الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4757 5044 - حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا جرير ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله : لا تحرك به لسانك لتعجل به [القيامة : 16 ] قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل جبريل بالوحي ، وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه ، فيشتد عليه ، وكان يعرف منه ، فأنزل الله الآية التي في : لا أقسم بيوم القيامة [القيامة : 1 ] لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه [القيامة : 16 - 18 ] : فإذا أنزلناه فاستمع ثم إن علينا بيانه قال : إن علينا أن نبينه بلسانك . قال : وكان إذا أتاه جبريل أطرق ، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله . [انظر : 5 - مسلم: 448 - فتح: 9 \ 88 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              معنى الآية الأولى : بينه حرفا حرفا -كما قال ابن عباس - وعن مجاهد : يرتل ترتيلا .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 151 ] حكاه أبو عبيد ، وعنه : بعضه في إثر بعض . أي : اقرأه على ترتيل وهو بمعناه .

                                                                                                                                                                                                                              وأثر ابن عباس أخرجه ابن المنذر عن علي بن المبارك ، ثنا زيد ، ثنا ابن ثور ، عن ابن جريج ، عنه .

                                                                                                                                                                                                                              والصحيح -كما قال ابن المنير - في معنى الآية : نزلناه نجوما جملة واحدة بخلاف الكتب المتقدمة ، يدل عليه قوله لتقرأه على الناس على مكث . وقال أبو حمزة : قلت لابن عباس إني سريع القراءة ، وإني أقرأ القرآن في ثلاث . فقال : لأن أقرأ البقرة في ليلة فأتدبرها وأرتلها خير من أن أقرأ كما تقول ، وقال مرة : خير من أن أجمع القرآن .

                                                                                                                                                                                                                              وأكثر العلماء يستحبون الترتيل في القراءة ليتدبره القارئ ، ويتفهم معانيه . روى علقمة عن ابن مسعود قال : لا تنثروه نثرا كالدقل ، ولا تهذوه هذ الشعر ، قفوا عند عجائبه ، وحركوا به القلوب ، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر أبو عبيد أن رجلا سأل مجاهدا عن رجل قرأ البقرة وآل عمران ، ورجل قرأ البقرة ، قيامهما واحد ، وركوعهما واحد ، وسجودهما واحد ، أيما أفضل ؟ قال : الذي قرأ البقرة ، وقرأ وقرآنا فرقناه الآية [الإسراء : 106 ] .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 152 ] وقال الشعبي : إذا قرأتم القرآن ، فاقرءوه قراءة تسمعه آذانكم وتفهمه قلوبكم ، فإن الأذنين عدل بين اللسان والقلب ، فإذا مررتم بذكر الله فاذكروا الله ، وإذا مررتم بذكر النار فاستعيذوا بالله منها ، وإذا مررتم بذكر الجنة فاسألوا الله .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها قول آخر : روى ابن القاسم وابن وهب عن مالك في الهذ في القراءة قال : من الناس من إذا هذ أخف عليه ، وإذا رتل أخطأ ، ومن الناس من لا يحسن يهذ ، والناس في هذا على قدر حالاتهم ، وما يخف عليهم وكل واسع .

                                                                                                                                                                                                                              وقد روي عن جماعة من السلف أنهم كانوا يختمون القرآن في ركعة ، وهذا لا يتمكن إلا بالهذ .

                                                                                                                                                                                                                              والحجة لهذا القول حديث أبي هريرة رضي الله عنه السالف في مناقب الأنبياء : "خفف على داود القرآن فكان ، يأمر بدوابه فتسرج ، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه " . وهذا لا يتم له - عليه السلام - إلا بالهذ وسرعة القراءة . والمراد بالقرآن هنا الزبور ، وداود فيمن أنزل الله فيه : فبهداهم اقتده [الأنعام : 90 ] .

                                                                                                                                                                                                                              وإنما ذكر - عليه السلام - هذا الفعل من داود على وجه الفضيلة والإعجاب بفعله ، ولو ذكره على غير ذلك نسخه وأمر بمخالفته ، فدل على إباحته ، وسيأتي في باب : في كم يقرأ القرآن ، من كان يقرأ القرآن في ركعة قريبا .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 153 ] فصل :

                                                                                                                                                                                                                              ساق البخاري في الباب حديث واصل ، عن أبي وائل ، عن عبد الله رضي الله عنه ، وقد سلف قريبا في باب : تأليف القرآن ، وفي الصلاة أيضا ، وقال هنا : ثمان عشرة سورة من المفصل وسورتين من آل حم .

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي : وقول أبي وائل : (فغدونا على عبد الله ) إلى قوله : (من آل حم ) ما أراه إلا من كلام أبي وائل ; لأن المفصل عند ابن مسعود من الجاثية .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (هذا كهذ الشعر ) يريد أنه أسرع ولم يرتل ، وواصل هذا هو مولى عيينة كما ذكره خلف في "أطرافه " ، وعند الإسماعيلي : واصل : الأحدب بن حبان .

                                                                                                                                                                                                                              وساق أيضا حديث سعيد بن جبير في قوله : لا تحرك به لسانك [القيامة : 16 ] وقد سلف في باب بدء الوحي .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية