الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما تفسير كلام الشافعي في أول الباب ، وهو قوله : " لا أعرف ما أقوله في أرض السواد إلا بظن مقرون إلى علم " فقد أنكر هذا الكلام على الشافعي من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : قوله : لا أعرف ما أقول في أرض السواد ، ما أحد بدأ في كتاب في علم بمثل هذا اللفظ : لأن من لم يعرف شيئا لم يجز أن يتعرض لإثبات حكمه .

                                                                                                                                            والثاني : قوله : إلا بظن مقرون إلى علم ، والظن شك والعلم يقين ، وهما ضدان فكيف يصح الجمع بينهما ، وهو ممتنع ؟ . قيل : أما قوله : لا أعرف ما أقول في أرض السواد : فلأن الطريق إلى العلم يفتحها النقل المروي ، وقد اختلفت الرواية عنه ، فروى بعضهم أنها فتحت صلحا ، وروى بعضهم أنها فتحت عنوة ، وروى آخرون أن بعضها فتح صلحا ، وبعضها فتح عنوة .

                                                                                                                                            [ ص: 265 ] وهذا الاختلاف في النقل يمنع من الأخذ بأحدها إلا بدليل ، فحسن أن يقول : لا أعرف إثبات أحدهما ، وإن كنت أعرف نقل جميعها .

                                                                                                                                            وأما قوله : " إلا بظن مقرون إلى علم " ، فقد اختلف أصحابنا في مراده به على ما هو محمول على فتحها أو على حكمها على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه محمول على فتحها أنه عنوة لا صلحا ، وهو المشهور من قوله .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه محمول على حكمها أنها وقف لا يجوز بيعها ، وهو الظاهر من مذهبه .

                                                                                                                                            فإن قيل : إن المراد فتحها ، ففي تأويل قوله : " إلا بظن مقرون إلى علم " وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه أراد بالظن هنا الاجتهاد الذي هو غلبة الظن ، وأراد بالعلم الخبر : لأن جنس الأخبار قد يفضي إلى العلم ، فكأنه توصل باجتهاده وغلبة ظنه إلى إثبات خبر جرير ، وعلم من خبر جرير أنها فتحت عنوة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن الاجتهاد وغلبة الظن هو فيما خفي واشتبه من سبب فتحها ، والعلم هو فيما ظهر وانتشر من قسمها ، فاستدل بظاهر القسمة على باطن العنوة .

                                                                                                                                            وإن قيل : إن المراد به حكمها : لأنها وقف ، ففي تأويل قوله : إلا بظن مقرون إلى علم وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن العلم ما فعله عمر من استنزالهم عنها ، وغلبة الظن فيما حكم به من وقفها .

                                                                                                                                            والثاني : أن العلم وضع الخراج عليها ، وغلبة الظن في المنع من بيعها ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية