الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم

                                                                                                                                                                                                اعترفوا بذنوبهم : أي: لم يعتذروا من تخلفهم بالمعاذير الكاذبة كغيرهم، ولكن اعترفوا على أنفسهم بأنهم بئس ما فعلوا متذممين نادمين، وكانوا ثلاثة: أبو لبابة مروان بن عبد المنذر، وأوس بن ثعلبة، ووديعة بن حزام . وقيل : كانوا عشرة، فسبعة منهم أوثقوا [ ص: 88 ] أنفسهم: بلغهم ما نزل في المتخلفين فأيقنوا بالهلاك، فأوثقوا أنفسهم على سواري المسجد، فقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدخل المسجد فصلى ركعتين وكانت عادته -صلى الله عليه وسلم- كلما قدم من سفر ، فرآهم موثقين، فسأل عنهم، فذكر له أنهم أقسموا ألا يحلوا أنفسهم حتى يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الذي يحلهم، فقال: وأنا أقسم ألا أحلهم حتى أومر فيهم، فنزلت، فأطلقهم وعذرهم، فقالوا: يا رسول الله، هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فتصدق بها وطهرنا، فقال: "ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا"; فنزلت: خذ من أموالهم، عملا صالحا : خروجا إلى الجهاد، وآخرون اعترفوا : تخلفا عنه، عن الحسن وعن الكلبي : التوبة والإثم .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: قد جعل كل واحد منهما مخلوطا فما المخلوط به؟

                                                                                                                                                                                                قلت: كل واحد منهما مخلوط ومخلوط به; لأن المعنى خلط كل واحد منهما بالآخر، كقولك: خلطت الماء واللبن، تريد: خلطت كل واحد منهما بصاحبه، وفيه ما ليس في قولك: خلطت الماء باللبن; لأنك جعلت الماء مخلوطا، واللبن مخلوطا به، وإذا قلته بالواو وجعلت الماء واللبن مخلوطين ومخلوطا بهما; كأنك قلت: خلطت الماء باللبن، واللبن بالماء، ويجوز أن يكون من قولهم: بعت الشاة شاة ودرهما، بمعنى: شاة بدرهم . [ ص: 89 ] فإن قلت: كيف قيل: أن يتوب عليهم ، وما ذكرت توبتهم ؟

                                                                                                                                                                                                قلت: إذا ذكر اعترافهم بذنوبهم، وهو دليل على التوبة، فقد ذكرت توبتهم .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية