الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب القسامة هي لغة بمعنى القسم وهو اليمين مطلقا وشرعا : اليمين بالله تعالى [ ص: 626 ] بسبب مخصوص وعدد مخصوص على شخص مخصوص على وجه مخصوص وسيأتي بيانه .

( ميت ) حر ولو ذميا أو مجنونا شرنبلالية ( به جرح أو أثر ضرب أو خنق أو خروج دم من أذنه أو عينه وجد في محلة أو ) وجد ( بدنه أو أكثره ) من أي جانب كان ( أو نصفه ثم مع رأسه ) والنص وإن ورد في البدن لكن للأكثر حكم الكل حتى لو وجد أقل من نصفه ولو مع رأسه لا يؤدي لتكرار القسامة في قتيل واحد وهو غير مشروع ( ولم يعلم قاتله ) إذ لو علم كان هو الخصم وسقط القسامة ( وادعى وليه القتل على أهلها ) أي المحلة كلهم ( أو ) ادعى على ( بعضهم [ ص: 627 ] حلف خمسون رجلا منهم يختارهم الولي بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا ) بأن يحلف كل منهم بالله ما قتلت ولا علمت له قاتلا ( لا يحلف الولي ) وقال الشافعي : إن كان ثمة لوث استحلف الأولياء خمسين يمينا أن أهل المحلة قتلوه ثم يقضى بالدية على المدعى عليه وقضى مالك بالقود لو الدعوى بالعمد ( ثم قضى على أهلها بالدية ) لا مطلقا بل ( إن وقعت الدعوى بقتل عمد وإن ) وقعت الدعوى ( بخطأ فعلى ) أي فيقضى بالدية على ( عواقلهم ) كما في شرح المجمع معزيا للذخيرة والخانية .

ونقل ابن الكمال عن المبسوط أن في ظاهر الرواية القسامة على أهل المحلة والدية على عواقلهم

[ ص: 628 ] أي في ثلاث سنين وكذا قيمة القن تؤخذ في ثلاث سنين شرنبلالية ( وإن لم يتم العدد كرر الحلف عليهم ليتم خمسين يمينا وإن تم ) العدد ( وأراد الولي تكراره لا ، ومن نكل منهم حبس حتى يحلف على الوجه المذكور هنا ) هذا في دعوى القتل العمد أما في الخطأ فيقضى بالدية على عاقلتهم ولا يحبسون ابن كمال معزيا للخانية .

التالي السابق


باب القسامة

لما كان أمر القتيل في بعض الأحوال يئول إلى القسامة ، ذكرها في آخر الديات في باب على حدة عناية ( قوله وهي لغة بمعنى القسم ) قال العلامة نوح : اختلف أهل اللغة في القسامة قال بعضهم : إنها مصدر واختاره ابن الأثير في نهايته حيث قال : القسامة بفتح اليمين كالقسم ، ثم قال : وقد أقسم قسما وقسامة إذا حلف ، وقال بعضهم : إنها اسم مصدر واختاره المطرزي في المغرب ، حيث قال : القسم اليمين يقال أقسم بالله إقساما ، وقولهم حكم القاضي بالقسامة اسم منه وضع موضع الأقسام ، واختار العيني في شرح الكنز الأول ، واختار منلا مسكين الثاني ا هـ ط [ ص: 626 ] قوله بسبب مخصوص ) وهو وجود القتيل في المحلة أو ما في معناها مما هو ملك لأحد أو في يد أحد ( قوله وعدد مخصوص ) وهو خمسون يمينا ( قوله على شخص مخصوص ) أي مخصوص النوع وهو الرجل الحر البالغ العاقل أو المالك المكلف ولو امرأة ، الحر ولو يدا كمكاتب إذا وجد القتيل في محل مملوك له ، وهذا إشارة إلى بعض الشروط ( قوله على وجه مخصوص ) إشارة إلى ما في الشروط منها كون العدد خمسين وتكرار اليمين إن لم يتم العدد وقولهم فيها بالله ما قلناه ، ولا علمنا له قاتلا وكونها بعد الدعوى والإنكار بعد طلبها إذ لا تجب اليمين بدون ذلك ، وكون الميت من بني آدم ووجود أثر القتل فيه وأن لا يعلم قاتله ، فقد تضمن ما ذكره بيان معنى القسامة وسببها وشرطها

قال في المنح : وركنها إجراء اليمين المذكورة على لسانه ، وحكمها : القضاء بوجوب الدية إن حلفوا والحبس إلى الحلف إن أبوا إن ادعى الولي العمد وبالدية عند النكول ، إن ادعى خطأ ومحاسها خطر الدماء وصيانتها عن الإهدار وخلاص المتهم بالقتل عن القصاص ، ودليل شرعيتها الأحاديث الواردة في الباب المذكورة في الهداية وشروحها ( قوله ميت ) أي ولو حكما بأن وجد جريحا في محلة ، فنقل منها ذا فراش ، حتى مات من الجراحة فإن القسامة والدية على أهلها كما سيأتي متنا ( قوله حر ) أما العبد ففيه القسامة والقيمة إذا وجد في غير ملك سيده ، وكذا المدبر وأم الولد والمكاتب والمأذون المديون ، ولو في ملكه فهدر إلا في المكاتب والمأذون المديون ففيهما القيمة على المولى ، لا على عاقلته حالة للغرماء في المأذون ، وفي ثلاث سنين في المكاتب كما في الشرنبلالي عن البدائع ، وسيأتي في الفروع آخر الباب ( قوله ولو ذميا أو مجنونا ) دخل فيه الذكر والأنثى والكبير والصغير ، وخرج البهائم ، فلا شيء فيها كما سياتي ( قوله به جرح إلخ ) سيأتي محترزا متنا ( قوله في محلة ) بالفتح المكان الذي ينزله القوم ط عن المصباح .

( قوله أو نصفه مع رأسه ) ولو مشقوقا بالطول منح أي ومعه الرأس ، وأما إذا شق طولا بدونه أو شق الرأس معه ، فلا قسامة وهو الذي ذكره المصنف بعد في متنه ط ( قوله حتى لو وجد إلخ ) والأصل أن الموجود إن كان بحال لو وجد الباقي تجري فيه القسامة لا تجب في الموجود ، وإن كان بحال لو وجد الباقي لا تجب فيه القسامة تجب ، وصلاة الجنازة في هذا الباب تنسحب على هذا الأصل هداية ( قوله لئلا يؤدي لتكرار القسامة إلخ ) أي والدية بأن وجد الأقل من بدنه مع رأسه في محل ، والباقي في محل آخر فإنه إذا وجبت القسامة ، والدية في الأقل لزم وجوبهما في الأكثر أيضا ( قوله إذ لو علم ) أي بالبينة أو الإقرار قهستاني أي إقرار القاتل ، ولا بد أن تكون البينة من غير أهل المحلة كما سيأتي متنا ويأتي تمام الكلام عليه ( قوله وادعى وليه إلخ ) أشار إلى أن من شروطها الدعوى من أولياء القتيل ، إذ اليمين لا تجب بدونها كما في الطوري ، وقدمناه وانظر ما الحكم إذا لم يكن له ولي هل يدعيها الإمام أم لا ، ثم رأيت منقولا عن شرح الحموي أنه توقف في التخير الآتي ، حيث الأولى هل يتخير الإمام الخمسين أم لا وقال فليرجع .

( قوله أو ادعى على بعضهم ) ولو معينا ما لو ادعى [ ص: 627 ] على واحد من غيرهم ، فإنها تسقط عنهم كما يأتي متنا ( قوله حلف خمسون رجلا منهم إلخ ) خرج الصبي والمرأة والعبد كما مر ، ويأتي وهذا إن طلب الولي التحليف كما قدمناه فله تركه وبه صرح الرملي ، وإذا تركه فهل يقضى له بالدية أم لا ، لأنه لو حلفهم أمكن ظهور القاتل لم أره فليراجع وقال الزيلعي : وقوله يختارهم الولي ، نص على أن الخيار للمولى لأن اليمين حقه ، والظاهر أنه يختار من يتهمه بالقتل ، أو أهل الخبرة بذلك أو صالحي أهل المحلة لما أن تحرزهم عن اليمين الكاذبة أبلغ فيظهر القاتل ، ولو اختار أعمى أو محدودا في قذف جاز لأنها يمين وليست بشهادة ا هـ ( قوله بأن يحلف إلخ ) فهو من قبيل تقابل الجمع بالجمع قهستاني ، فيحلف كل واحد على نفي قتله ، ونفي علمه لاحتمال أنه قتله وحده ، فيتجرأ على يمينه بالله ما قتلناه يعني جميعا ، ولا يعكس لأنه إذا قتله مع غيره كان قاتلا وفائدة قوله : ولا علمنا له قاتلا مع أن شهادة أهل المحلة بالقتل على واحد منهم ، أو على غيرهم مردودة أن يقر الحالف على عبده فيقبل إقراره أو يقر على غيره من غير أهل المحلة فيصدقه ولي المقتول ، فيسقط الحكم عن أهل المحلة منح ملخصا وسيأتي أنه لو كان أحدهم قال : قتله زيد يقول في حلفه ولا علمت له قاتلا غير زيد .

( قوله وقال الشافعي إلخ ) اللوث أن يكون علامة القتل على واحد بعينه أو ظاهر يشهد للمدعي من عداوة ظاهرة أو يشهد عدل أو جماعة غير عدول أن أهل المحلة قتلوه .

وحاصل مذهبه : أنه إن وجد ظاهر يشهد للمدعي فإن حلف أنهم قتلوه خطأ فله الدية عليهم ، أو عمدا فالقصاص في قول ، والدية في قول ، فإن نكل عن اليمين حلفوا ، فإن حلفوا لا شيء عليهم ; وإلا فعليهم القصاص في قول والدية في قول ، وإن لم يكن الظاهر شاهدا للمدعي ، حلف أهل المحلة على ما قلنا ، فحيث لا لوث فقوله كقولنا والاختلاف في موضعين : أحدهما : أن المدعي لا يحلف عندنا ، وعنده يحلف ، والثاني : براءة أهل المحلة في اليمين ا هـ من الكفاية وغيرها وبيان الأدلة في المطولات واللوث بفتح اللام ، وسكون الواو والثاء المثلثة كما ضبطه ابن الملقن في لغات المنهاج ( قوله وقضى مالك بالقود ) أي على واحد يختاره المدعي للقتل من بين المدعى عليهم غرر الأفكار ( قوله كما في شرح المجمع ) وكذا في غرر الأفكار الشرنبلالية عن البرهان معزيا للذخيرة والخانية أيضا ( قوله ونقل ابن الكمال إلخ ) استدراك على ما تقدم ، فإن ابن الكمال لم يفصل بين العمد والخطأ بل قال ثم قضي على أهلها بديته وتتحملها العاقلة ، لأنه ذكر في المبسوط إلخ ، ثم فرق ابن الكمال بين العمد والخطأ في المسألة الآتية كما سيذكره الشارح عنه ، فدل على أنه أراد الإطلاق هنا ، وكذا أطلق شراح الهداية وجوبها على العاقلة .

وقال في النهاية وغيرها : وفي المبسوط ثم يقضى بالدية على عاقلة أهل المحلة في ثلاث سنين ، لأن حالهم هنا دون حال من باشر القتل خطأ وإذا كانت الدية هناك على عاقلته في ثلاث سنين ، فهاهنا أولى ، وفي ظاهر الرواية القسامة على أهل المحلة والدية على عواقلهم وعلى قول زفر كلاهما على العاقلة ا هـ ملخصا [ ص: 628 ]

قلت : ووجه الأولوية أن الموجود هنا مجرد دعوى إذ لم يثبت أن أهل المحلة قتلوه ; فهو أدنى حالا من حال من باشر القتل الخطأ عيانا فتتحمله العاقلة بالأولى ، وإن كانت الدعوى بقتل العمد لما قلنا من عدم الثبوت ; فلا ينافي أن العواقل لا تعقل العمد هذا ما ظهر لفهمي القاصر ، هذا وعبارات المتون مطلقة في أن القسامة والدية على أهل المحلة ; فلا بد من تخصيصها بدعوى العمد كما فعل المصنف أو تقدير مضاف : أي على عاقلتهم كما فعل شراح الهداية ، ولا يخفى أن القاتل كواحد من العاقلة ، فيتحمل معهم كما سيأتي في محله ، فكذا هنا ولذا قال في البزازية عن شيخ الإسلام أن القسامة عليهم والدية على عاقلتهم وعليهم ، لأن أهل المحلة قتلوا حكما فيكون كما لو قتلوا حقيقة ( قوله أي في ثلاث سنين ) أتى بلفظ أي لأن ابن كمال لم يذكره ، لكنه مذكور في المبسوط ( قوله وكذا قيمة القن ) أي إذا وجد في غير ملك سيده كما قدمناه ويأتي ( قوله وإن أراد الولي تكراره ) أي على بعضهم كأن اختار الصلحاء منهم مثلا ولا يتمون خمسين لا يكرر عليهم ، بل يختار تمام الخمسين من الباقين أفاده الأتقاني ( قوله حتى يحلف ) أي أو يقر فيلزمه ما أقر به ، وإنما لم يحكم بمجرد النكول ، لأن اليمين هنا نفس الحق تعظيما لأمر الدم لا بدلا عن الدية ، ولذا يجمع بينهما بخلاف اليمين في دعوى المال لأنها بدل عنه ولذا تسقط بالأداء أتقاني ملخصا . وهذا إذا لم يدع على معين من غير أهل المحلة وإلا فسيأتي حكمه ( قوله على الوجه المذكور هنا ) وهو بالله ما قتله إلخ ( قوله هذا ) أي الحبس بالنكول ( قوله أما في الخطأ إلخ ) أي لأن موجبه المال ، فيقضى به عند النكول ، وهذا مخالف لمقتضى التعليل الذي ذكرناه قريبا تأمل ( قوله معزيا للخانية ) أقول : هذا مذكور في الذخيرة ، وذكر عبارتها في المنح وعزاه القهستاني إلى المجتبى والكرماني وغيرهما ، وأما الذي رأيته في الخانية فهو قوله : فإن امتنعوا عن اليمين حبسوا حتى يحلفوا ا هـ ولم يفرق بين العمد والخطأ وهو ظاهر المتون




الخدمات العلمية