الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      عاصم بن أبي النجود ( 4 ، خ ، م مقرونا )

                                                                                      الإمام الكبير مقرئ العصر ، أبو بكر الأسدي مولاهم الكوفي واسم أبيه بهدلة ، وقيل : بهدلة أمه ، وليس بشيء ، بل هو أبوه ، مولده في إمرة معاوية بن أبي سفيان . وقرأ القرآن على أبي عبد الرحمن السلمي ، وزر بن حبيش الأسدي ، وحدث عنهما ، وعن أبي وائل ، ومصعب بن سعد ، وطائفة من كبار التابعين ، وروى فيما قيل عن الحارث بن حسان البكري ، ورفاعة بن يثربي التميمي أو التيمي ، ولهما صحبة . وهو معدود في صغار التابعين .

                                                                                      حدث عنه عطاء بن أبي رباح ، وأبو صالح السمان ، وهما من شيوخه ، وسليمان التيمي ، وأبو عمرو بن العلاء ، وشعبة ، والثوري ، وحماد بن سلمة ، وشيبان النحوي ، وأبان بن يزيد ، وأبو عوانة ، وأبو بكر بن عياش ، وسفيان بن عيينة وعدد كثير . وتصدر للإقراء مدة بالكوفة ، فتلا عليه أبو بكر ، وحفص بن سليمان ، [ ص: 257 ] والمفضل بن محمد الضبي ، وسليمان الأعمش ، وأبو عمرو ، وحماد بن شعيب ، وأبان العطار ، والحسن بن صالح ، وحماد بن أبي زياد ، ونعيم بن ميسرة وآخرون . وانتهت إليه رئاسة الإقراء بعد أبي عبد الرحمن السلمي شيخه ، قال أبو بكر بن عياش : لما هلك أبو عبد الرحمن ، جلس عاصم يقرئ الناس ، وكان أحسن الناس صوتا بالقرآن ، حتى كأن في حنجرته جلاجل .

                                                                                      قال أبو خيثمة وغيره : اسم أبي النجود بهدلة ، وقال أبو حفص الفلاس : بهدلة أمه .

                                                                                      قال أبو عبيد : كان من قراء أهل الكوفة يحيى بن وثاب ، وعاصم بن أبي النجود ، وسليمان الأعمش ، وهم من موالي بني أسد .

                                                                                      ابن الأصبهاني ، ومحمد بن إسماعيل قالا : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن الحارث بن حسان ، قال : رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- على المنبر ، وبلال قائم متقلد سيفا أبو بكر بن عياش : سمعت أبا إسحاق ، يقول : ما رأيت أحدا أقرأ من عاصم .

                                                                                      يحيى بن آدم : حدثنا الحسن بن صالح ، قال : ما رأيت أحدا قط أفصح من عاصم بن أبي النجود ، إذا تكلم كاد يدخله خيلاء .

                                                                                      عفان : حدثنا حماد ، أنبأنا عاصم بن أبي النجود ، قال : ما قدمت على أبي وائل من سفر إلا قبل كفي .

                                                                                      قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سألت أبي عن عاصم بن بهدلة ، فقال : رجل صالح خير ثقة ، قلت : أي القراءات أحب إليك ؟ قال : قراءة أهل المدينة ، فإن لم يكن ، فقراءة عاصم . [ ص: 258 ]

                                                                                      أبو كريب : حدثنا أبو بكر ، قال لي عاصم : مرضت سنتين ، فلما قمت قرأت القرآن فما أخطأت حرفا .

                                                                                      منجاب بن الحارث ; حدثنا شريك ، قال : كان عاصم صاحب همز ومد وقراءة شديدة .

                                                                                      أبو بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق ، عن شمر بن عطية ، قال : قام فينا رجلان أحدهما أقرأ القرآن لقراءة زيد وهو عاصم ، والآخر أقرأ الناس لقراءة عبد الله وهو الأعمش .

                                                                                      قال أحمد العجلي : عاصم صاحب سنة وقراءة ، كان رأسا في القرآن قدم البصرة فأقرأهم ، قرأ عليه سلام أبو المنذر ، وكان عثمانيا . قرأ عليه الأعمش في حداثته ، ثم قرأ بعده على يحيى بن وثاب .

                                                                                      قال أبو بكر بن عياش : كان عاصم نحويا فصيحا إذا تكلم ، مشهور الكلام ، وكان هو والأعمش وأبو حصين الأسدي لا يبصرون . جاء رجل يوما يقود عاصما فوقع وقعة شديدة فما نهره ، ولا قال له شيئا .

                                                                                      حماد بن زيد ، عن عاصم ، قال : كنا نأتي أبا عبد الرحمن السلمي ، ونحن غلمة أيفاع .

                                                                                      قلت : هذا يوضح أنه قرأ القرآن على السلمي في صغره .

                                                                                      قال أبو بكر : قال عاصم : من لم يحسن من العربية إلا وجها واحدا لم يحسن شيئا ، ثم قال : ما أقرأني أحد حرفا إلا أبو عبد الرحمن ، وكان قد قرأ على علي -رضي الله عنه- وكنت أرجع من عنده فأعرض على زر بن حبيش ، وكان زر قد قرأ على ابن مسعود ، فقلت لعاصم : لقد استوثقت . رواها يحيى بن آدم عن أبي بكر ، ثم قال : ما أحصي ما سمعت أبا بكر يذكر هذا عن عاصم .

                                                                                      وروى جماعة عن عمرو بن الصباح ، عن حفص الغاضري ، عن [ ص: 259 ] عاصم ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي بالقراءة ، وذكر عاصم أنه لم يخالف أبا عبد الرحمن في شيء من قراءته ، وأن أبا عبد الرحمن لم يخالف عليا -رضي الله عنه- في شيء من قراءته . وروى أحمد بن يونس ، عن أبي بكر ، قال : كل قراءة عاصم قراءة أبي عبد الرحمن إلا حرفا .

                                                                                      أبو بكر عن عاصم ، قال : كان أبو عمرو الشيباني يقرئ الناس في المسجد الأعظم ، فقرأت عليه ، ثم سألته عن آية ، فاتهمني بهوى ، فكنت إذا دخلت المسجد يشير إلي ، ويحذر أصحابه مني . وروي عن حفص بن سليمان ، قال : قال لي عاصم : ما كان من القراءة التي قرأت بها على أبي عبد الرحمن ، فهي التي أقرأتك بها ، وما كان من القراءة التي أقرأت بها أبا بكر بن عياش ، فهي القراءة التي عرضتها على زر عن ابن مسعود .

                                                                                      قال سلمة بن عاصم : كان عاصم بن أبي النجود ذا أدب ونسك وفصاحة ، وصوت حسن .

                                                                                      يزداد بن أبي حماد : حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا أبو بكر ، قال : لم يكن عاصم يعد " الم " آية ، ولا " حم " آية ، ولا " كهيعص " آية ، ولا " طه " آية ولا نحوها .

                                                                                      زياد بن أيوب : حدثنا أبو بكر ، قال : كان عاصم إذا صلى ينتصب كأنه عود ، وكان يكون يوم الجمعة في المسجد إلى العصر ، وكان عابدا خيرا يصلي أبدا ، ربما أتى حاجة ، فإذا رأى مسجدا ، قال : مل بنا ، فإن حاجتنا لا تفوت ، ثم يدخل ، فيصلي .

                                                                                      حسين الجعفي ، عن صالح بن موسى ، قال : سمعت أبي سأل عاصم [ ص: 260 ] بن أبي النجود ، فقال : يا أبا بكر علام تضعون هذا من علي -رضي الله عنه- " خير هذه الأمة بعد نبيها ، أبو بكر وعمر . وعلمت مكان الثالث " ؟ فقال عاصم : ما نضعه إلا أنه عنى عثمان هو كان أفضل من أن يزكي نفسه .

                                                                                      قال أبو بكر بن عياش : دخلت على عاصم ، وهو في الموت فقرأ : ( ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ) بكسر الراء وهي لغة لهذيل .

                                                                                      أبو هشام الرفاعي : حدثنا يحيى ، حدثنا أبو بكر ، قال : دخلت على عاصم فأغمي عليه ، ثم أفاق ثم قرأ قوله تعالى : ( ثم ردوا إلى الله ) الآية فهمز فعلمت أن القراءة منه سجية .

                                                                                      قلت : كان عاصم ثبتا في القراءة ، صدوقا في الحديث ، وقد وثقه أبو زرعة وجماعة ، وقال أبو حاتم : محله الصدق ، وقال الدارقطني : في حفظه شيء يعني : للحديث لا للحروف ، وما زال في كل وقت يكون العالم إماما في فن مقصرا في فنون . وكذلك كان صاحبه حفص بن سليمان ثبتا في القراءة ، واهيا في الحديث ، وكان الأعمش بخلافه كان ثبتا في الحديث ، لينا في الحروف ، فإن للأعمش قراءة منقولة في كتاب " المنهج " وغيره لا ترتقي إلى رتبة القراءات السبع ، ولا إلى قراءة يعقوب وأبي جعفر . والله أعلم .

                                                                                      قال النسائي : عاصم ليس بحافظ .

                                                                                      توفي عاصم في آخر سنة سبع وعشرين ومائة وقال إسماعيل بن مجالد : توفي في سنة ثمان وعشرين ومائة ، قلت : حديثه في الكتب الستة ، لكن في " الصحيحين " متابعة ، وهذا الحديث أعلى ما وقع لي من حديث عاصم بيني وبينه سبعة أنفس . [ ص: 261 ] قرأت على إسحاق بن طارق ، أخبركم يوسف بن خليل ، أنبأنا خليل بن بدر ، وعلي بن قادشاه ( ح ) وأنبأني عن خليل وعلي أحمد بن سلامة أن أبا علي الحداد أخبرهما ، قال : أنبأنا أبو نعيم ، أنبأنا عبد الله بن فارس حدثنا محمد بن عاصم ، حدثنا سفيان بن عيينة ، قال عاصم ، عن زر ، قال : أتيت صفوان بن عسال فقال لي : ما جاء بك ؟ فقلت : ابتغاء العلم ، قال : فإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يطلب وذكر الحديث .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية