الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون .

استئناف بياني ، أي لا تعجبوا من هديهم وضلال غيرهم .

والإشارة إلى الهدى الذي هو مصدر مأخوذ من أفعال الهداية الثلاثة المذكورة في الآية قبلها ، وخصوصا المذكور آخرا بقوله " وهديناهم إلى صراط مستقيم " . وقد زاد اسم الإشارة اهتماما بشأن الهدي إذ جعل كالشيء [ ص: 351 ] المشاهد فزيد باسم الإشارة كمال تمييز ، وأخبر عن الهدى بأنه هدى الله لتشريف أمره وبيان عصمته من الخطأ والضلال ، وفيه تعريض بما عليه المشركون مما يزعمونه هدى ويتلقونه عن كبرائهم ، أمثال عمرو بن لحي الذي وضع لهم عبادة الأصنام ، ومثل الكهان وأضرابهم . وقد جاء هذا الكلام على طريقة الفذلكة لأحوال الهداية التي تكرر ذكرها كأبيات حاتم الطائي :


ولله صعلوك يساور همه ويمضي على الأحداث والدهر مقدما

إلى أن قال بعد أبيات سبعة في محامد ذلك الصعلوك :


فذلك إن يهلك فحسنى ثناؤه     وإن عاش لم يقعد ضعيفا مذمما

وقوله تعالى يهدي به من يشاء من عباده جملة في موضع الحال من " هدى الله " . والمراد بـ من يشاء الذين اصطفاهم الله واجتباهم ، وهو أعلم بهم وباستعدادهم لهديه ونبذهم المكابرة وإقبالهم على طلب الخير وتطلعهم إليه وتدرجهم فيه إلى أن يبلغوا مرتبة إفاضة الله عليهم الوحي أو التوفيق والإلهام الصادق .

ففي قوله " من يشاء " من الإبهام ما يبعث النفوس على تطلب هدى الله تعالى والتعرض لنفحاته ، وفيه تعريض بالمشركين الذين أنكروا نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم حسدا ، ولذلك أعقبه بقوله ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون تفظيعا لأمر الشرك وأنه لا يغتفر لأحد ولو بلغ من فضائل الأعمال مبلغا عظيما مثل هؤلاء المعدودين المنوه بهم . " والواو " للحال . وحبط معناه تلف . أي بطل ثوابه . وقد تقدم في قوله تعالى ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في سورة البقرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية