الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      4659 حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زائدة بن قدامة الثقفي حدثنا عمر بن قيس الماصر عن عمرو بن أبي قرة قال كان حذيفة بالمدائن فكان يذكر أشياء قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأناس من أصحابه في الغضب فينطلق ناس ممن سمع ذلك من حذيفة فيأتون سلمان فيذكرون له قول حذيفة فيقول سلمان حذيفة أعلم بما يقول فيرجعون إلى حذيفة فيقولون له قد ذكرنا قولك لسلمان فما صدقك ولا كذبك فأتى حذيفة سلمان وهو في مبقلة فقال يا سلمان ما يمنعك أن تصدقني بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سلمان إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغضب فيقول في الغضب لناس من أصحابه ويرضى فيقول في الرضا لناس من أصحابه أما تنتهي حتى تورث رجالا حب رجال ورجالا بغض رجال وحتى توقع اختلافا وفرقة ولقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال أيما رجل من أمتي سببته سبة أو لعنته لعنة في غضبي فإنما أنا من ولد آدم أغضب كما يغضبون وإنما بعثني رحمة للعالمين فاجعلها عليهم صلاة يوم القيامة والله لتنتهين أو لأكتبن إلى عمر

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( أخبرنا عمر بن قيس الماصر ) : بكسر المهملة وتخفيف الراء ، وفي بعض [ ص: 323 ] النسخ الماصري وفي التقريب والخلاصة عمر بن قيس بن الماصر الكوفي . قال في الخلاصة وثقه ابن معين ، وقال في التقريب صدوق وربما وهم ورمي بالإرجاء ( فكان يذكر ) : أي حذيفة ( قالها ) : صفة أشياء ( فينطلق ناس ممن سمع ذلك ) : أي ما ذكر من الأشياء التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن بعض الصحابة في حالة الغضب ( وهو في مبقلة ) : أي في أرض ذات بقل ( أما تنتهي ) : أي ألا تمتنع عما تذكر ، هذه مقولة سلمان الفارسي قالها لحذيفة ( حتى تورث رجالا حب رجال ورجالا بغض رجال ) : المعنى : حتى تدخل في قلوب بعض الرجال محبة بعض الرجال وفي قلوب بعضهم بغض بعضهم ( فاجعلها ) : بصيغة الأمر أي فاجعل يا الله تلك اللعنة ( صلاة ) : أي رحمة كما في رواية مسلم ، والصلاة من الله تعالى الرحمة .

                                                                      وأخرج مسلم في باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه من كتاب الأدب عن عائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم أوما علمت ما شارطت عليه ربي ، قلت اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا .

                                                                      وأخرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إنما أنا بشر فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة وفي لفظ له عن أبي هريرة قال اللهم إني أتخذ عندك عهدا لن تخلفنيه فإنما أنا بشر فأي المؤمنين آذيته ؛ شتمته لعنته جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة .

                                                                      [ ص: 324 ] وفي لفظ له اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وإني قد اتخذت عند الله عهدا فذكره .

                                                                      وفي لفظ له فاجعل ذلك كفارة له يوم القيامة .

                                                                      وأخرج عن جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنما أنا بشر وإني اشترطت على ربي أي عبد من المسلمين سببته أو شتمته أن يكون ذلك له زكاة وأجرا .

                                                                      وأخرج عن أم سليم قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أما تعلمين أن شرطي على ربي أني اشترطت على ربي فقلت : إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر ، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا وزكاة وقربة تقربه بها منه يوم القيامة انتهى .

                                                                      والمعنى إنما وقع من سبه ودعائه صلى الله عليه وسلم على أحد ونحوه ليس بمقصود بل هو مما جرت به العادة فخاف صلى الله عليه وسلم أن يصادف شيء من ذلك إجابة فسأل ربه سبحانه ورغب إليه في أن يجعل ذلك رحمة وكفارة وقربة وطهورا وأجرا ، وإنما كان يقع هذا منه صلى الله عليه وسلم نادرا لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشا ولا لعانا والله أعلم ( والله لتنتهين ) : والحاصل أن سلمان رضي الله عنه ما رضي بإظهار ما صدر في شأن الصحابة لأنه ربما يخل بالتعظيم الواجب في شأنهم بما لهم من الصحبة قاله السندي .

                                                                      قال المنذري : وهذا الفصل الأخير قوله صلى الله عليه وسلم : أيما مؤمن سببته قد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة .




                                                                      الخدمات العلمية