الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          (علم الكلام وآراء الفقهاء )

                                                          كثر القول في تفسير القرآن الكريم في الكتب التي تصدت للتفسير كتفسير الزمخشري ، وفخر الدين الرازي وغيرهما من أمهات كتب التفسير في أمور هي من علم الكلام ; كتعلق إرادة الله تعالى بأفعال العباد ، وكذلك الآيات القرآنية التي تتعرض للمشيئة والإرادة ، وهداية العبد وضلاله ، وللصفات أهي غير الذات ، أم هي والذات شيء واحد ، وغير ذلك من مسائل علم الكلام . والزمخشري مع مقامه في البيان ، وإثباته إعجاز القرآن من تفسير القرآن ، يذكر مذهبه الاعتزالي ويخرج تفسيره على هذا المذهب ، وتعقبه من جاء بعده في إثبات صحة مذهب [ ص: 39 ] الأشاعرة أو الماتريدية ، حتى يغلب القول التفسير والبيان ، وتختفي معاني القرآن الكريم في لجاجة التعصب المذهبي ، وهذا النوع من التفسير هو أحد القسمين اللذين ينطبق عليهما النهي عن الرأي ; لأن المفسرين سبقت آراؤهم تفسيرهم ، فحملوا معاني القرآن على ما يوافق مذهبهم ، والقرآن الكريم فوق آرائهم ، ومعاني القرآن فوق كل رأي ومذهب ، وتحمل الآراء والمذاهب على معاني القرآن لأنه الأعلى ، وهو الشرع الحكيم .

                                                          فليست معاني القرآن أشعرية ولا ماتريدية ، ولا اعتزالية ، وإن تخريج الآراء على مقتضى مذهب من المذاهب يجعل القرآن مفرقا ، ويجعله عضين ، وذلك حرام ; لذلك لا نفتح - بعون الله تعالى وتوفيقه - مجالا لهذه المجادلة في ذكر معاني القرآن ، بل نتجه - إن شاء الله تعالى - إلى المعاني الواضحة البينة ، من غير أن ننزلها من مقامها السامي إلى مضطرب المذاهب والآراء .

                                                          * * *

                                                          (وبالنسبة للآراء الفقهية نلاحظ أمرين )

                                                          أولهما : أن اختلاف الآراء الفقهية حول ما ثبت من الأحكام بالنصوص القرآنية قليل ، فلا اختلاف لأنظار الفقهاء في آيات الأحكام بالنسبة للزواج وشروطه ، والمحرمات ، وغيرها ، والاختلاف أساسه اختلاف الروايات ، وهو في الأحكام الفقهية نادر ، ولا يعلو إلى درجة الاختلاف الذي يورث عداوة ، أو يوجد تراميا بالكفر والخروج عن الربقة عند العلماء رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم .

                                                          ثانيهما : وليس ثمة خلاف جوهري في أمر يتعلق بالأحكام الثابتة بالقرآن إلا الاختلاف بين جماهير المسلمين وطائفة الإمامية في الميراث ، وهذا الاختلاف لا يخرج عن دائرة الثابت بالقرآن ، وهو في تقديم بعض الورثة على بعض ، فليس ثمة [ ص: 40 ] خلاف في أن للذكر مثل حظ الأنثيين ، ولا في أن الميراث يكون للأقرب فالأقرب ، ولكن الاختلاف في معنى القرابة أحيانا ، وأحيانا نجد النص القرآني يقرب ، ولا يبعد .

                                                          ومسلكنا في آيات الأحكام أن نذكر الأحكام الثابتة بالقرآن بإجمال مستعينين بالسنة القولية والعملية في العبادات ، وفي الأنكحة ، وغيرها .

                                                          نذكر الأحكام بإجمال تفسير الآيات القرآنية مبينين ما يحتاج إلى بيان بالسنة النبوية ، مرجحين ما يتفق مع السنة ، أو ما نراه أقرب إلى النص ، كمعنى قوله تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فإنا في هذه نأخذ بما يفهم من السنة .

                                                          وهكذا لا نتعرض للخلاف الفقهي إلا في أضيق دائرة ، وما يوجبه علينا ذكر معاني القرآن واضحة نيرة كشأنها دائما ، ولا نخضع هذه المعاني لآراء الفقهاء ، إنما نخضع آراء الفقهاء لها ; لأنها الحكم الذي لا ترد حكومته ، والقرآن هو الحاكم بالصحة لآراء الفقهاء وليس محكوما بها .

                                                          * * *

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية