الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                تمهيد : قال : الأعمال ثلاثة أقسام ، ما تصح فيه الإجارة والجعل كبيع الثوب ، وحفر البئر ، وقضاء الديون ، والمخاصمة في الحقوق ، وعن مالك : منع الجعل في الخصومة ، ويمتنعان فيه ، وهو ما يحرم فعله أو يجب ، وفيه الإجارة فقط كخياطة الثوب ، وخدمة الشهر ، وبيع السلع الكثيرة والسلعة الواحدة التي يعلم وجود ثمنها في الحال ونحوه مما تبقى للجاعل منفعته ، ويمتنع اجتماع الجعالة والإجارة لتضاد أحكامها ، ويفسدان جميعا ، وعن سحنون : اجتماع المغارسة والبيع ، وهو من هذا القبيل .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : الإجارة على البيع يجب فيها ضرب الأجل ، ويمتنع النقد لتوقع عدم البيع في جملة الأجل ، فيرد بعض الأجرة ، فيكون تارة بيعا وتارة سلفا ، وإن لم ينقد ومضى من الأجل بعضه فللأجير حصته ; لأنه في مقتضاها .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : يجوز على بيع سلع كثيرة شهرا ، على أنه متى شاء ترك ; لأنها إجارة فيها خيار ، ويمتنع النقد كما تقدم ، قال صاحب الإشراف : يجوز - عندنا - شرط الخيار في الإجارة المعينة والمضمونة خلافا للشافعية ، قياسا على البيع ، قال ابن [ ص: 436 ] يونس : ويمتنع التطوع بالأجرة بعد العقد ; لأنه لما كان له الترك متى شاء كأنه فسخها في العمل ، فهو كفسخ دين في دين ، وكذلك لو أجره على أنه بالخيار ثلاثة أيام وهو كالتطوع بالنقد في السلم بالخيار ، قال سحنون : لا أعرف هذا الخيار ، وإنما يكون الخيار يومين أو ثلاثة ما لم يعمل ، قال حمديس : لو صح قول ابن القاسم لفسدت الإجارة ; لأنه إنما يجوز من الخيار في الإجارة مما يجوز في البيع ، قال محمد : إنما يمتنع النقد إذا ضرب أجلا إذا كان المتاع معينا وإلا فيجوز ويعمل له جملة الأجل .

                                                                                                                سؤال : أي محذور في قولنا : تارة بيعا وتارة سلفا ؟ .

                                                                                                                قاعدة : السلف ، شرعه الله - تعالى - معروفا وإحسانا بين الخلق ، وما شرع لحكمة يمتنع إيقاعه غير متضمن تلك الحكمة ، فلا تجوز الملاعنة في حق المجبوب لدرء النسب ; لكونه منتفيا عنه بغير لعان ، ولا تجوز إقامة الحدود على السكارى حالة السكر لعدم مشاهدتهم لتفاصيل المؤلمات حينئذ ، ولا تشرع عقود المعاوضات مع الغرر والجهالات لذهابها بانضباط مظان تنمية المال ، فكذلك لا يجوز السلف على غير وجه المعروف ، والسلف بشرط البيع أوقعه للمكايسة لا للمعروف فيمتنع ، والدافع الثمن أو الأجرة لم يدفعها للمعروف ، فتوقع ردها بعد الانتفاع توقع لسلف لم يقصد به المعروف فيمتنع ، لكنه أخف من السلف بشرط النفع ; لكونه لم يتعين كونه سلفا بخلاف ذلك .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : يمتنع النسج على أن يسلفك غزلا لأنه سلف للنفع ، قال صاحب النكت : إن وقع رددت مثل السلف والثوب لك ، وعليك أجرة المثل لفساد العقد . وقد انتفعت بالربا ، وليس كمن دفعت له خمسين على أن يسلفك خمسين ويعمل الجميع سوارين ، وتعطيه أجرته ; لأن عين الذهب قائمة والغزل استهلك ، بل هو كمن موه لجاما على أن يزيده الصانع من عنده ; لأن ما جعل في اللجام مستهلك ، وقيل : الثوب بينهما على قدر غزلهما ، وله [ ص: 437 ] أجرة مثله في حصتك كالسوارين ، قال : والأول أصوب ، قال اللخمي : على القول بأن الثوب مشترك بينهما فعليه الأقل من المسمى فيما ينوب الغزل ، أو إجارة المثل .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا استأجر ثوبا أو خيمة شهرا فحبسه لزمته الأجرة . وإن لم يلبسه ; لأن بذل الأجرة على التمكين ، ولأن المنفعة هلكت تحت يده ، فتجب الأجرة كالثمن في البيع إذا هلك المبيع عنده ، ولو حبسه بعد المدة فالأجرة عليه للحبس من غير لبس مع أجرة العقد ; لأنها منفعة لم يعاقد عليها ، وقال غيره : بحساب ما استأجر إن كان ربه حاضرا ; لأن حبسه بعد العقد رضا بمقتضاه ، ولو ضاع في نصف الأجل وأصابه بعده لم يلزمه أجرة الضياع ، بل حصة النصف الأول ، وكذلك الدابة ، قال ابن يونس : قيل معنى أجرته بعد المدة من غير لبس : أن يكون كراؤه ملبوسا في الشهر عشرة ، وإبلاء اللبس في الشهر خمسة فيكون عليه خمسة ، وكذلك الدابة ، قال : وفيه تطويل . بل يقال : كم أجرتها غير مركوبة وملبوس مع أنه حبسهما عن ربهما ، وفوته منافعهما ، وإلا يلزم إذا كان اللبس لا ينقصه أن يعطي مثل كراء الشهر ، وهو خلاف قوله .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : يمتنع دفعك الثوب المكرى لغيرك يلبسه ; لاختلاف الناس في اللبس والأمانة ، ويضمن إن فعل لاختلاف الناس في اللبس ، ويكره في الدابة المركوبة وإن كان مثله أو أخف ; لأن الأخف قد يعقر الدابة بقلة معرفته للركوب ، فأمره غير منضبط ، غير أن الدابة فيها تحمل بخلاف الثوب ، ولا يفسخ ولا يضمن إذا كان مثله في الخفة والحلة والحالة ، ولو بدأ له في السفر أو مات أكتريت من مثله ، وكذلك الثياب ، خلافا لـ ( ش ) بخلاف الكراء للسفن والدور والفسطاط ، فلك كراؤه في مثل حالك في لبسك وأمانتك ، قال ابن يونس : [ ص: 438 ] لم يضمنه سحنون في كراء الثوب كالفسطاط ، والمذهب في الدابة والثوب : الكراهة ، وهو مراده في الكتاب ، وفي الكتاب : تجوز إجارة العبد فيما استأجره له ، فإن أجره له في غيره فعطب ضمنه إن كان عملا يعطب في مثله ، ولأنه متعد ، قال ابن يونس : له أن يحوله من العمل إلى نوعه مثل الحصاد والحزر والفصد ، فإن قال : لا أحسنه ، فلك فسخ الإجارة إلا أن يكون يسيرا لا ضرر عليك فيه .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية