الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فلما تأكد أمر البعث غاية التأكد ، ولم يبق فيه لذي لب وقفة ، صرح بما اقتضاه الحال من أمر هذه الدار ، فقال منبها على خساستها معجبا منهم في قوة رغبتهم في إيثار لذاذتها ، معلما بأنه قد كشف الحال عن أن ما ركنوا إليه خيال ، وما كذبوا به حقيقة ثابتة ليس لها زوال ، عكس ما كانوا يقولون : وما الحياة الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان السياق للخسارة ، وكانت أكثر ما تكون من اللعب - وهو فعل ما يزيد سرور النفس على وجه غير مشروع ، ويسرع انقضاؤه - [ ص: 93 ] - قدمه فقال : إلا لعب ولهو [أي] للأشقياء ، وللحياة الدنيا شر للذين يلعبون ، واللهو ما من شأنه أن يعجب النفس كالغناء والزينة من المال والنساء على وجه لم يؤذن فيه ، فيكون سببا للغفلة عما ينفع ، [فتأخيره إشارة إلى أن الجهلة كلما فتروا في اللعب وهو اشتغال بالأمور السافلة والشواغل الباطلة بعلو النفوس - أثاروا الشهوات بالملاهي] ، والمعنى أنه تحقق من هذه الآيات زوال الدنيا ، فتحققت سرعته ؛ لأن كل آت قريب ، فحينئذ ما هي إلا ساعة لعب ، يندم الإنسان على ما فرط فيها ، كما يندم اللاعب - إن كان له عقل - على تفويت الأرباح إذا رأى ما حصل أولو الجد وأرباب العزائم .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير بما أرشد إليه المعنى : وما الدار الآخرة إلا جد وحضور وبقاء للأتقياء - أتبعه قوله مؤكدا : وللدار الآخرة خير ولما كان الكل مآلهم إلى الآخرة - خصص فقال : للذين يتقون أي : يوجدون التقوى ، وهي الخوف من الله الذي يحمل على فعل الطاعات وترك المعاصي ، ليكون ذلك وقاية لهم من غضب الله ، فذكر حال الدنيا وحذف نتيجتها لأهلها لدلالة ثمرة الآخرة عليه وحذف ذكر حال الآخرة لدلالة ذكر حال الدنيا عليه ، فهو احتباك ; ولما كان من شأن العقلاء الإقبال على الخير وترك غيره ، تسبب عن [ ص: 94 ] إقبالهم على الفاني وتركهم الباقي قوله منكرا : أفلا تعقلون

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية