الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                7019 ص: حدثنا محمد بن داود ، قال : ثنا معلى بن عبد الرحمن الواسطي ، قال : ثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن عمر بن الحكم ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال الأقرع بن حابس ، لشباب من شبابهم : "قم فاذكر فضلك وفضل قومك ، فقام فقال :


                                                نحن الكرام فلا حي يعادلنا . . . نحن الكرام وفينا يقسم الربع

                                                    ونطعم الناس عند القحط كلهم
                                                . . . من السديف إذا لم يؤنس القزع

                                                    فإذا أبينا فلا يعدل بنا أحد
                                                . . . إنا كرام وعند الفخر نرتفع



                                                [ ص: 41 ] قال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا حسان أجبه فقال :


                                                نصرنا رسول الله والدين عنوة . . .     على رغم عات من معد وحاصر


                                                بضرب كإيزاع المخاض مشاشه . . .     وطعن كأفواه اللقاح الصوادر


                                                ألسنا نخوض الموت في حومة الوغى . . .     إذا صار برد الموت بين العساكر


                                                ونضرب هام الدارعين وننتمي . . .     إلى حسب من جزم غسان باهر


                                                ولولا حبيب الله قلنا تكرما . . .     على الناس بالحيين هل من مفاخر


                                                فأحياؤنا من خير من وطئ الحصى . . .     وأمواتنا من خير أهل المقابر



                                                التالي السابق


                                                ش: معلى بن عبد الرحمن الواسطي ، قال ابن المديني : ضعيف الحديث . وذهب إلى أنه كان يضع الحديث .

                                                وعبد الحميد بن جعفر بن عبد الله الأنصاري أبو حفص المدني ، قال أحمد : ثقة ، ليس به بأس . وعن يحيى : ثقة وكان يرى القدر . روى له الجماعة ; البخاري مستشهدا .

                                                وعمر بن الحكم بن رافع بن سنان الأنصاري أبو حفص المدني ، واستشهد به البخاري ، وروى له الباقون سوى ابن ماجه ، وأخرج هذا أصحاب السير .

                                                قوله : "نحن الكرام . . " إلى آخره من بحر البسيط ، وأصله في الدائرة مستفعلن فاعلن ثمان مرات . والكرام جمع كريم .

                                                قوله : "يعادلنا " أي يساوينا ويقاربنا .

                                                قوله : "يقسم الربع " بضم الراء والباء ، أراد به ربع الغنيمة ، وهو واحد من أربعة ، يقال : ربع وربع ، بتسكين الباء وضمها .

                                                قوله : "من السديف " أراد به شحم السنام ، وقال الجوهري : والسديف : السنام ، ومنه قول الشاعر :


                                                إذا ما الخصيف العوبثاني ساءنا . . . تركناه واخترنا السديف المسرهدا



                                                [ ص: 42 ] ومادته : سين ودال -مهملتان - وفاء .

                                                قوله : "إذا لم يؤنس القزع " بالقاف والزاي المعجمة المفتوحتين ، وهو السحاب ، والمعنى : نطعم الشحم في المحل .

                                                قوله : "فلا يعدل " بالجزم لأجل الوزن .

                                                قوله : "نصرنا رسول الله . . . . " إلى آخره . من بحر الطويل ، وأصله في الدائرة : فعولن مفاعيلن ، ثمان مرات .

                                                قوله : "عنوة " أي قهرا وغلبة ، من عنى يعنوا : إذا ذل وخضع ، والعنوة : المرة منه ، كأن المأخوذ بها يخضع ويذل ، وانتصابها على أنها صفة لمصدر محذوف أي نصرنا نصرا عنوة ، أي : نصرا قاهرا للمشركين ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير الذي في "نصرنا " والمعنى : نصرنا قاهرين غالبين عليهم ، والمصدر مستغن عن التثنية والجمع .

                                                قوله : "على رغم عات " أي على ذل عات وقهره ، يقال : رغم يرغم ورغم يرغم -من باب علم يعلم ، وضرب يضرب رغما ورغما ورغما ، وأرغم الله أنفه أي ألصقه بالرغام وهو التراب ، هذا هو الأصل ، ثم استعمل في العجز والذل ، والانقياد على كره .

                                                و"العاتي " من عتى يعتو عتوا فهو عات ، وهو التجبر والتكبر ، وفي بعض الروايات : على رغم باد من معد وحاضر ، وهذه هي الأصح ; لأن الباد هو اللائق بالذكر في مقابلة الحاضر ، وأراد بالمعد : معد بن عدنان وهو أبو العرب ، وأراد بالباد : الذي يسكن البادية وهم أهل الوبر ، وبالحاضر : الذي يسكن المدن والقرى ، وهم أهل المدر ، ولا شك أن النبي -عليه السلام - انتصر على العرب كلهم من أهل البادية والحضر جميعا .

                                                قوله : "بضرب " . متعلق بقوله : نصرنا .

                                                قوله : "كإيزاع المخاض مشاشة " ذكر الإيزاع وأراد به التوزيع وهو التفريق ، والمعنى كتفريق المخاض مشاشة أي بولد ، والمشاش -بضم الميم وبالشينين

                                                [ ص: 43 ] المعجمتين : البول ، والمخاض اسم للنوق الحوامل ، واحدتها خلفة من غير لفظه ، وبنت المخاض وابن المخاض ما دخل في السنة الثانية ; لأن أمه [لحقت] بالمخاض أي الحوامل وإن لم تكن حاملا ، وفي بعض الرواية : "كإيزاغ المخاض " بالغين المعجمة ، وهو أيضا بمعنى الإيزاع بالمهملة ، وثلاثته وزع يزع وزعا ، والإيزاع أصله الأوزاغ ، قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ، وهو مصدر مضاف إلى فاعله ، ومشاشة مفعوله ; والضمير فيه يرجع إلى المخاض .

                                                وقوله : "وطعن " عطف على قوله : و"ضرب " الضرب بالسيوف وما أشبهها ، والطعن بالرماح وما أشبهها .

                                                قوله : "كأفواه اللقاح الصوادر " اللقاح -بكسر اللام : ذوات الألبان ، الواحدة لقوح ، و"الصوادر " جمع صادرة ، وهي التي تصدر عن الماء ريا ، فلا تحتاج إلى المقام لأجل الماء ، وشبه الضرب بإيزاع الإبل عن الماء بالطعن بأفواهها حتى تصدر ; لأنه أراد الضرب بالمتابعة في زمن طويل كبول الإبل ، فإنه يبول شيئا فشيئا ويمده زمانا ، وأراد بالطعن الواسع فيه ; لأنه هو المهلك ، شبه بأفواه الإبل الصوادر ; لأنها حينئذ تفتح فاها بخلاف وقت الإيراد .

                                                قوله : "في حومة الوغى " أي في معظم القتال ، وكذلك حومة الماء والرمل وغيرهما : معظمها ، و"الوغى " بالغين المعجمة : الحرب ، والوغى في الأصل مثل الوعى بالمهملة ، ومنه قيل : الحرب وغى ; لما فيه من الضرب والجلبة .

                                                قوله : "ونضرب هام الدارعين " الهام جمع هامة ، وهي الرأس ، والدارعين جمع دارع وهو الذي عليه الدرع ، وهو الزردية .

                                                قوله : "وننتمي " أي ننتسب "إلى حسب " وهو الشرف في الآباء وما يعده الإنسان من مفاخرهم ، وقيل: إن الحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف، والشرف والمجد لا يكونان إلا بالآباء .

                                                [ ص: 44 ] قوله : "من جذم غسان " جذم الشيء بالكسر أصله ، وغسان اسم قبيلة ، قال الجوهري : غسان : اسم ماء نزل عليه قوم من الأزد فنسبوا إليه ، منهم بنو حنيفة رهط الملوك .

                                                قوله : "باهر " صفة للجذم ، أي ظاهر ، يقال : بهرت الشمس الأرض : أتي عليها نورها وضوءها ، وفي بعض الرواية : "قاهر " من القهر وهو من الغلبة ، والأول أصح .




                                                الخدمات العلمية