الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فروع ) أكثرها لا نقل فيه بعينه ، وإنما حكمه مأخوذ من كلامهم علق بغيبته مدة معينة بلا نفقة ، ولا منفق احتيج في إثبات ذلك جميعه إلى بينة تشهد به حتى تركها بلا نفقة ، ولا منفق ؛ لأنه نفي يحيط به العلم كالشهادة بالإعسار وأنه لا مال له وبأنه لا وارث له ولو قال لا أكلم زيدا ، ولا عمرا فكلمهما ولو متفرقين وقع عليه طلقتان كما في الأيمان لا عادة لا خلافا لما في الخادم من أنه يمين واحدة ؛ لأنه مفرع على ضعيف كما يأتي ثم ولو قال إن فعلت كذا ، وإن فعلت كذا بمحل كذا ، وإن فعلت كذا فامرأتي طالق ، ولا نية له ففي رجوع قيد الوسط إلى ما قبله وما بعده تردد والمرجح كما مر في الوقف رجوعه ؛ لأن الأصل اشتراك المتعاطفات في المتعلقات ولأنها متأخرة عن الأول ومتقدمة على الثاني وهما يرجعان للكل من غير تردد ، ومن ثم أفتى بعض شراح الوسيط في إن كلمت زيدا اليوم وعمرا بشمول اليوم لهما أو إن امتنعت من الحاكم لا حنث بالهرب ؛ لأن الامتناع أن يطلب فيمتنع أو متى مضى يوم كذا مثلا ، ولم أوف فلانا دينه فأعسر لم يحنث لكن بشرط الإعسار من حين التعليق إلى مضي المدة .

                                                                                                                              ويؤيده قوله الكافي إن لم تصل اليوم الظهر فحاضت في وقته إن كان قبل مضي ما يمكن فيه الفرض لم تطلق ، وإلا طلقت [ ص: 145 ] وقيد ذلك شيخنا بما إذا لم يغلب على ظنه عدم يساره وقت الوفاء ، وإلا حنث ؛ لأنه تعليق بمحض الصفة ا هـ وفيه نظر ؛ لأن الأمور المستقبلة يبعد فيها التحقق وما قرب منه غالبا فليس تعليقا بذلك ، ولا يخالف ما تقرر إفتاء ابن رزين في إن لم أوفك حقك يوم كذا فأعسر بالوفاء فأحال به أنه إن قصد بالوفاء الإعطاء حنث أو البراءة من الدين على أي وجه كان فلا ؛ لأنه وجه ضعيف ، وإن نقله جمع ؛ لأنهم صرحوا أو أشاروا لما يرده ، وإنما حنث من حلف لا يفارق غريمه حتى يستوفي حقه منه بمفارقته له ، وإن وجبت لما يأتي في الأيمان ويظهر أن المراد بالإعسار هنا ما مر في الفلس ويحتمل أن يكون ما هنا أضيق فلا يترك له هنا جميع ما يترك له ثم ، وإنما يترك له الضروري لا الحاجي ، ولا أثر لقدرته على بعض الدين إذ لا يتعلق به بر ، ولا حنث ونقل المزني الإجماع على حنث العاجز مؤولا بما إذا قصد الحالف شمول اليمين لحالة العجز دون ما إذا لم يقصد ذلك لما دل عليه تفاريع الأئمة في اعتبار الإمكان في الحنث فقد قالوا لو حلف ليقضينه غدا فأبرئ أو عجز لم يحنث ؛ لأن التمكن شرط لاستقرار الحقوق الشرعية وبحث الجلال البلقيني وسبقه إليه ابن البزري أنه لا يحنث لو سافر الغريم أي قبل تمكنه من وفائه قال غيره .

                                                                                                                              وهو الظاهر لفوته بغير اختياره ، وإن أمكنه بالقاضي ؛ لأن حمله عليه مجاز والحمل على الحقيقة أولى قال بعض المتأخرين وحيث قلنا الإعسار كالإكراه فادعاه فالراجح قبوله ا هـ وفي إطلاقه نظر لما مر أنه لا يقبل دعواه الإكراه إلا بقرينة كحبس فكذا هنا ويؤيده قولهم : في التفليس لا يقبل قوله فيه إلا إذا لم يعهد له مال ولو تعارضت بينتا تعليق وتنجيز قدمت الأولى ؛ لأن معها زيادة علم بسماع التعليق ومحله كما هو ظاهر إن لم يمكن العمل بهما ولو قال كل زوجة في عصمتي طالق دخلت الرجعية ، وإن ظن أنها ليست في عصمته كما لو طلق زوجته ظانا أنها أجنبية ، وإنما قبل فيما مر في كل زوجة لي طالق وقال أردت غير المخاصمة ؛ لأنه ثم أخرجها بالنية مع وجود القرينة المصدقة ولو قال متى وقع طلاقي عليها كان معلقا بكذا فهو لغو ؛ لأن الواقع لا يعلق أولا وصلته عشرة أشرفية ، ولا نية له تعينت فلا يجزئ غير الذهب الأشرفي لما مر في الإقرار والبيع ولوعلق على ضرب زوجته بغير ذنب فشتمته فضربها لم يحنث إن ثبت ذلك ، وإلا صدقت على ما مر فتحلف ومر أنه لو حنث ذو زوجات لم ينو إحداهن والطلاق ثلاث عينه في واحدة ، ولا يجوز له توزيعه لمنافاته لما وقع عليه من البينونة الكبرى ، وله أن يعينهن في ميتة وبائنة بعد التعليق ؛ لأن العبرة بوقته لا بوقت وجود الصفة على المعتمد .

                                                                                                                              ولو حلف أنه لا يطلق غريمه فهرب وأمكنه اتباعه حنث إذ معنى لا أطلقه لا أخلي سبيله كذا قيل ، وفيه وقفة بل المتبادر من أطلقه أباشر إطلاقه بأن أخرجه من الحبس أو آذن له في الخروج أو في ذهابه عني ولو قال إن خرجت مع أمي إلى الحمام فخرجت أو لا ففي فتاوى المصنف إن قصد منعها من الاجتماع معها في الحمام [ ص: 146 ] طلقت ، وإلا فلا ويقاس به نظائره ويأتي أوائل الأيمان حكم ما لو حلف لا يأكل طعامه فأضافه

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله لأنه وجه ضعيف ) أي والموافق للصحيح أنه لا حنث إذا أعسر ، وإن قصد بالوفاء الإعطاء ( قوله فلا يجزئ غير الذهب الأشرفي لما مر إلخ ) قضية ما اعتمده شيخنا الشهاب الرملي كما بيناه في الإقرار من أن الأشرفي مجمل بين الذهب ، وقدر معلوم من الفضة أنه يجزئ القدر المذكور من الفضة ( قوله وله أن يعينهن في ميتة وبائنة بعد التعليق إلخ ) تقدم في فصل شك في طلاق فلا أن الذي استقر عليه رأي شيخنا الشهاب الرملي في فتاويه أنه إنما يجوز تعيينه في ميتة ومبانة بعد وجود الصفة [ ص: 146 ] لا قبله قال في الروض ، ولا تسقط أي الرجعة بالإسقاط قال في شرحه ، ولا بشرط الإسقاط

                                                                                                                              ( قوله : ما لو حلف لا يأكل طعامه فأضافه ) أي فلا يحنث شرح م ر أي فإنه يملكه بالازدراد فلا يصير طعامه فإن أراد بلا يأكل لا يمضغ ، ولا يدخله فمه فالحنث ظاهر



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله لأنه ) أي تركها كذلك

                                                                                                                              ( قوله : ولو قال لا أكلم زيدا إلخ ) ( فروع ) لو علق بتكليمها زيدا فكلمته ، وهو مجنون أو سكران سكرا يسمع معه ويتكلم ، وكذا إن كلمته ، وهي سكرى لا السكر الطافح طلقت لوجود الصفة ممن يكلم غيره ويكلم هو عادة فإن كلمته في نوم أو إغماء منه أو منها أو كلمته ، وهي مجنونة أو كلمته بهمس ، وهو خفض الصوت بالكلام بحيث لا يسمعه المخاطب أو نادته من مكان لا يسمع منه ، وإن فهمه بقرينة أو حملته ريح إليه وسمع لم تطلق ؛ لأن ذلك لا يسمى تكليما عادة ، وإن كلمته بحيث يسمع لكنه لا يسمع لذهول منه أو لشغل أو لغط ولو كان لا يفيد معه الإصغاء طلقت ؛ لأنها كلمته وعدم السماع لعارض ، وإن كان أصم فكلمته ، ولم يسمع لصمم بحيث لو لم يكن أصم لسمع فقيل تطلق وقيل لا تطلق والأوجه كما قال شيخنا حمل الأول على من يسمع مع رفع الصوت والثاني على من لم يسمع ولو مع رفع الصوت ولو قال إن كلمت نائما أو غائبا عن البلد مثلا فأنت طالق لم تطلق ؛ لأنه تعليق بمستحيل كما لو قال إن كلمت ميتا أو حمارا ولو قال إن كلمت زيدا فأنت طالق فكلمت حائطا مثلا ، وهو يسمع فوجهان أصحهما أنها لا تطلق ولو قال إن كلمت رجلا فأنت طالق فكلمت أباه أو غيره من محارمها أو زوجها طلقت لوجود الصفة فإن قال قصدت منعها من مكالمة الرجال الأجانب قبل منه ؛ لأنه الظاهر ولو قال إن كلمت زيدا أو عمرا فأنت طالق طلقت بتكليم أحدهما وانحلت فلا يقع بتكليم الآخر شيء أو إن كلمت زيدا وعمرا فأنت طالق لم تطلق إلا بكلامهما معا أو مرتبا أو إن كلمت زيدا ثم عمرا أو زيدا فعمرا اشترط تكليم زيد أولا وتكليم عمرو بعده متراخيا في الأولى وعقب كلام زيد في الثانية نهاية ومغني وبعض ذلك قد مر

