الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                7078 7079 7080 7081 7082 7083 7084 7085 7086 7087 7088 7089 7090 7091 ص: وأما الطيرة فقد رفعها رسول الله -عليه السلام - وجاءت الآثار بذلك مجيئا متواترا :

                                                حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : ثنا وهب بن جرير ، وروح ، قالا : ثنا شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، عن عيسى -رجل من بني أسد ، عن زر ، عن عبد الله - رضي الله عنه - ، قال قال رسول الله -عليه السلام - : " إن الطيرة من الشرك ، وما منا إلا ، ولكن الله -عز وجل - يذهبه بالتوكل " .

                                                حدثنا أبو أمية ، قال : ثنا شريح ، قال : أنا هشيم ، عن ابن شبرمة ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله -عليه السلام - قال : "لا طيرة" .

                                                حدثنا أبو أمية ، قال : ثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة ، عن رجل ، عن عبد الله ، عن النبي -عليه السلام - ، مثله .

                                                [ ص: 104 ] حدثنا يونس ، قال أنا ابن وهب ، قال : أخبرني مالك ويونس ، عن ابن شهاب ، عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر ، عن ابن عمر ، عن رسول الله، -عليه السلام - مثله .

                                                حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا ابن أبي مريم ، قال : أنا ابن أبي الزناد ، قال : حدثني علقمة بن أبي علقمة ، عن أمه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " كان النبي -عليه السلام - يبغض الطيرة ويكرهها " .

                                                حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا مسدد ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا هشام وشعبة ، عن قتادة ، عن أنس ، عن رسول الله -عليه السلام - قال : " لا طيرة " .

                                                حدثنا علي بن معبد ، قال : ثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا أبي ، عن صالح ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني أبو سلمة وغيره ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله -عليه السلام - مثله .

                                                حدثنا يونس ، قال : أنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله -عليه السلام - مثله .

                                                حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني معروف بن سويد ، عن علي بن رباح اللخمي ، قال : سمعت أبا هريرة ، يحدث ، عن رسول الله -عليه السلام - مثله .

                                                حدثنا عبد الله بن محمد بن خشيش ، قال : ثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : ثنا هشام ، عن قتادة ، عن أنس ، عن النبي -عليه السلام - مثله .

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا سعيد بن عامر ، عن شعبة ، عن قتادة . . ... ، فذكر بإسناده مثله .

                                                حدثنا فهد ، قال : ثنا أبو سعيد الأشج ، قال : ثنا أبو أسامة ، قال : حدثني عبد الرحمن بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، عن النبي -عليه السلام - مثله .

                                                حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا الحماني ، قال : ثنا مروان بن معاوية بن الحارث ، وابن المبارك ، عن عوف ، عن حيان ، عن قطن بن قبيصة بن المخارق ، عن أبيه ، قال : سمعت النبي -عليه السلام - يقول : " العيافة والطيرة والطرق من الجبت " .

                                                [ ص: 105 ] فلما نهى رسول الله -عليه السلام - عن الطيرة ، ، وأخبر أنها من الشرك ، ، نهى الناس عن الأسباب التي يكون عنها الطيرة ، ، مما ذكر في هذا الباب .

                                                التالي السابق


                                                ش: لما ذكر فيما مضى أن نهيه -عليه السلام - عن الخروج من الأرض التي وقع فيها الوباء وعن الهبوط إليها لمعنى واحد ، وهو الطيرة لا الإعداء ، أراد أن يبين أن الطيرة قد رفعها رسول الله -عليه السلام - وأخبر أنها من الشرك .

                                                وأخرج فيها عن جماعة من الصحابة ، وهم : عبد الله بن مسعود وأبو هريرة وعبد الله بن عمر وعائشة وأنس بن مالك وأبو أمامة وقبيصة بن المخارق - رضي الله عنهم - .

                                                أما عن ابن مسعود فأخرجه من طريقين :

                                                الأول : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير وروح بن عبادة ، كلاهما عن شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، عن عيسى بن عاصم الأسدي الكوفي ، وثقه أحمد ، عن زر -بكسر الزاي وتشديد الراء - بن حبيش ، عن عبد الله بن مسعود .

                                                وأخرجه أبو داود : نا محمد بن كثير ، قال : ثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن عيسى بن عاصم ، عن زر بن حبيش ، عن عبد الله بن مسعود ، عن رسول الله -عليه السلام - قال : "الطيرة شرك ، الطيرة شرك ، الطيرة شرك -ثلاثا - وما منا إلا ، ولكن الله -عز وجل - يذهبه بالتوكل " .

                                                وأخرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح ، لا نعرفه إلا من حديث سلمة ، وقال فيه : وروى شعبة أيضا هذا الحديث عن سلمة .

                                                سمعت محمدا يقول في هذا : "وما منا " : إن هذا عندي من قول ابن مسعود .

                                                قوله : "رجل من بني أسد " ، بجر رجل ; لأنه عطف بيان ; لقوله : عن عيسى .

                                                قوله : "إن الطيرة من الشرك " خارج مخرج المبالغة والتغليظ .

                                                [ ص: 106 ] قوله : "وما منا إلا " فيه حذف ، تقديره : إلا وفيه الطيرة ، أو إلا قد يعتريه التطير وتسبق إلى قلبه الكراهية فيه ، فحذف ; اختصارا للكلام ، واعتمادا على فهم السامع .

                                                الطريق الثاني : عن أبي أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي ، عن قبيصة بن عقبة السوائي -شيخ البخاري - عن سفيان الثوري ، عن عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن رجل ، عن عبد الله .

                                                وقد مر هذا الإسناد بعينه في العدوى ، وأعاده ها هنا في الطيرة والكل حديث واحد ، وقد مر الكلام فيه مستوفى .

                                                وأما عن أبي هريرة فأخرجه من أربع طرق :

                                                الأول : عن أبي أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي ، عن سريج -بضم السين المهملة وفي آخره جيم - بن النعمان ، عن هشيم بن بشير ، عن عبد الله بن شبرمة ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة وهذا الإسناد أيضا بعينه قد ذكره فيما مضى في هذا الباب مقتصرا فيه على ذكر العدوى .

                                                الثاني : عن علي بن معبد ، قال : عن يعقوب بن إبراهيم عن ابن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عبد الله بن عبد الرحمن أبي سلمة ، وغيره عن أبي هريرة .

                                                الثالث : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن يونس بن يزيد الأيلي ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة .

                                                الرابع : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن معروف بن سويد ، عن علي بضم العين المهملة وفتح اللام ، عن أبي هريرة .

                                                وهذه الأسانيد أيضا قد ذكرها فيما مضى في العدوى وقد أعادها ها هنا في الطيرة .

                                                وأما عن ابن عمر ، فأخرجه بإسناد صحيح .

                                                عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك بن أنس ، ويونس بن يزيد الأيلي ، كلاهما عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري . . . . إلى آخره .

                                                [ ص: 107 ] وهذا أيضا بعينه ذكر فيما مضى في العدوى وأعاده ها هنا في الطيرة .

                                                وأما عن عائشة - رضي الله عنها - :

                                                فأخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم المصري ، شيخ البخاري ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد فيه مقال .

                                                عن علقمة بن أبي علقمة ، واسم أبي علقمة : بلال المدني مولى عائشة أم المؤمنين ، روى له الجماعة . عن أمه مرجانة ، وثقها ابن حبان وروى لها في الأربعة غير ابن ماجه .

                                                وأما عن أنس - رضي الله عنه - فأخرجه من ثلاث طرق صحاح :

                                                الأول : عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن مسدد بن مسرهد ، عن يحيى بن سعيد القطان ، عن هشام الدستوائي ، وشعبة ، كلاهما عن قتادة ، عن أنس .

                                                الثاني : عن عبد الله بن محمد بن خشيش ، عن مسلم بن إبراهيم . . . . إلى آخره .

                                                الثالث : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن سعيد بن عامر الضبعي . . . . إلى آخره .

                                                وهذه الأسانيد الثلاثة قد ذكرت فيما مضى أيضا في العدوى ، وأعادها ها هنا في الطيرة .

                                                وأما عن أبي أمامة :

                                                فأخرجه عن فهد بن سليمان ، عن أبي سعيد الأشج عبد الله بن سعيد ، عن أبي أسامة حماد بن أسامة ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الشامي ، عن القاسم بن عبد الرحمن الشامي ، عن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي .

                                                وهذا أيضا قد ذكره فيما مضى في العدوى .

                                                وأما عن قبيصة بن المخارق :

                                                فأخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن يحيى بن عبد الحميد الكوفي ، عن مروان بن معاوية بن الحارث بن أسماء الفزاري الكوفي روى له الجماعة .

                                                [ ص: 108 ] وعن عبد الله بن المبارك الشيخ العابد المشهور ، كلاهما عن عوف بن أبي جميلة المعروف بابن الأعرابي ، روى له الجماعة ، عن حيان -بفتح الحاء المهملة ، وتشديد الياء آخر الحروف - بن العلاء ، ويقال : أبو العلاء حيان غير منسوب ، قال ابن حبان في "الثقات " : حيان بن المخارق أبو العلاء ، يروي عن قطن بن قبيصة .

                                                قلت : قطن بن قبيصة بن المخارق الهلالي البصري قال النسائي : لا بأس به . وذكره ابن حبان في "الثقات " .

                                                يروي عن أبيه قبيصة بن المخارق الصحابي - رضي الله عنه - .

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا مسدد ، قال : ثنا يحيى ، قال ثنا عوف ، قال : نا حيان قال غير مسدد : حيان بن العلاء -قال : ثنا قطن بن قبيصة ، عن أبيه ، قال سمعت النبي -عليه السلام - يقول : "العيافة والطيرة والطرق من الجبت " .

                                                وأخرجه النسائي أيضا في "اليوم والليلة ".

                                                قوله : "العيافة " بكسر العين المهملة ، وفتح الياء آخر الحروف وبالفاء : وهو زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرها ، وهو من عادة العرب كثيرا ، وهو كثير في أشعارهم ، يقال : عاف يعيف عيفا إذا زجر ، وحدس ، وظن .

                                                وبنو أسد يذكرون بالعيافة ويوصفون بها ، قيل عنهم : إن قوما من الجن تذاكروا عيافتهم فأتوهم فقالوا : ضلت لنا ناقة ، فلو أرسلتم معنا من يعيف ، فقالوا لغليم منهم : انطلق معهم .

                                                فاستردفه أحدهم ، ثم ساروا فلقيهم عقاب كاسرة إحدى جناحيها ، فاقشعر الغلام وبكى ، فقالوا : ما لك ؟ ! فقال :

                                                كسرت جناحا وحلفت بالله صراحا : ما أنت بإنسي ، ولا تبغي لقاحا

                                                .

                                                وقال أبو عبيد : العيافة : زجر الطير ، يقال منه : عفت الطير أعيفها عيافة .

                                                [ ص: 109 ] قال : ويقال : في غير هذا عافت الطير تعيف عيفا إذا كانت تحوم على الماء ، وعاف الرجل الطعام يعافه عيافا إذا كرهه .

                                                قوله : "والطيرة " قد فسرناها .

                                                قوله : "والطرق " بفتح الطاء ، وسكون الراء المهملتين ، وفي آخره قاف ، وهو الضرب بالحصى ، الذي يفعله النساء . وقيل : هو الخط في الرمل ، وقال ابن عباس : الحظ هو الذي يخطه الحازي ، وهو علم قد تركه الناس ، يأتي صاحب الحاجة إلى الحازي فيعطيه حلوانا ، فيقول له : اقعد حتى أخط لك ، وبين يدي الحازي غلام له معه ميل ، ثم يأتي إلى أرض ربوة فيخط فيها خطوطا كثيرة بالعجلة ; لئلا يلحقها العدد ، ثم يرجع فيمحو منها على مهل خطين خطين ، وغلامه يقول للتفاؤل : ابني عيان أسرعا البيان ، فإن بقي خطان ، فهما علامة النجح ، وإن بقي خط واحد فهو علامة الخيبة .

                                                وقال الخطابي : الطرق : الضرب بالحصى ; قال لبيد :


                                                لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى . . . ولا زاجرات الطير ما الله صانع



                                                وأصل الطرق : الضرب ، ومنه سميت مطرقة الصانع والحداد ; لأنه يطرق بها ، أي يضرب بها ، وصورة الخط ما ذكره ابن الأعرابي . ذكر أبو عمر عن أبي العباس أحمد بن يحيى قال : يقعد الحازي ويأمر غلامه . . . . إلى آخر ما ذكرناه .




                                                الخدمات العلمية