الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 430 ] بيان حكم المغالاة في المهور والإسراف في ولائم الأعراس ومنها: المغالاة في المهور، والإسراف في الولائم، بل وفي كل ما يتعلق بالأعراس.

قال الله - تبارك وتعالى -: ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا [الإسراء: 26-27].

قال في "فتح البيان" : التبذير: هو تفريق المال، كما يفرق البذر كيفما كان، من غير تعمد لمواقعه، وهو الإسراف المذموم; لمجاوزته للحد المستحسن شرعا في الإنفاق. أو هو الإنفاق في غير الحق، وإن كان يسيرا.

قال الشافعي: التبذير: إنفاق المال في غير حقه، ولا تبذير في عمل الخير. قال القرطبي: وهذا قول الجمهور.

قال مالك: التبذير: هو أخذ المال من حقه، ووضعه في غير حقه، وهوالإسراف، وهو حرام.

والمراد بالأخوة: المماثلة التامة، وتجنب مماثلة الشيطان - ولو في خصلة واحدة من خصاله - واجب، فكيف فيما هو أعم من ذلك !!كما يدل عليه إطلاق المماثلة والإسراف في الإنفاق من عمل الشيطان.

فإذا فعله أحد من بني آدم، فقد أطاع الشيطان، واقتدى به، وهذا غاية المذمة; لأنه لا أشر من الشياطين.

والعرب تقول لكل من هو ملازم سنة قوم: هو أخوهم.

قال ابن مسعود: التبذير: إنفاق المال في غير حقه. وعنه: كنا - أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم - نتحدث أن التبذير: النفقة في غير حقه.

وعن ابن عباس قال: هم الذين ينفقون المال في غير حقه. وعن علي، قال: ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير، [ ص: 431 ] وما تصدقت، فلك، وما أنفقت رياء وسمعة، فذلك حظ الشيطان.

وقيل: هو إنفاق المال في العمارة على وجه السرف.

وقيل: لو أنفق الإنسان ماله كله في الحق، لم يكن مبذرا، ولو أنفق درهما أو مدا في باطل، كان مبذرا.

قيل: إن بعضهم أنفق نفقة في خير، وأكثر، فقال له صاحبه: لا خير في السرف. فقال: لا سرف في الخير.

ولا مانع من حمل الآية على الجميع، والعموم أولى.

وفي هذه الآية تسجيل على المبذرين بمماثلة الشيطان، ثم التسجيل على جنس الشيطان بأنه كفور، فاقتضى ذلك أن المبذر مماثل له، وكل مماثل للشيطان، له حكم الشيطان، وكل شيطان كفور، فالمبذر كذلك; لأنه موافق للشيطان في الصفة والفعل. انتهى ما في "الفتح" .

وأقول: مواضع الصرف معلومة من الكتاب العزيز، والسنة المطهرة على وجوه التفاصيل.

فمن صرف ماله في تلك المواضع، فهو عن السرف أبعد، ومن بذله في غيرها، مما اصطلح عليه أهل الزمان، وصار عرفا لهم في المواسم والمراسم، والأعراس والجموع، فهو مبذر مماثل لعدو الله.

ولم نقف في آية ولا حديث على موضع يحسن الصرف فيه إلا وليمة النكاح، وعقيقة الصبي، وقرى الأضياف، وسائر المصارف مقصورة على ما هو من سبيل الله تعالي; كالبذل في الغزو، وتجهيز الجيوش، والحج والهجرة، وتسبيل الآبار، وعمارة المساجد، وإعانة المكاتب، وطلبة العلم، والعتق، وفك الأسير، وإعطاء الفقير، وغيرها من الباقيات الصالحات، والحسنات المنجيات، وهي كثيرة يطول ذكرها.

التالي السابق


الخدمات العلمية