الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر مقتل شوذب الخارجي

قد ذكرنا خروجه ومراسلته عمر بن عبد العزيز لمناظرته ، فلما مات عمر أحب عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، وهو الأمير على الكوفة ، أن يحظى عند يزيد بن عبد الملك ، فكتب إلى محمد بن جرير يأمره بمناجزة شوذب ، واسمه بسطام ، ولم يرجع رسولا شوذب ، ولم يعلم بموت عمر .

فلما رأوا محمدا يستعد للحرب ، أرسل إليه شوذب : ما أعجلكم قبل انقضاء المدة ! أليس قد تواعدنا إلى أن يرجع الرسولان ؟ فأرسل محمد : إنه لا يسعنا ترككم على هذه الحال ، فقالت الخوارج : ما فعل هؤلاء هذا إلا وقد مات الرجل الصالح .

فاقتتلوا فأصيب من الخوارج نفر ، وقتل الكثير من أهل الكوفة وانهزموا ، وجرح محمد بن جرير في استه ، فدخل الكوفة ، وتبعهم الخوارج حتى بلغوا الكوفة ثم رجعوا إلى مكانهم .

وأقام شوذب ينتظر صاحبيه ، فقدما عليه وأخبراه بموت عمر ، ووجه يزيد من عند تميم بن الحباب في ألفين قد أرسلهم ، وأخبرهم أن يزيد لا يفارقهم على ما فارقهم عليه عمر ، فلعنوه ولعنوا يزيد معه وحاربوه ، فقتلوه وقتلوا أصحابه ، ولجأ [ ص: 122 ] بعضهم إلى الكوفة ، وبعضهم إلى يزيد . فأرسل إليهم يزيد نجدة بن الحكم الأزدي في جمع ، فقتلوه وهزموا أصحابه ، فوجه إليهم يزيد الشحاج بن وداع في ألفين ، فقتلوه وهزموا أصحابه ، وقتل منهم نفر ، منهم هدبة ابن عم شوذب . فقال أيوب بن خولي يرثيهم :


تركنا تميما في الغبار ملحبا تبكي عليه عرسه وقرائبه     وقد أسلمت قيس تميما ومالكا
كما أسلم الشحاج أمس أقاربه     وأقبل من حران يحمل راية
يغالب أمر الله والله غالبه     فيا هدب للهيجا ، ويا هدب للندى
ويا هدب للخصم الألد يحاربه     ويا هدب كم من ملجم قد أجبته
وقد أسلمته للرياح جوالبه     وكان أبو شيبان خير مقاتل
يرجى ويخشى حربه من يحاربه     ففاز ولاقى الله في الخير كله
وخذمه بالسيف في الله ضاربه     تزود من دنياه درعا ومغفرا
وعضبا حساما لم تخنه مضاربه     وأجرد محبوك السراة كأنه
إذا انقض وافي الريش حجن مخالبه

وأقام الخوارج بمكانهم حتى دخل مسلمة بن عبد الملك الكوفة ، فشكا إليه أهل الكوفة ، مكان شوذب وخوفوه منه ، فأرسل إليه مسلمة سعيد بن عمرو الحرشي ، وكان فارسا ، في عشرة آلاف ، فأتاه وهو بمكانه ، فرأى شوذب وأصحابه ما لا قبل لهم به ، فقال لأصحابه : من كان يريد الشهادة فقد جاءته ، ومن كان يريد الدنيا فقد ذهبت . فكسروا أغماد السيوف وحملوا فكشفوا سعيدا وأصحابه مرارا ، حتى خاف سعيد الفضيحة ، [ ص: 123 ] فوبخ أصحابه وقال : من هذه الشرذمة - لا أب لكم - تفرون ! يا أهل الشام يوما كأيامكم ! فحملوا عليهم فطحنوهم طحنا ، وقتلوا بسطاما ، وهو شوذب ، وأصحابه .

التالي السابق


الخدمات العلمية