الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكذلك ما ذكره من الوجه الثاني على إبطال التركيب، فإنه قال : "الوجه الثاني -في امتناع كونه مركبا من الأجزاء- أن تلك الأجزاء إما أن تكون واجبة الوجود لذاتها ، أو ممكنة ، أو البعض واجبا والبعض ممكنا ، لا جائز أن يقال بالأول ، على ما سيأتي تحقيقه في إثبات الوحدانية ، وإن كان الثاني أو الثالث ، فلا يخفى أن المفتقر إلى الممكن المحتاج إلى الغير أولى بالإمكان والاحتياج ، والممكن المحتاج لا يكون واجبا لذاته ، ومالا يكون واجبا لذاته لا يكون إلها" . [ ص: 246 ]

قلت : ولقائل أن يقول : هذا الوجه أيضا فاسد من وجوه :

أحدها : أن يقال : لم لا يجوز أن تكون تلك الأجزاء كلها واجبة .

قوله : "على ما سيأتي تحقيقه في مسألة التوحيد" .

يقال له : الذي ذكرته فيما بعد في مسألة التوحيد هي الطريقة المعروفة لابن سينا وأتباعه من الفلاسفة ، وهي وجهان : أحدهما : مبناه على أن المركب يفتقر إلى أجزائه ، وهذا هو الوجه [الأول] الذي ذكرته هنا ، فصار مدار هذا الوجه الثاني على الأول ، فلم يذكر إلا الأول ، وقد تبين فساده .

الوجه الثاني الذي ذكرته في التوحيد : مبناه على كون الوجوب يصير معلولا ، وهذا هو الذي ذكرته في كون الوجود الواجب لا يزيد على الماهية ، لئلا يكون معلولا للماهية . وأنت قد أفسدت هذا الوجه وبما أفسدته به يفسد الآخر أيضا .

فتبين أن ما ذكرته في مسألة التوحيد يعود إلى وجه واحد . وأنت قد قدمت فساده ، فالحوالة على ما سيأتي، وما سيأتي منه ما هو مكرر ، فكلاهما فاسد .

وهو دائما في كلامه يذكر فساد هذه الطريقة ، حتى أنه لما استدلت الفلاسفة -أتباع ابن سينا وغيرهم- على أن الأجسام ممكنة بهذه [ ص: 247 ] الطريقة واستدل بها طائفة على حدوث العالم ، وهذا أول طريقة ذكرها في حدوث العالم فقال : "قد احتج الأصحاب بمسالك : الأول:قولهم : العالم ممكن الوجود بذاته،وكل ممكن بذاته فهو محدث" .

وقرر الإمكان بأن قال:"أجسام العالم مؤلفة ومركبة، لما سبق بيانه في الأجسام ، وكل ما كان مؤلفا مركبا فهو مفتقر إلى أجزائه ، وكل مفتقر إلى غيره لا يكون واجبا بذاته ، فالأجسام ممكنة لذواتها ، والأعراض قائمة بالأجسام ومفتقرة إليها ، والمفتقر إلى الممكن أولى أن يكون ممكنا" .

ثم ضعف هذا المسلك : قال:"وقولهم : إن العالم مركب مسلم ، ولكن ما المانع أن تكون أجزاؤه واجبة ؟ وما ذكروه من [ ص: 248 ] الدلالة فقد بينا ضعفها في مسألة الوحدانية". فهنا لما احتجوا بهذه الدلالة على حدوث العالم ذكر ضعفها ، وأحال على ما ذكره في الوحدانية ، فكيف يحتج بها بعينها في مثل هذا المطلوب بعينه ، وهو كون الأجسام ممكنة لأنها مركبة، ويحيل على ما ذكره في التوحيد .

ومعلوم أنه لو أبطلها حيث تعارض نصوص الكتاب والسنة، واعتمد عليها حيث لا تناقض ذلك ، لكان -مع ما فيه من التناقض- أقرب إلى العقل والدين من أن يحتج بها في نفي لوازم نصوص الكتاب والسنة، ويبطلها حيث لا تخالف نصوص الأنبياء .

التالي السابق


الخدمات العلمية