                                                                                                                              ( قوله : ثم ) أي في الأيمان

                                                                                                                              ( قوله : ولو قال إن فعلت إلخ ) تصويره أن يقول مثلا إن أكرمت زيدا ، وإن أهنت عمرا بمصر ، وإن كلمت بكرا ا هـ سيد عمر

                                                                                                                              ( قوله : ولأنها متأخرة عن الأول ومتقدمة ) وكان ينبغي التذكير ؛ لأن الضمائر لقيد الوسط

                                                                                                                              ( قوله : وهما ) أي القيد المتأخر عن الكل والقيد المتقدم عليه

                                                                                                                              ( قوله : بشمول اليوم ) أي رجوعه

                                                                                                                              ( قوله : أو إن امتنعت إلخ ) عطف على قوله إن فعلت إلخ

                                                                                                                              ( قوله : أو متى مضى يوم كذا إلخ ) وفي فتاوى السيوطي مسألة رجل عليه دين لشخص فطالبه فحلف المديون بالطلاق متى أخذت مني هذا المبلغ في هذا اليوم ما أسكن في هذه الحارة ثم إنه تعوض في المبلغ المذكور قماشا وانتقل من وقته فهل إذا عاد يقع عليه الطلاق أم لا الجواب هنا أمران الأول كونه تعوض بالمبلغ قماشا والحلف على أخذ هذا المبلغ المدعى به الثابت في الذمة ، وهو نقد والمأخوذ غير المشار إليه فلا يقع الطلاق إلا أن يريد بالأخذ مطلق الاستيفاء فيقع حينئذ عملا بنيته والثاني العود بعد النقلة فإن لم يقع الطلاق ، وهي صورة الإطلاق فواضح ، وإن وقع ، وهي صورة قصد مطلق الاستيفاء والحلف قد وقع على السكنى من غير تقييد فيحنث بالسكنى في أي وقت كان انتهى ا هـ سم بحذف

                                                                                                                              ( قوله : ويؤيده ) أي قوله لكن بشرط إلخ

                                                                                                                              ( قوله : إن لم تصل إلخ ) على حذف في متعلق بقول الكافي

                                                                                                                              ( قوله : إن كان إلخ ) مقول قول الكافي والضمير لطرو الحيض [ ص: 145 ]

                                                                                                                              ( قوله : وقيد ذلك ) أي عدم الحنث

                                                                                                                              ( قوله : إذا لم يغلب إلخ ) أي حين التعليق

                                                                                                                              ( قوله : وما قرب منه ) أي وغلبة الظن

                                                                                                                              ( قوله : بذلك ) أي بمحض الصفة

                                                                                                                              ( قوله : ولا يخالف إلخ ) أي لا يعقل مخالفته

                                                                                                                              ( قوله : ما تقرر ) أي من عدم الحنث

                                                                                                                              ( قوله : إنه إلخ ) على حذف الباء متعلق بالإفتاء

                                                                                                                              ( قوله : ؛ لأنه إلخ ) متعلق لقوله : ولا يخالف إلخ

                                                                                                                              ( قوله : وجه ضعيف ) أي والموافق للصحيح أنه لا حنث إذا أعسر ، وإن قصد بالوفاء الإعطاء ا هـ سم ( قوله وأن نقله ) أي ذلك الوجه

                                                                                                                              ( قوله : أو أشاروا ) الظاهر أنها أي أو للتنويع أي من الجمع الناقلين له من صرح برده ، ومنهم من أشار لرده ا هـ سيد عمر

                                                                                                                              ( قوله : لما يرده إلخ ) تنازع فيه الفعلان فأعمل الثاني

                                                                                                                              ( قوله : وإنما حنث إلخ ) جواب سؤال وارد على عدم الحنث في مسألة اليمين على الوفاء إذا أعسر

                                                                                                                              ( قوله : وإن وجبت ) أي المفارقة بنحو الإعسار

                                                                                                                              ( قوله : لما يأتي إلخ ) متعلق بقوله ، وإنما حنث إلخ

                                                                                                                              ( قوله : ونقل المزني إلخ ) جواب سؤال ظاهر البيان

                                                                                                                              ( قوله : فأبرئ ) ببناء المفعول

                                                                                                                              ( قوله : لاستقرار الحقوق إلخ ) لا يخلو عن شيء ولو قال لأداء الحقوق إلخ لكان واضحا ا هـ سيد عمر

                                                                                                                              ( قوله : وبحث الجلال إلخ ) أي في مسألة الحلف على وفاء الدين إلخ

                                                                                                                              ( قوله : لو سافر الغريم ) أي الدائن

                                                                                                                              ( قوله : بالقاضي ) أي بتسليمه للقاضي

                                                                                                                              ( قوله : عليه ) أي على الوفاء ولو بالقاضي

                                                                                                                              ( قوله : ويؤيده ) أي اشتراط القرينة هنا أيضا ( قوله ومحله ) أي التقديم

                                                                                                                              ( قوله : إن لم يمكن إلخ ) كأن اتحد تاريخهما ووجدت الصفة بعد العدة

                                                                                                                              ( قوله : أو لا وصلته إلخ ) عطف على متى وقع إلخ

                                                                                                                              ( قوله : فلا يجزئ إلخ ) قضية ما اعتمده شيخنا الشهاب الرملي كما بيناه في الإقرار من أن الأشرفي مجمل بين الذهب ، وقدر معلوم من الفضة أنه يجزئ القدر المعلوم من الفضة ا هـ سم

                                                                                                                              ( قوله : ومر ) أي في فصل بيان محل الطلاق ا هـ كردي ( قوله توزيعه ) أي الطلاق الثلاث

                                                                                                                              ( قوله : وله أن يعينهن في ميتة إلخ ) تقدم في فصل شك في طلاق فلا أن الذي استقر عليه رأي شيخنا الشهاب الرملي في فتاويه أنه إنما يجوز في ميتة ومبانة بعد وجود الصفة لا قبله ا هـ سم

                                                                                                                              ( قوله : ولو قال إن خرجت إلخ ) فروع لو قال لزوجته إن خرجت إلا بإذني فأنت طالق فأذن لها ، وهي لا تعلم أو كانت مجنونة أو صغيرة فخرجت لم تطلق ، وإن أذن لها في الخروج مرة فخرجت لم يقع وانحلت اليمين ولو أذن ثم رجع فخرجت بعد المنع لم يحنث لحصول الإذن ولو قال كلما خرجت إلا بأدنى فأنت طالق فأي [ ص: 146 ] مرة خرجت بلا إذن طلقت ؛ لأن كلما تقتضي التكرار كما مر وخلاصه من ذلك أن يقول لها أذنت لك أن تخرجي متى شئت أو كلما شئت ولو حلف لا يخرج من البلد إلا مع امرأته فخرجا لكن تقدم عليها بخطوات لم تطلق مغني ونهاية

                                                                                                                              ( قوله : حكم ما لو حلف إلخ ) عبارة المغني ولو حلف لا يأكل من مال زيد فأضافه أو نثر مأكولا فالتقطه أو خلطا زاديهما وأكل من ذلك لم يحنث ؛ لأن الضيف يملك الطعام قبيل الازدراد والملتقط يملك الملقوط بالأخذ والخلط في معنى المعاوضة ولو حلف لا يدخل دار زيد ما دام فيها فانتقل منها وعاد إليها ثم دخلها الحالف ، وهو فيها لم يحنث لانتفاء الديمومية بالانتقال منها نعم إن أراد كونه فيها فينبغي الحنث قاله الأذرعي ا هـ وكذا في النهاية إلا مسألة النثر وخلط الزاد فنبه عليهما الرشيدي بما نصه الظاهر أن الضيافة ليس بقيد بل المدار على ما وجدت فيه العلة فيشمل نحو الإباحة كأن أذن له في الأكل من ماله أو نحو ذلك فليراجع ا هـ




                                                                                                                              الخدمات العلمية