الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4814 [ ص: 295 ] 21 - باب: من قال : لا رضاع بعد حولين

                                                                                                                                                                                                                              لقوله -عز وجل - : حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة [البقرة : 233 ] . وما يحرم من قليل الرضاع وكثيره .

                                                                                                                                                                                                                              5102 - حدثنا أبو الوليد ، حدثنا شعبة ، عن الأشعث ، عن أبيه ، عن مسروق ، عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وعندها رجل ، فكأنه تغير وجهه ، كأنه كره ذلك ، فقالت : إنه أخي . فقال : " انظرن ما إخوانكن ، فإنما الرضاعة من المجاعة " . [انظر : 2647 - مسلم: 1455 - فتح: 9 \ 146 ] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث عائشة - رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وعندها رجل ، فكأنه تغير وجهه ، كأنه كره ذلك ، فقالت : إنه أخي . فقال : "انظرن من إخوانكن ، فإنما الرضاعة من المجاعة " . قد سلف في آخر باب : الأكفاء في الدين الكلام على ذلك واضحا وهو ظاهر لما ترجم له ، وأخذ أيضا منه أن المصة تحرم وهو قول مالك ، واحتج بعضهم له بقوله لعائشة : "ائذني له " وهذا رضاع لا توقيت فيه ، واحتج له بعضهم بحديث المرأة السوداء الآتية قريبا .

                                                                                                                                                                                                                              وقولها : (قد أرضعتكما ) . واعتبر الشافعي خمس رضعات متفرقات ، وحكي عن إسحاق أيضا وقيل : عشر ، وقيل : تسع ، وحجة الجمهور ما ذكر في الآية ظاهر ، أعني : في اعتبار الحولين أنه تعالى أخبر أن تمام الرضاعة حولان فعلم أن ما بعدهما ليس برضاع ، إذ لو كان ما بعد رضاعا لم يكن كمال الرضاع حولين ،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 296 ] ويشهد لهذا قوله : "إنما الرضاعة من المجاعة " وهذا المعنى لا يقع برضاع الكبير .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("انظرن من إخوانكن" ) أي : حققوا صحة الرضاعة ووقتها فإن الحرمة إنما تثبت إذا وقعت على شرطها وفي وقتها .

                                                                                                                                                                                                                              قال المهلب : أي : ما سبب أخوته ؟ فإن حرمة الرضاع إنما هو في الصغر حتى يشب ، الرضاعة من المجاعة لا حين يكون الغذاء بغير الرضاع في حال الكبر ، قال ابن بطال : والقول قول من قال بالحولين بشهادة الكتاب والسنة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس مرفوعا : "لا رضاع إلا ما كان في الحولين " ، وقد سلف من رواية ابن عدي أيضا ، وأيضا فقد قال الله تعالى : وفصاله في عامين [لقمان : 14 ] فعلم أن ما جاء بعدهما خلافهما ، قال ابن المنذر : والذي يعتمد عليه في ذلك الآية السالفة وليس لما بعد التمام حكم .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              اختلف في مقدار الرضاع الذي تثبت به الحرمة ، كما ذكرناه قريبا .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن المنذر : قالت طائفة : يحرم قليله وكثيره ، وهو قول علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس ، وروي عن سعيد بن المسيب والحسن وعطاء ومكحول وطاوس والحكم ، وهو قول مالك والليث والأوزاعي والثوري والكوفيين لإطلاق الآية ، وقالت طائفة : إنما

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 297 ] يحرم ثلاث ، روي عن عائشة وابن الزبير ، وبه قال أحمد وإسحاق ، وأبو ثور وأبو عبيد ، واحتجوا بالحديث السالف : "لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان " .

                                                                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : لا يقع إلا بخمس متفرقات ; احتجاجا بقول عائشة : كان فيما نزل في القرآن : (عشر رضعات يحرمن ) ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهن فيما نقرأ في القرآن ، وروي عنها أيضا أنه لا يحرم إلا بسبع ، وروي : بعشر ، أمرت أختها أم كلثوم أن ترضع سالم بن عبد الله عشر رضعات ليدخل عليها ، وروي مثله عن حفصة أم المؤمنين .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل : إن أحاديثها في الرضاع اضطربت فوجب تركها والرجوع إلى الإطلاق ، نقله ابن بطال عن العلماء ، قال الطحاوي : فكيف يجوز أن تأمر عائشة بعشر وهي منسوخة وتركت أن تأخذ بالخمس الناسخة ، وحديث الإملاجة لا يثبت ; لأنه مرة يرويه ابن الزبير عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومرة عن أبيه ، ومرة عن عائشة - رضي الله عنها - ، ومثل هذا الاضطراب يسقطه . قلت : لا .

                                                                                                                                                                                                                              قال الطحاوي : وأكثر في ذلك أنا رأينا الذي يحرم لا عدد فيه ، ويحرم قليله وكثيره ، ألا ترى لو أن رجلا جامع امرأته بنكاح أو ملك

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 298 ] مرة واحدة أن ذلك يوجب حرمتها على أبيه وابنه وحرمة أمها وابنتها عليه ، فكذلك الرضاع .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : لا ; فالعدد هنا ثابت .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية