الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الركن الرابع : المنفعة ، ولها ثمانية شروط : أن تكون مباحة ، جائزة الدفع للعبد ، متقومة ، مملوكة ، غير متضمنة استيفاء عين بالأصالة ، مقدورا على تسليمها ، حاصلة للمستأجر ، معلومة . فتذكر هذه الشروط بمداركها وفروعها مبسوطة - إن شاء الله تعالى - .

                                                                                                                الشرط الأول : الإباحة احترازا من الغناء وآلات الطرب ونحوهما ; لأن ثبوت الملك على العوض فرع ثبوته على المعوض ; ولقوله - عليه السلام - : " إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه " ، ولقوله - عليه السلام - : " لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها " ، قال سند في كتاب الصرف : بيع أواني الذهب جائز إذا اشتراها لبيعها من الذمة أو ممن يتجر فيها كثياب الحرير المخيطة للرجال ، أو ليدخرها للزمان لتباع عند الحاجة من غير انتفاع ; لأن النهي إنما ورد في الانتفاع ، والاستصناع يتخرج على هذا التفصيل ، وفي الجواهر : قال ابن الجلاب وعبد الوهاب : اقتناؤها من غير استعمال محرم ، قال أبو الوليد : لو لم يجز اتخاذها لفسخ بيعها ، وقد أجازه في الكتاب : قال ابن شاس : هذا غير صحيح ; لأن تملكها يجوز إجماعا بخلاف اتخاذها ، بل فائدة الخلاف في منع الإجارة عليها وعدم الضمان على متلفها من غير جوهرها ، فالمخالف يجيز الإجارة ويوجب الضمان ، وفي الكتاب : يكره للأعزب إجارة الحرة ليس بينه وبينها محرم ، أو أمة يخلو معها أو يزاملها في المحمل ، قال اللخمي : يحرم في الأعزب كان مأمونا أم لا ; لقوله - عليه السلام - : " لا يخلو رجل بامرأة [ ص: 397 ] ليس بينه وبينها محرم " ويجوز في المأمون ذي الأهل ، وتمتنع في غير المأمون ذي الأهل ، إلا أن تكون متجالة لا رغبة للرجال فيها ، أو شابة وهو شيخ فان .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال اللخمي : إجارة الحمامات للرجال جائزة إذا كانوا يدخلون مستترين ، وللنساء إذا كن يستترن في جميع أجسادهن ، وممنوعة إذا كن يتركن السترة جملة ، ومختلف فيها إذا كن يدخلن بالمئزر بناء على أن المرأة بالنسبة للمرأة كالرجل بالنسبة للرجل أم لا ، وفي الترمذي : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام ) ، وأطلق ( ش ) و ( ح ) جواز الإجارة للحمام ، وكرهها أحمد ; لأنها موضع النجاسات والقاذورات ، ومأوى الشياطين ، وما ذكرنا من التفصيل أليق ، فإن حاجة أكثر الناس تدعو إلى دخولها لطهر الحيض والجنابة وإزالة الأوساخ ومداواة الأمراض ، مع أن صاحب الجواهر قد نقل الإجماع على امتناع دخولها مع من لا يستر عورته .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال اللخمي : ويمتنع إجارة الحوانيت والدور إذا كان يفعل فيها المحرمات ; كبيع الخمور والمغصوب ، وآلات الحروب ; لأن الغالب اليوم أن لا يقاتل بها إلا المسلمون ، فإن ، تصدق بالكراء . فإن أجره من يهودي يرابي فيه لم يتعرض له ; لأن ذلك من دينهم إن عمله هو والذمة ، وإلا لم يؤاجر . ويمتنع من ذمي يبيع الخمر فيه ; لأنهم لم يعطوا العهد على إعلان الخمر ، ولا يؤاجر داره ممن يعملها [ ص: 398 ] كنيسة ، فإن نزل فسخ من القيام وتصدق بالأجرة إن فات ، وقيل : إذا أجره للخمر ففات لم يفسخ ، أو دابته للرواح إلى الكنيسة ; لأنه باع منافع يجوز له بيعها إنما المنتفع فعل ما يحرم عليه ، فلو أجر الذمي ليبيع خلا فباع خمرا لا يختلف لمساواة الخمر والخل في الضرر ، فلو أكراه ليسكن فباع الخمر ولم يعلم بذلك الكري قومت الدار ثلاث قيم : للسكنى وقيمة ما يضر كمضرة الخمر ، وقيمته مع الخمر ، وتصدق بما يزاد لأجل الخمر ، فإن علم بذلك تصدق بالجميع ، كأنه فسخ الأول في الثاني لما علم بالثاني ، وقيل : لا يتصدق ، فلو أكراه لبيع الخمر فصرف ذلك للسكنى كان الكراء للمكري ; لأن الأول غير منعقد ، وإقرار الثاني عقد آخر ، إلا أن يكون كراء الثاني أقل فيحط عنه ما بين الكرائين ، قاله ابن حبيب ، فإن تعدى على الحانوت فباع فيها الخمر تعديا أخذ كراءها إن كان المتعدي ذميا ، ولا شيء له إن كان مسلما ، قاله ابن القاسم ; لأن المنفعة معدومة شرعا ، وله الأجرة عند ابن حبيب ، إلا أن يكون لا يكسب إلا بثمن الخمر ، وفي الكتاب : لا يكري دابته لتركيب لعيدهم ، وشاته لتذبح لذلك ، قال صاحب النكت : تقوم الدار بغير شرط كونها كنيسة ، ويتصدق بما بين الثمنين إن باع ، وبالكراء كله إن أجر ; لأن المنافع المحرمة لا تقابل بالأعواض . وإجارة المسلم نفسه ثلاثة أقسام : لرعاية الخنازير وحمل الخمر ، تفسخ أبدا ، فإن فات تصدق بالأجرة ، وعلى الخدمة والمهنة تفسخ أبدا ، فإن فاتا لم يتصدق لأنها قبالة منفعة مباحة ، وإنما منعت لوصف خارج وهو إهانة الإسلام ، وعلى شيء لا يكون فيه تحت يد الذمي ولا مهنة كالقراض والحراسة ، فإذا نزل مضى المسمى ، ويكره في الكتاب : أن يكون عامل قراض للذمي ، وكره ابن القاسم إجارته للحراسة له والحرث والبناء لقوله - عليه [ ص: 399 ] السلام - : ( الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ) ، قال اللخمي : في العتبية إذا وقع كراء العبد أو الشاة لا يرد ; لأن المعصية خارجة من أركان العقد ، كالبيع عند أذان الجمعة ، وككراء الحانوت لبيع الخمر والعنب يعصر خمرا ، يفسخ ، والفرق : أن منافع الدابة تنقضي قبل المعصية ، والشاة بعد الذبح ذكية يجوز أكلها والمنافع تستوفي على ملك المؤجر في دار الكنيسة ونحوها ، فتباشر المعصية المنفعة ، ولو أجره على زق زيت فإذا هو خمر فله الأجرة ويتصدق بما تزيد الأجرة لكونه خمرا ، والعقد بينها باق في زق ثان ، فإن قال : خمرا فوجده زيتا فأجرة المثل لفساد العقد .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : يجوز على طرح الميتة والدم والعذرة ; لأن الغرض إبعادها لا هي ، ويمتنع على الميتة بجلدها لامتناع بيعه وإن دبغ .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : يكره للمسلم كراء أرض الجزية ذات الخراج لما فيها من الذلة ، فإن أكريتها فأخذ السلطان منك الخراج : فإن لم يكن الذمي أداه رجعت عليه به ، وإلا فلا ; لأنها مظلمة عليك .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجواهر : تمتنع على قلع الضرس الصحيحة ، وقطع اليد السالمة لتحريم إفساد الأعضاء شرعا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                كره مالك في النوادر : نقط المصاحف بالحمرة والصفرة ، ومقتضاه كراهة الإجارة عليها .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية