الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وأمر من أراد أن يضحي أن لا يمس من شعره شيئا اتباعا واختيارا بدلالة السنة ، وروت عائشة أنها كانت تفتل قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم يقلدها هو بيده ، ثم يبعث بها ، فلم يحرم عليه شيء أحله الله له حتى نحر الهدي . قال الشافعي - رحمه الله - : والأضحية سنة تطوع لا نحب تركها وإذ كانت غير فرض " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وأصل هذا ما رواه الشافعي عن سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا [ ص: 74 ] دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره شيئا .

                                                                                                                                            ورواه الترمذي ، قال أحمد بن الحكم البصري : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن مالك بن أنس ، عن عمرو بن مسلم ، عن ابن المسيب ، عن أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من رأى هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي ، فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره قال : هو حديث حسن .

                                                                                                                                            واختلف الفقهاء في العمل بهذا الحديث على ثلاثة مذاهب :

                                                                                                                                            أحدها : - وهو مذهب الشافعي - أنه محمول على الاستحباب دون الإيجاب ، وأن من السنة لمن أراد أن يضحي أن يمتنع في عشر ذي الحجة من أخذ شعره وبشره ، فإن أخذ كره له ولم يحرم عليه .

                                                                                                                                            وهو قول سعيد بن المسيب .

                                                                                                                                            والمذهب الثاني : هو قول أحمد بن حنبل وإسحاق ابن راهويه أنه محمول على الوجوب ، وأخذه لشعره وبشره حرام عليه : لظاهر الحديث وتشبيها بالمحرم .

                                                                                                                                            والمذهب الثالث : - وهو قول أبي حنيفة ومالك - ليس بسنة ولا يكره أخذ شعره وبشره احتجاجا بأنه محل ، فلم يكره له أخذ شعره وبشره كغير المضحي ، ولأن من لم يحرم عليه الطيب واللباس لم يحرم عليه حلق الشعر كالمحل .

                                                                                                                                            والدليل على أحمد وإسحاق : إنه مسنون وليس بواجب ، ما رواه الشافعي ، عن مالك عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن عمرة ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : " أنا فتلت قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي ، ثم قلدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء أحله الله له حتى نحر الهدي فكان هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضحاياه ، لأنه كان بالمدينة ، وأنفذها مع أبي بكر سنة تسع ، وحكمها أغلظ لسوقها إلى الحرم ، فلما لم يحرم على نفسه شيئا كان غيره أولى إذا ضحى في غير الحرم ، ويدل على ذلك ما قدمناه من القياسين ، واستدلال أبي حنيفة علينا وهما في استدلال أبي حنيفة بهما مرفوعان بالنص ، ووجب استعمال الخبرين ، فنحمل الأمر به على السنة والاستحباب دون الإيجاب ، بدليل الخبر الآخر ، فلا يكون واحد منهما مطرحا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية