الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          نجم

                                                          نجم : نجم الشيء ينجم ، بالضم ، نجوما : طلع وظهر . ونجم النبات والناب والقرن والكوكب وغير ذلك : طلع . قال الله تعالى : والنجم والشجر يسجدان ، وفي الحديث : " هذا إبان نجومه أي وقت ظهوره " ، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم . يقال نجم النبت ينجم إذا طلع . وكل ما طلع وظهر فقد نجم . وقد خص بالنجم منه ما لا يقوم على ساق ، كما خص القائم على الساق منه بالشجر . وفي حديث حذيفة : سراج من النار يظهر في أكتافهم حتى ينجم في صدورهم . والنجم من النبات : كل ما نبت على وجه الأرض ونجم على غير ساق وتسطح فلم ينهض ، والشجر كل ما له ساق ، ومعنى سجودهما دوران الظل معهما . قال أبو إسحاق : قد قيل إن النجم يراد به النجوم ، قال : وجائز أن يكون النجم هاهنا ما نبت على وجه الأرض وما طلع من نجوم السماء . ويقال لكل ما طلع : قد نجم ، والنجيم منه الطري حين نجم فنبت ، قال ذو الرمة :


                                                          يصعدن رقشا بين عوج كأنها زجاج القنا ، منها نجيم وعارد

                                                          والنجوم : ما نجم من العروق أيام الربيع ، ترى رءوسها أمثال المسال تشق الأرض شقا . ابن الأعرابي : النجمة شجرة ، والنجمة الكلمة ، والنجمة نبتة صغيرة ، وجمعها نجم ; فما كان له ساق فهو شجر ، وما لم يكن له ساق فهو نجم . أبو عبيد : السراديح أماكن لينة تنبت النجمة والنصي ، قال : والنجمة شجرة تنبت ممتدة على وجه الأرض ، وقال شمر : النجمة هاهنا ، بالفتح ، قال : وقد رأيتها في البادية وفسرها غير واحد منهم ، وهي الثيلة ، وهي شجرة خضراء كأنها أول بذر الحب حين يخرج صغارا ، قال : وأما النجمة فهو شيء ينبت في أصول النخلة ، وفي الصحاح : ضرب من النبت ، وأنشد للحارث بن ظالم المري يهجو النعمان :


                                                          أخصيي حمار ظل يكدم نجمة     أتؤكل جاراتي وجارك سالم

                                                          ؟ والنجم هنا : نبت بعينه ; واحده نجمة وهو الثيل . قال أبو عمرو الشيباني : الثيل يقال له النجم ; الواحدة نجمة . وقال أبو حنيفة : الثيل والنجمة والعكرش كله شيء واحد . قال : وإنما قال ذلك لأن الحمار إذا أراد أن يقلع النجمة من الأرض وكدمها ارتدت خصيتاه إلى مؤخره . قال الأزهري : النجمة لها قضبة تفترش الأرض افتراشا . وقال أبو نصر : الثيل الذي ينبت على شطوط الأنهار وجمعه نجم ، ومثل البيت في كون النجم فيه هو الثيل قول زهير :

                                                          مكلل بأصول النجم تنسجه ريح خريق ، لضاحي مائه حبك وفي حديث جرير : بين نخلة وضالة ونجمة وأثلة ، النجمة : أخص من النجم وكأنها واحدته كنبتة ونبت . وفي التنزيل العزيز : والنجم إذا هوى ، قال أبو إسحاق : أقسم الله تعالى بالنجم ، وجاء في التفسير أنه الثريا ، وكذلك سمتها العرب . ومنه قول ساجعهم : طلع النجم غديه ، وابتغى الراعي شكية ، وقال :


                                                          فباتت تعد النجم في مستحيرة     سريع بأيدي الآكلين جمودها

                                                          أراد الثريا . قال : وجاء في التفسير أيضا أن النجم نزول القرآن نجما بعد نجم ، وكان تنزل منه الآية والآيتان ، وقال أهل اللغة : النجم بمعنى النجوم ، والنجوم تجمع الكواكب كلها . ابن سيده : والنجم الكوكب ، وقد خص الثريا فصار لها علما ، وهو من باب الصعق ، وكذلك قال سيبويه في ترجمة هذا الباب : هذا باب يكون فيه الشيء غالبا عليه اسم ، يكون لكل من كان من أمته أو كان في صفته من الأسماء التي تدخلها الألف واللام ، وتكون نكرته الجامعة لما ذكرت من المعاني ثم مثل بالصعق والنجم ، والجمع أنجم وأنجام ، قال الطرماح :

                                                          [ ص: 203 ]

                                                          وتجتلي غرة مجهولها     بالرأي منه ، قبل أنجامها

                                                          ونجوم ونجم ، ومن الشاذ قراءة من قرأ : وعلامات وبالنجم ، وقال الراجز :


                                                          إن الفقير بيننا قاض حكم     أن ترد الماء إذا غاب النجم

                                                          وقال الأخطل :


                                                          كلمع أيدي مثاكيل مسلبة     يندبن ضرس بنات الدهر

                                                          والخطب وذهب ابن جني إلى أنه جمع فعلا على فعل ثم ثقل ، وقد يجوز أن يكون حذف الواو تخفيفا ، فقد قرئ : وبالنجم هم يهتدون ، قال : وهي قراءة الحسن ، وهي تحتمل التوجيهين . والنجم : الثريا ، وهو اسم لها علم مثل زيد وعمرو ، فإذا قالوا طلع النجم يريدون الثريا ، وإن أخرجت منه الألف واللام تنكر ، قال ابن بري : ومنه قول المرار :


                                                          ويوم من النجم ، مستوقد     يسوق إلى الموت نور الظبا

                                                          أراد بالنجم الثريا ، وقال ابن يعفر :


                                                          ولدت بحادي النجم يتلو قرينه     وبالقلب قلب العقرب المتوقد

                                                          وقال أبو ذؤيب :


                                                          فوردن والعيوق مقعد رابئ ال     ضرباء ، خلف النجم ، لا يتتلع

                                                          وقال الأخطل :


                                                          فهلا زجرت الطير ليلة جئته     بضيقة ، بين النجم والدبران

                                                          وقال الراعي :


                                                          فباتت تعد النجم في مستحيرة     سريع بأيدي الآكلين جمودها

                                                          قوله : تعد النجم ; يريد الثريا لأن فيها ستة أنجم ظاهرة يتخللها نجوم صغار خفية . وفي الحديث : إذا طلع النجم ارتفعت العاهة ، وفي رواية : ما طلع النجم وفي الأرض من العاهة شيء ، وفي رواية : ما طلع النجم قط وفي الأرض عاهة إلا رفعت ; النجم في الأصل : اسم لكل واحد من كواكب السماء ، وهو بالثريا أخص ، فإذا أطلق فإنما يراد به هي ، وهي المرادة في هذا الحديث ، وأراد بطلوعها طلوعها عند الصبح ، وذلك في العشر الأوسط من أيار ، وسقوطها مع الصبح في العشر الأوسط من تشرين الآخر ، والعرب تزعم أن بين طلوعها وغروبها أمراضا ووباء وعاهات في الناس والإبل والثمار ، ومدة مغيبها بحيث لا تبصر في الليل نيف وخمسون ليلة لأنها تخفى بقربها من الشمس قبلها وبعدها ، فإذا بعدت عنها ظهرت في الشرق وقت الصبح ، قال الحربي : إنما أراد بهذا الحديث أرض الحجاز لأن في أيار يقع الحصاد بها وتدرك الثمار ، وحينئذ تباع لأنها قد أمن عليها من العاهة ، قال القتيبي : أحسب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد عاهة الثمار خاصة . والمنجم والمتنجم : الذي ينظر في النجوم يحسب مواقيتها وسيرها . قال ابن سيده : فأما قول بعض أهل اللغة : يقوله النجامون ، فأراه مولدا . قال ابن بري : وابن خالويه يقول في كثير من كلامه وقال النجامون ولا يقول المنجمون ، قال : وهذا يدل على أن فعله ثلاثي . وتنجم : رعى النجوم من سهر . ونجوم الأشياء وظائفها . التهذيب : والنجوم وظائف الأشياء ، وكل وظيفة نجم . والنجم : الوقت المضروب ; وبه سمي المنجم . ونجمت المال إذا أديته نجوما ، قال زهير في ديات جعلت نجوما على العاقلة :


                                                          ينجمها قوم لقوم غرامة     ولم يهريقوا بينهم ملء محجم

                                                          وفي حديث سعد : والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة ، تنجيم الدين : هو أن يقدر عطاؤه في أوقات معلومة متتابعة مشاهرة أو مساناة ، ومنه تنجيم المكاتب ونجوم الكتابة ، وأصله أن العرب كانت تجعل مطالع منازل القمر ومساقطها مواقيت حلول ديونها وغيرها ، فتقول إذا طلع النجم : حل عليك مالي أي الثريا ، وكذلك باقي المنازل ، فلما جاء الإسلام جعل الله تعالى الأهلة مواقيت لما يحتاجون إليه من معرفة أوقات الحج والصوم ومحل الديون ، وسموها نجوما اعتبارا بالرسم القديم الذي عرفوه واحتذاء حذو ما ألفوه وكتبوا في ذكور حقوقهم على الناس مؤجلة . وقوله - عز وجل - : فلا أقسم بمواقع النجوم ; عنى نجوم القرآن لأن القرآن أنزل إلى سماء الدنيا جملة واحدة ، ثم أنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - آية آية ، وكان بين أول ما نزل منه وآخره عشرون سنة . ونجم عليه الدية : قطعها عليه نجما نجما ; عن ابن الأعرابي ، وأنشد :


                                                          ولا حمالات امرئ منجم

                                                          ويقال : جعلت مالي على فلان نجوما منجمة يؤدي كل نجم في شهر كذا ، وقد جعل فلان ماله على فلان نجوما معدودة يؤدي عند انقضاء كل شهر منها نجما ، وقد نجمها عليه تنجيما . ونظر في النجوم : فكر في أمر ينظر كيف يدبره . وقوله - عز وجل - مخبرا عن إبراهيم - عليه السلام - : فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم ، قيل : معناه فيما نجم له من الرأي . وقال أبو العباس أحمد بن يحيى : النجوم جمع نجم ، وهو ما نجم من كلامهم لما سألوه أن يخرج معهم إلى عيدهم ، ونظر هاهنا : تفكر ليدبر حجة فقال : إني سقيم ، أي من كفركم . وقال أبو إسحاق : إنه قال لقومه - وقد رأى نجما - إني سقيم ، أوهمهم أن به طاعونا ، فتولوا عنه مدبرين فرارا من عدوى الطاعون . قال الليث : يقال للإنسان إذ تفكر في أمر لينظر كيف يدبره : نظر في النجوم ، قال : وهكذا جاء عن الحسن في تفسير هذه الآية أي تفكر ما الذي يصرفهم عنه إذا كلفوه الخروج معهم . والمنجم : الكعب والعرقوب وكل ما نتأ . والمنجم أيضا : الذي يدق به الوتد . ويقال : ما نجم لهم منجم مما يطلبون أي مخرج . وليس لهذا الأمر نجم أي أصل ، وليس لهذا الحديث نجم أي ليس له أصل . والمنجم : الطريق الواضح ، قال البعيث :


                                                          لها في أقاصي الأرض شأو ومنجم

                                                          وقول ابن لجإ :

                                                          فصبحت ، والشمس لما تنعم أن تبلغ الجدة فوق المنجم قال : معناه لم ترد أن تبلغ الجدة ، وهي جدة الصبح طريقته الحمراء . [ ص: 204 ] والمنجم : منجم النهار حين ينجم . ونجم الخارجي ، ونجمت ناجمة بموضع كذا أي نبعت . وفلان منجم الباطل والضلالة أي معدنه . والمنجمان والمنجمان : عظمان شاخصان في بواطن الكعبين يقبل أحدهما على الآخر إذا صفت القدمان . ومنجما الرجل : كعباها . والمنجم ، بكسر الميم ، من الميزان : الحديدة المعترضة التي فيها اللسان . وأنجم المطر : أقلع ، وأنجمت عنه الحمى كذلك ، وكذلك أفصم وأفصى . وأنجمت السماء : أقشعت ، وأنجم البرد ، وقال :

                                                          أنجمت قرة السماء ، وكانت قد أقامت بكلبة وقطار وضربه فما أنجم عنه حتى قتله أي ما أقلع ، وقيل : كل ما أقلع فقد أنجم . والنجام : موضع ، قال معقل بن خويلد :


                                                          نزيعا محلبا من أهل لفت     لحي بين أثلة والنجام

                                                          .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية