الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في الخلفاء

                                                                      4632 حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الرزاق قال محمد كتبته من كتابه قال أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال كان أبو هريرة يحدث أن رجلا أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أرى الليلة ظلة ينطف منها السمن والعسل فأرى الناس يتكففون بأيديهم فالمستكثر والمستقل وأرى سببا واصلا من السماء إلى الأرض فأراك يا رسول الله أخذت به فعلوت به ثم أخذ به رجل آخر فعلا به ثم أخذ به رجل آخر فعلا به ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل فعلا به قال أبو بكر بأبي وأمي لتدعني فلأعبرنها فقال اعبرها قال أما الظلة فظلة الإسلام وأما ما ينطف من السمن والعسل فهو القرآن لينه وحلاوته وأما المستكثر والمستقل فهو المستكثر من القرآن والمستقل منه وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فهو الحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله ثم يأخذ به بعدك رجل فيعلو به ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع ثم يوصل له فيعلو به أي رسول الله لتحدثني أصبت أم أخطأت فقال أصبت بعضا وأخطأت بعضا فقال أقسمت يا رسول الله لتحدثني ما الذي أخطأت فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقسم حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا محمد بن كثير حدثنا سليمان بن كثير عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة قال فأبى أن يخبره

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( ظلة ) : بضم الظاء المعجمة أي : سحابة لها ظل ، وكل ما أظل من سقيفة ونحوها يسمى ظلة ( ينطف ) : بنون وطاء مكسورة ويجوز ضمها أي يقطر ( يتكففون ) أي يأخذون بأكفهم . قال الخليل تكفف بسط كفه ليأخذ ( فالمستكثر والمستقل ) : أي فمنهم الآخذ كثيرا ومنهم الآخذ قليلا ( سببا ) : أي حبلا ( واصلا ) : أي موصولا فاعل بمعنى مفعول [ ص: 300 ] قاله الخطابي ( أخذت به ) : أي بذلك السبب ( ثم وصل ) : بصيغة المجهول ( قال أبو بكر بأبي وأمي ) : أي أنت مفدى بأبي وأمي ( لتدعني ) : بفتح اللام للتأكيد والدال والعين وكسر النون المشددة أي لتتركني ( فلأعبرنها ) : بضم الموحدة من عبرت الرؤيا بالخفة إذا [ ص: 301 ] فسرتها ( فيعليك الله ) : أي يرفعك ( ثم يأخذ به بعدك رجل ) : هو أبو بكر رضي الله عنه ( ثم يأخذ به رجل آخر ) : هو عمر رضي الله عنه ( ثم يأخذ به رجل آخر ) : هو عثمان رضي الله عنه ( فينقطع ثم يوصل له فيعلو به ) : يعني أن عثمان كاد أن ينقطع عن اللحاق بصاحبيه بسبب ما وقع له من تلك القضايا التي أنكروها فعبر عنها بانقطاع الحبل ثم وقعت له الشهادة فاتصل فالتحق بهم قاله القسطلاني ( أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : أي حرف نداء ( أصبت بعضا وأخطأت بعضا ) : اختلف العلماء في تعيين موضع الخطأ فقيل أخطأ لكونه عبر السمن والعسل بالقرآن فقط وهما شيئان وكان من حقه أن يعبرهما بالقرآن والسنة ، وقيل غير ذلك ، والأولى السكوت في تعيين موضع الخطأ بل هو الواجب ، لأنه صلى الله عليه وسلم سكت عن بيان ذلك مع سؤال أبي بكر رضي الله عنه ( لا تقسم ) : قال الداودي : أي لا تكرر يمينك فإني لا أخبرك ، وقيل معناه إنك إذا تفكرت فيما أخطأت به علمته .

                                                                      قال النووي : قيل إنما لم يبر النبي صلى الله عليه وسلم قسم أبي بكر لأن إبرار القسم مخصوص بما إذا لم يكن هناك مفسدة ولا مشقة ظاهرة ، قال ولعل المفسدة في ذلك ما علمه من انقطاع السبببعثمان وهو قتله وتلك الحروب والفتن المريبة فكره ذكرها خوف شيوعها انتهى .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه .

                                                                      قوله ثم يأخذ به بعدك رجل هو أبو بكر ثم يأخذ به رجل آخر هو عمر ، ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع هو عثمان .

                                                                      فإن قيل لو كان معنى فينقطع قتل لكان سبب عمر مقطوعا أيضا ، قيل لم ينقطع سبب عمر لأجل العلو إنما هو قطع لعداوة مخصوصة ، وأما قتل عثمان من الجهة التي علا بها [ ص: 302 ] وهي الولاية فجعل قتله قطعا ، وقوله ثم وصل يعني بولاية علي ، وقيل إن معنى كتمان النبي صلى الله عليه وسلم موضع الخطأ لئلا يحزن الناس بالعارض لعثمان ، وفيه جواز سكوت العابر وكتمه عبارة الرؤيا إذا كان فيها ما يكره وفي السكوت عنها مصلحة انتهى كلام المنذري .

                                                                      ( فأبى أن يخبره ) : أي امتنع صلى الله عليه وسلم أن يخبر أبا بكر بما أخطأ .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه .




                                                                      الخدمات العلمية