الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( حرث ) ( هـ ) فيه : احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا أي اعمل لدنياك ، فخالف بين اللفظين . يقال حرثت واحترثت . والظاهر من مفهوم لفظ هذا الحديث : أما في الدنيا فللحث على عمارتها وبقاء الناس فيها حتى يسكن فيها وينتفع بها من يجيء بعدك ، كما انتفعت أنت بعمل من كان قبلك وسكنت فيما عمره ، فإن الإنسان إذا علم أنه يطول عمره أحكم ما يعمله وحرص على ما يكسبه ، وأما في جانب الآخرة فإنه حث على إخلاص العمل ، [ ص: 360 ] وحضور النية والقلب في العبادات والطاعات ، والإكثار منها ، فإن من يعلم أنه يموت غدا يكثر من عبادته ويخلص في طاعته . كقوله في الحديث الآخر : صل صلاة مودع .

                                                          قال بعض أهل العلم : المراد من هذا الحديث غير السابق إلى الفهم من ظاهره ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما ندب إلى الزهد في الدنيا ، والتقليل منها ، ومن الانهماك فيها والاستمتاع بلذاتها ، وهو الغالب على أوامره ونواهيه فيما يتعلق بالدنيا فكيف يحث على عمارتها والاستكثار منها ، وإنما أراد - والله أعلم - أن الإنسان إذا علم أنه يعيش أبدا قل حرصه ، وعلم أن ما يريده لن يفوته تحصيله بترك الحرص عليه والمبادرة إليه ، فإنه يقول : إن فاتني اليوم أدركته غدا ، فإني أعيش أبدا ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : اعمل عمل من يظن أنه يخلد فلا يحرص في العمل ، فيكون حثا له على الترك والتقليل بطريقة أنيقة من الإشارة والتنبيه ، ويكون أمره لعمل الآخرة على ظاهره ، فيجمع بالأمرين حالة واحدة وهو الزهد والتقليل ، لكن بلفظين مختلفين .

                                                          وقد اختصر الأزهري هذا المعنى فقال : معناه تقديم أمر الآخرة وأعمالها حذار الموت بالفوت على عمل الدنيا ، وتأخير أمر الدنيا كراهية الاشتغال بها عن عمل الآخرة .

                                                          ( هـ ) وفي حديث عبد الله : " احرثوا هذا القرآن " أي فتشوه وثوروه . والحرث : التفتيش .

                                                          ( هـ ) وفيه : " أصدق الأسماء الحارث " لأن الحارث هو الكاسب ، والإنسان لا يخلو من الكسب طبعا واختيارا .

                                                          [ هـ ] ومنه حديث بدر : اخرجوا إلى معايشكم وحرائثكم أي مكاسبكم . واحدها حريثة . قال الخطابي : الحرائث : أنضاء الإبل ، وأصله في الخيل إذا هزلت فاستعير للإبل ، وإنما يقال في الإبل أحرفناها بالفاء . يقال ناقة حرف : أي هزيلة . قال : وقد يراد بالحرائث المكاسب ، من الاحتراث : الاكتساب ، ويروى : " حرائبكم " بالحاء والباء الموحدة . وقد تقدم .

                                                          ( س ) ومنه قول معاوية : " أنه قال للأنصار : ما فعلت نواضحكم ؟ قالوا : حرثناها يوم بدر " أي أهزلناها . يقال حرثت الدابة وأحرثتها بمعنى أهزلتها . وهذا يخالف قول الخطابي .

                                                          [ ص: 361 ] وأراد معاوية بذكر نواضحهم تقريعا لهم وتعريضا لأنهم كانوا أهل زرع وسقي ، فأجابوه بما أسكنه تعريضا بقتل أشياخه يوم بدر .

                                                          ( هـ ) وفيه : وعليه خميصة حريثية هكذا جاء في بعض طرق البخاري ومسلم . قيل : هي منسوبة إلى حريث : رجل من قضاعة . والمعروف جونية . وقد ذكرت في الجيم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية