الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : وكذلك تترك العرب اللحكاء والعظاء والخنافس ، فكانت داخلة في معنى الخبائث وخارجة من معنى الطيبات فوافقت السنة فيما أحلوا وحرموا مع الكتاب ما وصفت ، فانظر ما ليس فيه نص تحريم ولا تحليل ، فإن كانت العرب تأكله فهو داخل في جملة الحلال والطيبات عندهم : لأنهم كانوا يحللون ما يستطيبون وما لم يكونوا يأكلونه باستقذاره ، فهو داخل في معنى الخبائث ، ولا بأس بأكل الضب ، وضع بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعافه ، فقيل : أحرام هو يا رسول الله ؟ قال : لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأكل منه بين يديه وهو ينظر إليه ، ولو كان حراما ما تركه وأكله .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، حشرات الأرض وهوامها حرام ، فالهوام ما كان مؤذيا كالحيات والعقارب ، وحشراتها ما ليس بمؤذ ، كالخنافس ، والجعلان ، والديدان والنمل ، والوزغ والعظاء ، واللحكاء وهي دويبة كالسمكة تسكن في الرمال إذا أحست بالإنسان غاصت فيه ، وهي صقيلة الجلدة ، والعرب تشبه أنامل المرأة بها ، والوزع وهو كالسمكة خشنة الجلد ، ويعرض مقدمها ، ويدق مؤخرها ، فهذا كله غير مأكول .

                                                                                                                                            [ ص: 147 ] وأباح مالك أكل جميعه ، وكره الحية ، ولم يحرمها ، وكذلك الفأرة والغراب ، وفيما قدمناه من الدليل معه على هذا الأصل مقنع ، وسواء في تحريم الديدان ما تولد في الطعام أو في الأرض ، ومن الفقهاء من أباح أكل ما تولد في الطعام ، وحرم أكل ما تولد في الأرض ، وكلاهما مستخبث ، فاستويا .

                                                                                                                                            وهكذا الذباب والزنابير ، وسواء كان من زنابير العسل وغيرها .

                                                                                                                                            فإن قيل : فإذا كان عسلها مأكولا ، فهلا كان أكلها حلالا ؟

                                                                                                                                            قيل : هي مستخبثة ومؤذية ، وليس يمتنع أن يحرم أكلها ، وإن حل عسلها كألبان النساء في إباحة شربه مع تحريم لحومهن : فأما ما يحل أكله ، فيكثر تعداده ، وهو ما يمنع الحرم والإحرام من قتله وفيه إذا أصابه المحرم الجزاء إلا يسمع .

                                                                                                                                            وما تولد من بين مأكول وغير مأكول ، فإنه لا يؤكل ، ويجب فيه الجزاء ، تغليبا للحظر في الأمرين .

                                                                                                                                            وقال أبو العباس بن القاص : لا جزاء فيه ، لأنه غير مأكول ، ووهم فيه ، لأن تغليب الحظر موجبه ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية