الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 953 ) فصل : وإذا صلى ، ثم رأى عليه نجاسة في بدنه أو ثيابه ، لا يعلم ; هل كانت عليه في الصلاة ، أو لا ؟ فصلاته صحيحة ; لأن الأصل عدمها في الصلاة . وإن علم أنها كانت في الصلاة ، لكن جهلها حتى فرغ من الصلاة ، ففيه روايتان : إحداهما ، لا تفسد صلاته . هذا قول ابن عمر وعطاء وسعيد بن المسيب وسالم ، ومجاهد ، والشعبي ، والنخعي ، والزهري ويحيى الأنصاري ، وإسحاق وابن المنذر . والثانية : يعيد . وهو قول أبي قلابة والشافعي لأنها طهارة مشترطة للصلاة ، فلم تسقط بجهلها ، كطهارة الحدث . وقال ربيعة ومالك : يعيد ما كان في الوقت ، ولا يعيد بعده .

                                                                                                                                            ووجه الرواية الأولى ، ما روى أبو سعيد ، قال { : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه ، إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره ، فخلع الناس نعالهم ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال : ما حملكم على إلقائكم نعالكم ؟ . قالوا : رأيناك ألقيت نعليك ، فألقينا نعالنا . قال : إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا } . رواه أبو داود . ولو كانت الطهارة شرطا ، مع عدم العلم بها ، لزمه استئناف الصلاة ، وتفارق طهارة الحدث ; لأنها آكد ; لأنها لا يعفى عن يسيرها ، وتختص البدن ، وإن كان قد علم بالنجاسة ثم نسيها ، وصلى ، فقال القاضي : حكى أصحابنا في المسألتين روايتين . وذكر هو في مسألة النسيان ، أن الصلاة باطلة ; لأنه منسوب إلى التفريط ، بخلاف الجاهل بها . قال الآمدي : يعيد إذا كان قد توانى ، رواية واحدة .

                                                                                                                                            والصحيح التسوية بينهما ; لأن ما عذر فيه بالجهل عذر فيه بالنسيان ، بل النسيان أولى ; لورود النص بالعفو فيه ، بقول النبي صلى الله عليه وسلم { عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان } وإن علم بالنجاسة في أثناء الصلاة ، فإن قلنا . يعذر . فصلاته صحيحة . ثم إن طرح النجاسة من غير زمن طويل ، ولا عمل كثير ، ألقاها ، وبنى ، كما خلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه حين أخبره جبريل بالقذر فيهما . وإن احتاج أحد هذين ، بطلت صلاته ; لأنه يفضي إلى أحد أمرين ; إما استصحاب النجاسة مع العلم بها زمنا طويلا ، أو يعمل في الصلاة عملا كثيرا ، فتبطل به الصلاة ، فصار كالعريان يجد السترة بعيدة منه . ( 954 ) فصل : وإذا سقطت عليه نجاسة ، ثم زالت عنه ، أو أزالها في الحال ، لم تبطل صلاته ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم بالنجاسة في نعليه خلعهما ، وأتم صلاته ، ولأن النجاسة يعفى عن يسيرها ، فعفي عن يسير زمنها ، ككشف العورة . وهذا مذهب الشافعي .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية