين : لو كان لي فرس ورمح ، لغزوت سويدا ، من شدة ما كان يذكر له عنه من المناكير ، قلت : وقد خلط في هذا الإسناد ، وأخطأ فيه عن ابن المبارك ، وإنما رواه ابن المبارك ، عن ابن المؤمل ، عن أبي الزبير [ ص: 511 ] كذلك رويناه في فوائد أبي بكر بن المقري من طريق صحيحة ، فجعله سويد عن أبي الموالي عن ابن المنكدر ، واغتر الحافظ شرف الدين الدمياطي بظاهر هذا الإسناد ، فحكم بأنه على رسم الصحيح ; لأن ابن أبي الموالي انفرد به البخاري ، وسويدا انفرد به مسلم ، وغفل عن أن مسلما إنما أخرج لسويد ما توبع عليه ، ولا ما انفرد به ، فضلا عما خولف فيه ، وله طريق أخرى من حديث أبي الزبير ، عن جابر أخرجها الطبراني في الأوسط في ترجمة علي بن سعيد الرازي ، وله طريق أخرى من غير حديث جابر .

رواه الدارقطني والحاكم من طريق محمد بن حبيب الجارودي ، عن سفيان بن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ماء زمزم لما شرب له ، فإن شربته تستشفي به شفاك الله }. الحديث - قلت : والجارودي صدوق إلا أن روايته شاذة ، فقد رواه حفاظ أصحاب ابن عيينة ، والحميدي ، وابن أبي عمر وغيرهما ، عن ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ومما يقوي رواية ابن عيينة ما أخرجه الدينوري في المجالسة من طريق الحميدي قال : كنا عند ابن عيينة فجاء رجل فقال : يا أبا محمد ، الحديث الذي حدثتنا عن ماء زمزم صحيح ؟ قال : نعم ، قال : فإني شربته الآن لتحدثني مائة حديث ، فقال : اجلس ، فحدثه مائة حديث .

وروى أبو داود الطيالسي في مسنده من حديث أبي ذر رفعه قال : { زمزم مباركة إنما طعام طعم وشفاء سقم }.

وأصله في صحيح مسلم دون قوله : { وشفاء سقم } ، وفي الدارقطني والحاكم من طريق ابن أبي مليكة ، { جاء رجل إلى ابن عباس فقال : من أين جئت ؟ قال : شربت من ماء زمزم ، فقال ابن عباس : أشربت منها كما ينبغي ؟ قال : وكيف ذاك يا ابن عباس ؟ قال : إذا شربت منها فاستقبل القبلة [ ص: 512 ] واذكر اسم الله ، وتنفس ثلاثا ، وتضلع منها فإذا فرغت فاحمد الله ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : آية بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم }.

قوله : استحب الشافعي للحاج إذا طاف أن يقف عند الملتزم بين الركن ، والمقام ، ويقول فذكر الدعاء ولم يسنده ، وقد ورد في الوقوف عند الملتزم ما رواه أبو داود من طريق المثنى بن الصباح ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه شعيب قال : { طفت مع عبد الله فلما جئنا دبر الكعبة قلت : ألا نتعوذ ؟ قال : تعوذ بالله من النار ، ثم مضى حتى استلم الحجر ، وأقام بين الركن والباب ، فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما بسطا ، ثم قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله } ، ورواه الدارقطني بلفظ : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلزق وجهه وصدره بالملتزم } ، وقال فيه عن أبيه عن جده ، ويؤيده ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج ، عن عمرو بن شعيب قال : طاف جدي محمد بن عبد الله بن عمرو مع أبيه عبد الله بن عمرو .

وفي شعب الإيمان للبيهقي من طريق أبي الزبير ، عن عبد الله بن عباس مرفوعا : { ما بين الركن والباب ملتزم }. ورواه عبد الرزاق مقلوبا بإسناد أصح منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية