الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير :

                                                                                                                                                                                                                                      تقدم القول في {حم} ، وجواب القسم الذي هو والكتاب المبين : قوله : إنا كنا منذرين ، وقيل : إنا أنـزلناه ، وأنكره بعض النحويين ؛ من حيث كان صفة [للمقسم به ، ولا تكون صفة المقسم به جوابا ] للقسم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 94 ] والهاء في {أنـزلناه} : للقرآن .

                                                                                                                                                                                                                                      و (الليلة المباركة ) : ليلة القدر ، قيل : ابتدئ إنزاله فيها ، وقيل : أنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : [إنا أنزلناه في تفضيل ليلة القدر .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فيها يفرق كل أمر حكيم : قال ابن عباس ] : يحكم الله تعالى أمر الدنيا إلى قابل في ليلة القدر ؛ ما كان من حياة ، أو موت ، أو رزق ، وقاله مجاهد ، وقال : إلا الشقاء والسعادة ؛ فإنهما لا يتغيران ؛ ومعنى هذا القول : أمر الله عز وجل الملائكة بما يكون في ذلك العام ، ولم يزل ذلك في علمه عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                      [وعن عكرمة : أن الليلة المباركة المذكورة ههنا : ليلة النصف من شعبان ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين : قال علي رضي الله عنه : لم يأت الدخان بعد ، وسيأتي دخان يصيب المؤمنين منه مثل الزكام ، وينفذ الكافر ، وروى حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم : (أنه من آيات الساعة ) .

                                                                                                                                                                                                                                      زيد بن علي : (الدخان ) ما ينتظر بهم يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 95 ] ابن مسعود : قد مضى الدخان ؛ وهو ما أصاب المشركين من الجوع بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى كان الرجل يرى بين السماء والأرض دخانا ، قال : وقد كشفه الله تعالى عنهم ، ولو كان يوم القيامة ؛ لم يكشفه عنهم .

                                                                                                                                                                                                                                      ربنا اكشف عنا العذاب : [أي : يقولون : ربنا اكشف عنا العذاب ] .

                                                                                                                                                                                                                                      أنى لهم الذكرى أي : من أي وجه يكون لهم التذكر عند حلول العذاب ؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقد جاءهم رسول مبين أي : يبين لهم الحق .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وقالوا معلم مجنون أي : علم ما جاء به ، وليس من عند الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إنا كاشفو العذاب قليلا أي : وقتا قليلا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إنكم عائدون أي : عائدون في المعاصي بعد كشفه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : إنكم عائدون إلينا ؛ أي : مبعوثون بعد الموت .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : إنكم عائدون في عذاب الله في الآخرة إن لم تؤمنوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : يوم نبطش البطشة الكبرى : ابن مسعود ، وابن عباس ، وغيرهما :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 96 ] يعني : يوم بدر ؛ والمعنى : ننتقم منكم إن عدتم إلى كفركم [يوم نبطش البطشة الكبرى ] .

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن ، وعكرمة : يعني بـ البطشة الكبرى : يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وجاءهم رسول كريم أي : كريم في قومه ، وقيل : عند ربه ؛ والتقدير : ولقد جاء قوم فرعون رسول كريم ، وفتناهم ؛ أي : عذبناهم بالغرق ، والواو لا ترتب .

                                                                                                                                                                                                                                      أن أدوا إلي عباد الله أي : اتبعوني ، عن ابن عباس ، فـ عباد الله : منادى .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : المعنى : أرسلوا معي عباد الله ، فـ عباد الله على هذا مفعول .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى {أمين} : أمين على الوحي .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى {فاعتزلون} : دعوني كفافا ، لا علي ولا لي .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فدعا ربه أي : فكفروا ، فدعا ربه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فأسر بعبادي ليلا أي : فأجابه بأن قال له : فأسر بعبادي ليلا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 97 ] واترك البحر رهوا أي : طريقا ، عن ابن عباس ، الضحاك : سهلا ، وقيل : متفرقا .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : يابسا ، وعنه : ساكنا ، وهو المعروف في اللغة .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : أراد موسى لما خرج بنو إسرائيل من البحر- أن يضرب البحر بعصاه ؛ ليعود كما كان ؛ خوفا من فرعون وقومه ، فأمر بتركه على حاله ، وأخبر بأنهم قوم مغرقون ، فالأمر على هذا وقع من الله تعالى لموسى بعد قطعه البحر ، وفي الكلام حذف دل عليه المعنى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فما بكت عليهم السماء والأرض : قال علي رضي الله عنه : يبكي على المؤمن مصلاه ، والباب الذي يصعد منه عمله .

                                                                                                                                                                                                                                      عطاء : (بكاء السماء ) : حمرة أطرافها .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الخبر : «أن السماء والأرض تبكيان على المؤمن إذا مات أربعين صباحا » .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الأرض ، والعرب تستعمل هذا في من تعظم موته .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين يعني : ما كانت القبط تفعله بهم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 98 ] وقوله : ولقد اخترناهم على علم على العالمين أي : على علم منا بهم ؛ أي : لكثرة الأنبياء منهم .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى {العالمين} : عالمو زمانهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين يعني : إنجاءهم من عدوهم ، وغيره من نعمه عليهم ، وقيل : (البلاء ) : ما لحقهم من العذاب حين كفروا بالآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وما نحن بمنشرين أي : بمبعوثين .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين : قال الفراء : هذا مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وحده .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : هو مخاطبة له ولتباعه ؛ والمعنى : أحيوا لنا آباءنا ؛ لنسألهم عن صدقكم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 99 ] وقوله : أهم خير أم قوم تبع : قالت عائشة رضي الله عنها : كان تبع رجلا صالحا ، فذم الله تعالى قومه ، ولم يذمه .

                                                                                                                                                                                                                                      كعب : كان ملكا من الملوك ، وكان قومه كهانا ، وكان معهم قوم من أهل الكتاب ، فأمر الفريقين أن يقرب كل فريق منهم قربانا ، ففعلوا ، فتقبل قربان أهل الكتاب ، فأسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة : {تبع} : اسم كل ملك من ملوك اليمن ، سمي بذلك ؛ لأنه يتبع صاحبه .

                                                                                                                                                                                                                                      والذين من قبلهم يعني : الذين من قبل قوم تبع من الأمم الكافرة ؛ والمعنى : أن هؤلاء المتقدمين كانوا أفضل من قومك ، فأهلكوا بذنوبهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إن شجرت الزقوم طعام الأثيم : قال أبو الدرداء : طعام الفاجر ، وكذلك قرأ هو وابن مسعود .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم أي : يقول للملائكة : خذوه [ ص: 100 ] مجاهد : معنى (اعتلوه ) : ادفعوه ، و (العتل ) : الجر بعنف وشدة .

                                                                                                                                                                                                                                      و سواء الجحيم : وسطه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ذق إنك أنت العزيز الكريم أي : يقال له : ذق ؛ إنك أنت العزيز الكريم في قومك ، أو على زعمك .

                                                                                                                                                                                                                                      قال قتادة : نزلت في أبي جهل ، وقد كان نزل فيه : أولى لك فأولى [القيامة : 34 ] ، فقال : أيوعدني محمد وما بين جبليها أعز مني ؟! وقوله : إن المتقين في مقام أمين أي : في إقامة ؛ في من ضم ، وهو بالفتح : المكان ، وقد تقدم القول في مثله ، ومعنى {أمين} : يؤمن فيه من الآفات .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : كذلك وزوجناهم بحور عين أي : كما أدخلناهم الجنة ، وفعلنا بهم ما تقدم ذكره ؛ كذلك أكرمناهم بأن زوجناهم حورا عينا .

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون التقدير : الأمر كذلك ؛ فيوقف على {كذلك} .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 101 ] وقوله : {آمنين} : قال قتادة : آمنين من الموت ، والوصب ، والشيطان .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : آمنين من انقطاع ما هم فيه [من النعيم ، وما يدعون به من الفاكهة ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى أي : لا يذوقون فيها الموت ألبتة ، ثم قال : إلا الموتة الأولى ؛ على الاستثناء المنقطع .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : إن {إلا} بمعنى : (سوى ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : {إلا} بمعنى : (بعد ) ؛ كقولك : (ما كلمت رجلا اليوم إلا رجلا عندك ) ؛ [أي : بعد رجل عندك ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فضلا من ربك أي : فعل ذلك بهم تفضلا منه عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فارتقب إنهم مرتقبون أي : انتظر الفتح ، إنهم منتظروه عند أنفسهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : انتظر أن يحكم الله بينك وبينهم ؛ فإنهم ينتظرون بك ريب الحدثان .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية