الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4842 [ ص: 414 ] 40 - باب: السلطان ولي بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "زوجناكها بما معك من القرآن "

                                                                                                                                                                                                                              5135 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إني وهبت من نفسي . فقامت طويلا ، فقال رجل : زوجنيها ، إن لم تكن لك بها حاجة . قال : " هل عندك من شيء تصدقها ؟ " . قال : ما عندي إلا إزاري . فقال : " إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك ، فالتمس شيئا " . فقال : ما أجد شيئا . فقال : " التمس ولو خاتما من حديد " . فلم يجد ، فقال : " أمعك من القرآن شيء ؟ " . قال : نعم سورة كذا وسورة كذا لسور سماها . فقال : " زوجناكها بما معك من القرآن " . [انظر : 2310 - مسلم: 1425 - فتح: 9 \ 190 ] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساقه من حديث سهل بن سعد باللفظ المذكور وقد سلف .

                                                                                                                                                                                                                              وقام الإجماع على ما ترجمه وهو أنه ولي من لا ولي له ، وأجمعوا أيضا على أنه يزوج المرأة إذا أرادت النكاح ودعت إلى كفؤ وامتنع (الولي ) أن يزوجها .

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا إذا غاب عن البكر أبوها وعمي خبره وضربت فيه الآجال من يزوجها ؟ فقال أبو حنيفة ومالك : يزوجها أخوها بإذنها .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : يزوجها السلطان دون باقي الأولياء ، وكذلك الثيب إذا غاب أقرب أوليائها .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 415 ] حجة الأولين أن الأخ عصبة يجوز أن يزوجها بإذن مع عدم أبيها بالموت ; لتعذر التزويج من قبله ، وكذا مع حياته إذا تعذر التزويج من جهته ، دليل ذلك أن فسق الأب وجنونه ينقل الولاية إلى غيره ، ألا ترى أن الأب إذا مات كان الأخ أولى من السلطان . واحتج الشافعي بأن السلطان يستوفي حقوقها وينظر في مالها إذا فقد أبوها ; فلذلك هو أحق بالتزويج من أخيها .

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا في الولي من هو ؟ فقال مالك والليث والثوري والشافعي : هو العصبة الذي يرث دون الخال والجد للأم والأخ -عند مالك في النكاح وكذا عندنا - وقال محمد بن الحسن : كل من لزمه اسم الولي فهو ولي يزوج ، وبه قال أبو ثور .

                                                                                                                                                                                                                              حجة الأول أن الولاء لما كان مستحقا بالتعصيب لم يكن للأخ فيه مدخل ; لعدم التعصيب ، كذلك عقد النكاح ; لأن ذلك لولاية التعصيب . قال ابن المنذر : وقوله تعالى : فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن [البقرة : 232 ] دليل على أن الأولياء من العصب ; لأن معقلا لما منع أخته من التزويج نزلت فيه هذه الآية ، فتلاها عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا من أولى بالنكاح الولي أو الوصي ؟ فقال ربيعة ومالك والثوري : الوصي أولى . وقال الشافعي : الولي أولى ، ولا ولاية للوصي على الصغير ، وهو قول أبي حنيفة وأبي سليمان وأصحابهم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 416 ] حجة الأول أن الأب لو جعل ذلك إلى رجل بعينه في حياته لم يكن لسائر الأولياء الاعتراض عليه مع بقاء الأب . فكذلك بعد موته ، إلا أن مالكا قال : لا يزوج الوصي اليتيمة قبل البلوغ ، إلا أن يكون أبوها أوصى إليه أن يزوجها قبل البلوغ من رجل بعينه ، فيجوز وينقطع عنها ما لها من المشورة عند بلوغها .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر ابن القصار أن من أصحابنا من قال : إن الموصي إذا قال : زوج بناتي ممن رأيت . فإنه يقوم مقام الأب في تزويج الصغيرة وفي تزويج البكر البالغ بغير إذنها . وهو يتخرج على مذهب مالك ، وهو إذا قالت الثيب لوليها : زوجني ممن رأيت . فزوجها ممن اختار أو من نفسه ولم يعلمها بعين الرجل قبل العقد فإنه يلزمها ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن حزم : لا إذن للوصي في إنكاح أصلا لرجل ولا لامرأة ، صغيرين كانا أو كبيرين . أما الصغيرين فقد أسلفنا الكلام فيهما ، وأن البكر لا يزوجها إلا الأب وحده ، وأما الذكر فلا يزوجه أحد إلا نفسه ، وأما الكبيران فلا يخلو من أن يكونا مجنونين فلا ينكحهما أب ولا غيره ، أو عاقلين فلا ولي عليهما ، فإن موه مموه بخبر وكيع ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة ، عن جده ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من منع يتيما له النكاح فزنى فالإثم بينهما " قلنا : هذا مرسل ، ولا حجة في مرسل ، وأيضا يحيى ضعيف ، وليس فيه للوصي ذكر ، وقد يكون أراد سيد العشيرة يمنع يتيما من قومه النكاح ظلما .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية