الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو أن رجلا أم قوما في المسجد والمسجد ملآن وصف خارج من المسجد متصل بهم يصلون فأحدث وأخذ بيد رجل ممن هو خارج المسجد فقدمه فصلاتهم جميعا فاسدة وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى فأما على قول محمد وزفر رحمهما الله تعالى فصلاتهم تامة قال ; لأن الصفوف متصلة وبحكم اتصال الصفوف تصير الأمكنة المختلفة كمكان واحد .

ألا ترى أنهم إذا كانوا يصلون في الصحراء فاستخلف الإمام من آخر الصفوف قبل أن يجاوزها صح الاستخلاف ولم تفسد صلاتهم بتأخير الاستخلاف إلى آخر الصفوف فكذلك إذا كان الإمام في المسجد والدليل عليه أن القوم الذين هم خارج المسجد صح اقتداؤهم بالإمام ، وإنما صح اقتداؤهم به ; لأن الموضع الذين هم فيه بمنزلة المسجد في حكم الصلاة فكذلك في حكم الاستخلاف ، وهذا ; لأن الاستخلاف إنما يكون لإصلاح صلاة القوم وحاجة الذين هم خارج المسجد إلى ذلك كحاجة الذين هم في المسجد ألا ترى أنه قبل أن يخرج من المسجد لو أشار إلى بعض من كان خارج المسجد حتى دخل فتقدم كان استخلافه صحيحا [ ص: 117 ] فكذلك إذا خرج إليه فقدمه قبل أن يجاوز الصفوف فقلنا بأن استخلافه يكون صحيحا ، وجه قولهما أن الإمام خرج من المسجد قبل الاستخلاف ، وذلك مفسد لصلاة القوم كما لو لم تكن الصفوف متصلة خارج المسجد .

وتحقيق هذا الكلام أن القياس أن تفسد صلاته بترك الاستخلاف من أول الصفوف ، وإن كان في المسجد لخلو موضع الإمامة وهو المحراب عن الإمام ولكن تركنا هذا القياس ما دام الإمام في المسجد ; لأن جميع المسجد في حكم مكان واحد ; ولهذا صح اقتداء من وقف في آخر المسجد بالإمام ، وإن لم تكن الصفوف متصلة بينه وبين الإمام ، وهذا المعنى لا يوجد خارج المسجد ; لأن ذلك لم يجعل في حكم المسجد فأخذنا فيه بالقياس وإنما جعلنا ذلك في حكم صحة الاقتداء بمنزلة المسجد لأجل الضرورة ألا ترى أنه في غير موضع الضرورة وهو ما إذا لم يكن المسجد ملآنا لا يجعل كذلك حتى لا يصح اقتداؤهم بالإمام فكذلك في حكم الاستخلاف لا ضرورة ; لأنه يتمكن من الاستخلاف في المسجد ، وهذا بخلاف ما إذا كانوا يصلون في الصحراء ; لأن تلك الأمكنة قبل افتتاح الصلاة فيها لم تكن في حكم مكان واحد ، وإنما صارت كذلك باتصال الصفوف فالمواضع التي فيها الصفوف متصلة تكون بمنزلة المسجد ، وههنا المسجد في حكم مكان واحد بدون اتصال الصفوف . ألا ترى أن الإمام لو جاوز الصفوف قبل أن يستخلف وهو في المسجد بعد ثم استخلف كان استخلافه صحيحا فلما كان فيما يرجع إلى تصحيح صلاتهم يعتبر المسجد ههنا ولا يعتبر اتصال الصفوف فكذلك فيما يرجع إلى فساد صلاتهم

التالي السابق


الخدمات العلمية