الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3953 - وعن عروة قال : حدثني أسامة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عهد إليه قال : " أغر على أبنى صباحا وحرق " . رواه أبو داود .

التالي السابق


3953 - ( وعن عروة ) : بضم أوله تابعي مشهور سبق ذكره . ( قال : حدثني أسامة ) : أي ابن زيد حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عهد الله إليه ) : أي أوصاه حين بعثه أميرا ( قال ) : تفسيرا لعهد ( أغر ) : بفتح الهمزة وكسر الغين المعجمة أمر من الإغارة ، وقيل : أمر من الغزو فيكون بضم الهمز والزاي ، وهو غير صحيح ، ويرد عليه لفظ : " على " ومنهم من ضبطه بفتح الهمزة وكسر الغين وتشديد الراء من الغرة ولا عبرة به فإنه تصحيف ( على أبنى ) : بضم الهمزة والقصر اسم موضع من فلسطين بين عسقلان والرملة ، ويقال لها : يبنى بالياء ذكره في النهاية . وقال التوربشتي : بضم الهمزة موضع من بلاد جهينة ، ومن الناس من يجعل بدل الهمزة لاما ولا عبرة به اهـ . وتوضيحه أنه بضم الهمزة وسكون موحدة ونون بعده ألف ; أي على أهله ، قال ابن الهمام : قيل إنه اسم قبيلة ( صباحا ) : أي حال غفلتهم وفجاءة نبهتهم وعدم أهبتهم ( وحرق ) : بصيغة الأمر . وفي رواية ، ثم حرق ; أي زروعهم وأشجارهم وديارهم . قال ابن الهمام : إذا أراد الإمام العود ومعه مواش من مواشي أهل الحرب ، ولم يقدر على نقلها إلى دار الإسلام ذبحها ، ثم حرقها ولا يعقرها ، كما نقل عن مالك لما فيه من المثلة بالحيوان ، وعقر جعفر بن أبي طالب فرسه ربما كان لظنه عدم الفتح في تلك الوقعة ، فخشي أن ينال المشركون فرسه ، فلم يتمكن من الذبح لضيق الحال عنه بالشغل بالقتل ، أو كان قبل نسخ المثلة ، أو علمه بها ولا يتركها لهم . وقال الشافعي وأحمد : يتركها ; لأنه عليه السلام نهى عن ذبح الشاة إلا لمأكلة . قلنا : هذا غريب عنه عليه السلام ، نعم روي من قول أبي بكر نفسه . رواه مالك في موطئه ، ثم هو محمول على ما إذا أيقن الفتح وصيرورة البلاد دار الإسلام ، وكان ذلك هو المستمر في بعوث أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فاعتباره كان ذلك ، وقد قلنا بذلك وذكرنا فيما تقدم ، أنه إذا كان كذلك فلا يحرق ولا يخرب ; لأنه إتلاف مال المسلمين ، ألا ترى إلى قول أبي بكر رضي الله عنه في الحديث المذكور ، ولا تحرق وهو قد قد علم قوله عليه الصلاة والسلام : أغر على أبنى صباحا ، ثم حرق بقي مجرد ذبح الحيوان ، وأنه لغرض الأكل ; لأنه غرض صحيح ، ولا غرض أصح من كسر شوكتهم وتعريضهم على المهلكة والموت ، وإنما يحرق لقطع منفعة عن الكفار وصار كتخريب البنيان ، والتحريق لهذا الغرض الكريم بخلاف التحريق قبل الذبح ; لأنه منهي عنه ، وفيه أحاديث كثيرة منها : حديث البخاري عن أبي هريرة [ ص: 2542 ] رضي الله عنه . قال : بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعث فقال لنا : " إن وجدتم فلانا وفلانا فاحرقوهما بالنار " فلما خرجنا دعانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : " إن وجدتم فلانا وفلانا فاقتلوهما ولا تحرقوهما فإنه لا يعذب بها إلا الله " . ورواه البزار وسماهما هبار بن الأسود ، ونافع بن عبد القيس ، وطوله البيهقي ، وذكر أن السبب أنهما كانا روعا زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خرجت لاحقة به - صلى الله عليه وسلم - حتى ألقت ما في بطنها ، والقصة مفصلة عند ابن إسحاق معروفة لأهل السير ، وذكر البخاري ; أيضا تحريق علي الزنادقة الذين أتى بهم ، فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم لنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لا تعذبوا بعذاب الله ، ولقتلتهم لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " من بدل دينه فاقتلوه " .

وأخرج البزار في مسنده عن عثمان بن حبان قال : كنت عند أم الدرداء ، فأخذت برغوثا فرميته في النار فقالت : سمعت أبا الدرداء يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يعذب بالنار إلا رب النار " . وأما ما في فتاوى الوالجي بترك النساء والصبيان في أرض غامرة ; أي خربة حتى يموتوا جوعا كيلا يعودوا حربا علينا ; لأن النساء بهن النسل والصبيان يبلغون فيصيرون حربا علينا فبعيد ; لأنه قتل بما هو أشد من القتل الذي نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في النساء والصبيان لما فيه من التعذيب ، ثم هم قد صاروا أسارى بعد الاستيلاء ، وقد أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأسرى خيرا حدث ابن إسحاق عن نبيه بن وهب أخي بني عبد الدار ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أقبل بالأسارى فرقهم بين أصحابه وقال : استوصوا بالأسارى خيرا ، فقال أبو عزيز مولى أخي مصعب بن عمير ، ورجل من الأنصار فأسرني فقال له : شد يديك به ، فإن أمه ذات متاع . قال : وكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا من بدر ، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر بوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; إياهم بنا ما يقع في يد رجل منهم كسرة من الخبز إلا نفحني بها . قال : فأستحيي فأردها على أحدهم فيردها على من يمسكها ، فكيف يجوز أن يقتلوا جوعا ، اللهم إلا أن يضطروا إلى ذلك بسبب عدم الحمل والميرة فيتركوا ضرورة ، والله أعلم . ( رواه أبو داود ) : قال ابن الهمام : رواه أبو داود وغيره ، والغارة لا تكون مع دعوة ، فيحمل على أنهم بلغتهم الدعوة أولا فاكتفى بها .




الخدمات العلمية