الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما السنة ، فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبران :

                                                                                                                                            أحدهما : رواه الشافعي ، عن سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله .

                                                                                                                                            والخبر الثاني : ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى كسرى يدعوه إلى الإسلام ، فلما وصل كتابه إليه مزقه ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : تمزق ملكه .

                                                                                                                                            وكتب إلى قيصر‌ كتابا إلى الإسلام ، لما وصل كتابه إليه قبله ، وأكرمه ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ثبت ملكه .

                                                                                                                                            والأكاسرة هم ملوك الفرس ، ودينهم المجوسية ، والقياصرة هم ملوك الروم ، ودينهم النصرانية . فكان الخبران في الأكاسرة متفقين ، وقد وجد الخبر فيهما على مخبره : لأنه قال في الخبر الأول : إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وقال في الخبر الثاني : تمزق ملكه ، وكان ظاهر الخبرين في القياصرة مختلفا ، والمخبر فيهما متنافيا لأنه قال في الأول : وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، وقال في الثاني : ثبت ملكه ، وهذا متناف ، وقد نرى ملك الروم ثابتا فكان ثباته موافقا للخبر الثاني منافيا للخبر الأول ، فعنه جوابان يمنعان من التنافي :

                                                                                                                                            [ ص: 278 ] أحدهما : أن معنى قوله : إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده يعني به زوال هذا الاسم عن ملوكهم ، وكان اسما لكل ملك منهم ، فلما هلك قيصر لم يتسم به أحد من ملوكهم ، وثبت ملكه الآن في بلادهم .

                                                                                                                                            والجواب الثاني : أن لهذا الحديث سببا ، وهو أن قريشا كانت تنتاب اليمن في الشتاء ، والشام والعراق في الصيف ، وهو معنى قوله تعالى : إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ، [ قريش : 2 ] . فلما أسلموا وبلاد الرحلتين على شركهم شكوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لانقطاع الرحلتين عنهم بالشام والعراق فقال - صلى الله عليه وسلم - ما طيب به نفوسهم : إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، يعني بالعراق ، فهلك ، فلم يبق بالعراق ولا بغيرها من البلاد ، وإذا هلك قيصر ، فلا قيصر بعده يعني بالشام ، فهلك ، ولم يبق لهم ملك بالشام ، وإن بقي في غيرها في بلاد الروم ، فصدق خبره ، وصح موعده ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية