الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4829 5121 - حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا أبو غسان قال : حدثني أبو حازم ، عن سهل أن امرأة عرضت نفسها على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له رجل : يا رسول الله ، زوجنيها . فقال : " ما عندك ؟ " . قال : ما عندي شيء . قال : " اذهب فالتمس ولو خاتما من حديد " . فذهب ثم رجع فقال : لا والله ما وجدت شيئا ، ولا خاتما من حديد ، ولكن هذا إزاري ولها نصفه -قال سهل : وما له رداء -فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " وما تصنع بإزارك ، إن لبسته لم يكن عليها منه شيء ، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء " . فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام ، فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعاه أو دعي له فقال : " ماذا معك من القرآن ؟ " . فقال معي سورة كذا وسورة كذا -لسور يعددها - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أملكناكها بما معك من القرآن " . [انظر : 2310 - مسلم: 1425 - فتح: 9 \ 175 ] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث سهل بن سعد في الواهبة ، وقد سلف ، وقال في آخره : "أملكتكها بما معك من القرآن " .

                                                                                                                                                                                                                              وفي نسخة : " أملكناكها " .

                                                                                                                                                                                                                              رواه عنه أبو حازم ، واسمه : سلمة بن دينار -مولى الأسود بن سفيان المخزومي ، وقيل : مولى لبني ليث - القاص ، من عباد أهل

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 370 ] المدينة وزهادهم ، مات سنة ثلاث أو خمس وثلاثين ومائة ، وقيل سنة أربعين .

                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه أيضا حديث مرحوم -وهو العطاء بن عبد العزيز بن مهران البصري ، مولى آل معاوية بن أبي سفيان - سمعت ثابتا البناني قال : كنت عند أنس وعنده ابنة له ، قال أنس : جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعرض عليه نفسها ، فقالت : يا رسول الله ، ألك في حاجة ؟ فقالت بنت أنس : ما أقل حياءها واسوأتاه واسوأتاه ! قال : هي خير منك ، رغبت في النبي - صلى الله عليه وسلم - فعرضت عليه نفسها .

                                                                                                                                                                                                                              ويأتي في الأدب ، وأخرجه النسائي هنا ، وفي "التفسير " أيضا ، وابن ماجه هنا ، وهما ظاهران على ما ترجم له ، وهو جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح ، وتعريفها رغبتها فيه ; لصلاحه وفضله ، أو لعلمه وشرفه ، أو لخصلة من خصال الدين ، وأنه لا عار عليها في ذلك ولا غضاضة ، بل ذلك زائد في فضلها ، لقول أنس لابنته : هي خير منك .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : أن الرجل الذي تعرض المرأة نفسها عليه لا ينكحها ، إلا إذا وجد في نفسه رغبة فيها .

                                                                                                                                                                                                                              وكذلك صوب الشارع النظر فيها وصعده ، فلما لم يجد في نفسه رغبة فيها سكت عن إجابتها .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 371 ] وفيه : جواز سكوت العالم ومن سئل حاجة ، إذا لم يرد الإسعاف ولا الإجابة في المسألة ، فإن ذلك أدب في الرد بالكلام وألين في صرف السائل .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : أن سكوت المرأة في الجماعات لازم لها ، إذا لم يقم الدليل على أن سكوتها كان لحياء أو لحشمة ، لأنه كان للمرأة أن تقول : يا رسول الله ، أنا أرغب فيك ، ولا أرغب في غيرك .

                                                                                                                                                                                                                              وكذلك يجب أن يكون سكوت كل من عقد عليه عقد في جماعة ، ولم يمنعه من الإنكار خوف ولا حياء ، ولا آفة في سمع ولا فهم أن ذلك العقد لازم له .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : دليل على جواز استمتاع الرجل بشورة المرأة ، وبما يشترى لها من صداقها لقوله : "ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء ؟ " مع علمه بأن النصف لها ، فلم يمنعه من الاستمتاع بنصفه الذي جوز لها وجوز له لبسه أجمع ، وإنما منع من ذلك ; لأنه لم يكن له ثوب غيره ، فخشي أن تحتاج إليه المرأة فيبقى عاريا .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية