الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر عن محمد بن عبد الله بن زيد أنه أخبره عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          398 398 - ( مالك عن نعيم ) بضم النون ( ابن عبد الله ) المدني مولى آل عمر ( المجمر ) بضم الميم الأولى وكسر الثانية بينهما جيم ساكنة ، صفة له ولأبيه كما تقدم ثقة من أواسط التابعين ( عن محمد بن عبد الله بن زيد ) بن عبد ربه الأنصاري المدني التابعي ، وأبوه صحابي في رواية مسلم وهو الذي كان أري الأذان ( أنه أخبره عن أبي مسلم ) عقبة بن عمرو بن ثعلبة [ ص: 572 ] الأنصاري البدري صحابي جليل مات قبل الأربعين وقيل بعدها ( أنه قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة ) سيد الخزرج قال الباجي : فيه أن الإمام يخص رؤساء الناس بزيارتهم في مجالسهم تأنيسا لهم ( فقال له بشير ) بفتح الموحدة وكسر المعجمة ( ابن سعد ) بسكون العين ابن ثعلبة الأنصاري الخزرجي صحابي جليل بدري ، والد النعمان استشهد بعين التمر ( أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله ) بقوله ( يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه ) ( سورة الأحزاب : الآية 56 ) ( فكيف نصلي عليك ؟ ) أي فعلمنا كيف اللفظ اللائق بالصلاة عليك ؟ زاد الدارقطني وابن حبان والحاكم والبيهقي : إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا ( قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) يحتمل أن يكون سكوته حياء وتواضعا إذ في ذلك الرفعة له فأحب أن لو قالوا هم ذلك ، ويحتمل أن ينتظر ما يأمره الله به من الكلام الذي ذكره لأنه أكثر مما في القرآن قاله البوني ( حتى تمنينا ) وددنا ( أنه لم يسأله ) مخافة أن يكون كرهه وشق عليه .

                                                                                                          ( ثم قال : قولوا : ) الأمر للوجوب اتفاقا فقيل : في العمر مرة واحدة ، وقيل : في كل تشهد يعقبه سلام ، وقيل : كلما ذكر ( اللهم صل على محمد ) قال الحازمي : أي عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته ، وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته وأيد فضيلته بالمقام المحمود ، ولما كان البشر عاجزا عن أن يبلغ قدر الواجب له من ذلك شرع لنا أن نحيل أمر ذلك على الله تعالى نقول : اللهم صل على محمد أي لأنك أنت العالم بما يليق به من ذلك ( وعلى آل محمد ) أتباعه قاله مالك لقوله : ( أدخلوا آل فرعون ) ( سورة غافر : الآية 46 ) أو ذريته .

                                                                                                          الباجي : الأظهر عندي أنهم الأتباع من الرهط والعشيرة .

                                                                                                          ابن عبد البر : لفظ آل محتمل ، وقيل : يفسر بقوله في الحديث قبله ( أزواجه وذريته ) فما أجمله مرة فسره أخرى ( كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم ) وفي رواية بدون لفظ آل في الموضعين فقيل : هي مقحمة في الحديث الأول فيهما ، ورده الحافظ بأن ذكر محمد وإبراهيم وذكر آل محمد وآل إبراهيم ثابتة في أصل الخبر ، وإنما حفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر ( في العالمين إنك حميد مجيد ) محمود ماجد وصرفا لبناء المبالغة ، قال الطيبي : هذا تذييل للكلام السابق وتقرير له على سبيل العموم ، أي إنك حميد فاعل ما تستوجب به الحمد من النعم المتكاثرة والآلاء [ ص: 573 ] المتعاقبة المتوالية مجيد كريم كثير الإحسان إلى جميع عبادك الصالحين ، ومن محامدك وإحسانك أن توجه صلواتك وبركاتك على حبيبك نبي الرحمة وآله ( والسلام كما قد علمتم ) في التشهد وهو : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، روي بفتح العين وكسر اللام مخففة وبضم العين وشد اللام أي علمتموه من العلم والتعليم ، قال البرقي : والأولى أصح ، وقال النووي : كلاهما صحيح ، ولم يقل : كما صليت على موسى لأنه كان التجلي له بالجلال ( وخر موسى صعقا ) ( سورة الأعراف : الآية 143 ) والخليل كان التجلي له بالجمال ، لأن المحبة والخلة من آثار التجلي بالجمال فأمرهم أن يسألوا له التجلي بالجمال ، وهذا لا يقتضي التسوية بينه وبين الخليل ، لأنه إنما أمرهم أن يسألوا له التجلي بالوصف الذي تجلى به للخليل ، فالذي تقتضيه المشاركة في الوصف لا التسوية بين المقامين ، فالحق سبحانه وتعالى يتجلى له بالجمال لشخصين بحسب مقاميهما وإن اشتركا في وصف التجلي فتجلى للخليل بحسب مقامه ، وللمصطفى صلى الله عليه وسلم بحسب مقامه ، أفاده العارف المرجاني ، وهذا الحديث رواه مسلم عن يحيى ، والنسائي من طريق أبي القاسم كلاهما عن مالك به .

                                                                                                          قال ابن عبد البر : رويت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من طرق متواترة بألفاظ متقاربة ، وليس في شيء منها وارحم محمدا فلا أحب لأحد أن يقوله لأن الصلاة إن كانت من الله الرحمة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد خص بهذا اللفظ وذلك والله أعلم لقوله تعالى : ( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ) ( سورة النور : الآية 63 ) ولذا أنكر العلماء على يحيى ومن تابعه في الرواية .




                                                                                                          الخدمات العلمية