nindex.php?page=treesubj&link=33704فتح بيت المقدس على يدي
عمر بن الخطاب .
ذكره
أبو جعفر بن جرير في هذه السنة عن رواية
سيف بن عمر ، وملخص ما ذكره ، هو وغيره ، أن
أبا عبيدة لما فرغ من
دمشق ، كتب إلى أهل
إيلياء يدعوهم إلى الله وإلى الإسلام ، أو يبذلون الجزية أو يؤذنون بحرب . فأبوا أن يجيبوا إلى ما دعاهم إليه . فركب إليهم في جنوده ، واستخلف على
دمشق سعيد بن زيد ، ثم حاصر
بيت المقدس وضيق عليهم حتى أجابوا إلى الصلح بشرط أن يقدم إليهم أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب . فكتب إليه
أبو عبيدة بذلك فاستشار
عمر الناس في ذلك ، فأشار
عثمان بن عفان بأن لا يركب إليهم ; ليكون أحقر
[ ص: 656 ] لهم وأرغم لأنوفهم ، وأشار
علي بن أبي طالب بالمسير إليهم ; ليكون أخف وطأة على المسلمين في حصارهم بينهم ، فهوي ما قال
علي ولم يهو ما قال
عثمان . وسار بالجيوش نحوهم ، واستخلف على
المدينة علي بن أبي طالب ، وسار
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب على مقدمته ، فلما وصل إلى
الشام تلقاه
أبو عبيدة ورءوس الأمراء
nindex.php?page=showalam&ids=22كخالد بن الوليد ،
ويزيد بن أبي سفيان ، فترجل
أبو عبيدة وترجل
عمر ، فأشار
أبو عبيدة ليقبل يد
عمر ، فهم
عمر بتقبيل رجل
أبي عبيدة ، فكف
أبو عبيدة ، فكف
عمر . ثم سار حتى صالح نصارى
بيت المقدس ، واشترط عليهم إجلاء
الروم إلى ثلاث ، ثم دخلها إذ دخل المسجد من الباب الذي دخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء . ويقال : إنه لبى حين دخل
بيت المقدس ، فصلى فيه تحية المسجد بمحراب
داود ، وصلى بالمسلمين فيه صلاة الغداة من الغد ، فقرأ في الأولى بسورة " ص " وسجد فيها والمسلمون معه ، وفي الثانية بسورة " بني إسرائيل " ثم جاء إلى الصخرة فاستدل على مكانها من
كعب الأحبار ، وأشار عليه
كعب أن يجعل المسجد من ورائه ، فقال : ضاهيت اليهودية . ثم جعل المسجد في قبلي
بيت المقدس ، وهو العمري اليوم ، ثم نقل التراب عن الصخرة في طرف ردائه وقبائه ، ونقل المسلمون معه في ذلك . وسخر أهل
الأردن في نقل بقيتها ، وقد كانت
الروم جعلوا الصخرة مزبلة ; لأنها قبلة
اليهود ، حتى إن المرأة كانت ترسل خرقة حيضتها من داخل الحوز لتلقى في الصخرة ، وذلك مكافأة لما كانت
اليهود عاملت به القمامة ، وهي المكان الذي كانت
اليهود صلبوا فيه المصلوب ، فجعلوا يلقون على قبره القمامة ، فلأجل ذلك سمي ذلك الموضع القمامة ، وانسحب الاسم على الكنيسة التي بناها
[ ص: 657 ] النصارى هنالك . وقد كان
هرقل حين جاءه الكتاب النبوي وهو
بإيلياء ، وعظ
النصارى فيما كانوا قد بالغوا في إلقاء الكناسة على الصخرة حتى وصلت إلى محراب
داود ، قال لهم : إنكم لخليق أن تقتلوا على هذه الكناسة مما امتهنتم هذا المسجد ، كما قتلت بنو إسرائيل على دم
يحيى بن زكريا . ثم أمروا بإزالتها ، فشرعوا في ذلك ، فما أزالوا ثلثها حتى فتحها المسلمون فأزالها
عمر بن الخطاب . وقد استقصى هذا كله بأسانيده ومتونه
nindex.php?page=showalam&ids=13359الحافظ بهاء الدين ابن الحافظ أبي القاسم بن عساكر في كتابه " المستقصى في فضائل المسجد الأقصى " .
وذكر
سيف في سياقه أن
عمر رضي الله عنه ، ركب من
المدينة على فرس ; ليسرع السير بعدما استخلف عليها
علي بن أبي طالب ، فسار حتى قدم
الجابية ، فنزل بها وخطب
بالجابية خطبة طويلة بليغة ، منها : أيها الناس ، أصلحوا سرائركم تصلح علانيتكم ، واعملوا لآخرتكم تكفوا أمر دنياكم ، واعلموا أن رجلا ليس بينه وبين آدم أب حي ولا بينه وبين الله هوادة ، فمن أراد لحب وجه الجنة فليلزم الجماعة ; فإن
الشيطان مع الواحد ، وهو مع الاثنين أبعد ، ولا يخلون أحدكم بامرأة ; فإن الشيطان ثالثهما ، ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن . وهي خطبة طويلة اختصرناها . ثم صالح
عمر أهل
الجابية ورحل إلى
بيت المقدس .
[ ص: 658 ] وقد كتب إلى أمراء الأجناد أن يوافوه في اليوم الفلاني إلى
الجابية ، فتوافوا أجمعون في ذلك اليوم إلى
الجابية ، فكان أول من تلقاه
يزيد بن أبي سفيان ، ثم
أبو عبيدة ، ثم
خالد بن الوليد في خيول المسلمين وعليهم يلامق الديباج ، فسار إليهم
عمر ليحصبهم ، فاعتذروا إليه بأن عليهم السلاح ، وأنهم يحتاجون إليه في حروبهم ، فسكت عنهم واجتمع الأمراء كلهم بعدما استخلفوا على أعمالهم سوى
عمرو بن العاص وشرحبيل فإنهما موافقان
الأرطبون بأجنادين ، فبينما
عمر في
الجابية إذا بكردوس من
الروم بأيديهم سيوف مسللة ، فسار إليهم المسلمون بالسلاح ، فقال
عمر : إن هؤلاء قوم يستأمنون . فساروا نحوهم ، فإذا هم جند من
بيت المقدس يطلبون الأمان والصلح من أمير المؤمنين حين سمعوا بقدومه ، فأجابهم
عمر ، رضي الله عنه ، إلى ما سألوا ، وكتب لهم كتاب أمان ومصالحة ، وضرب عليهم الجزية ، واشترط عليهم شروطا ذكرها
ابن جرير ، وشهد في الكتاب
خالد بن الوليد ،
nindex.php?page=showalam&ids=59وعمرو بن العاص ،
nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف ،
nindex.php?page=showalam&ids=33ومعاوية بن أبي سفيان ، وهو كاتب الكتاب ، وذلك في سنة خمس عشرة .
ثم كتب لأهل
لد ومن هنالك من الناس كتابا آخر ، وضرب عليهم الجزية ، ودخلوا فيما صالح عليه أهل
إيلياء . وفر
الأرطبون إلى بلاد
مصر ، فكان بها حتى فتحها
عمرو بن العاص ، ثم فر إلى البحر ، فكان يلي بعض السرايا الذين يقاتلون المسلمين ، فظفر به رجل من
قيس ، فقطع يد القيسي ، وقتله القيسي ، وقال في ذلك :
فإن يكن أرطبون الروم أفسدها فإن فيها بحمد الله منتفعا [ ص: 659 ] وإن يكن أرطبون الروم قطعها
فقد تركت بها أوصاله قطعا .
ولما صالح أهل
الرملة وتلك البلاد ،
أقبل عمرو بن العاص وشرحبيل ابن حسنة حتى قدما
الجابية ، فوجدا أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب راكبا ، فلما اقتربا منه أكبا على ركبتيه فقبلاها واعتنقهما
عمر معا ، رضي الله عنهم .
قال
سيف : ثم سار
عمر إلى
بيت المقدس من
الجابية ، وقد توجى فرسه ، فأتوه ببرذون ، فركبه فجعل يهملج به ، فنزل عنه وضرب وجهه ، وقال : لا علم الله من علمك ، هذا من الخيلاء . ثم لم يركب برذونا قبله ولا بعده ، ففتحت
إيلياء وأرضها على يديه ما خلا
أجنادين فعلى يدي
عمرو ،
وقيسارية فعلى يدي
معاوية . هذا سياق
سيف بن عمر ، وقد خالفه غيره من أئمة السير ، فذهبوا إلى أن فتح
بيت المقدس كان في سنة ست عشرة .
قال
محمد بن عائذ عن
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم ، عن
عثمان بن حصن بن علاق قال : قال
يزيد بن عبيدة : فتحت
بيت المقدس سنة ست عشرة ، وفيها قدم
عمر بن الخطاب الجابية . .
وقال
أبو زرعة الدمشقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15863دحيم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم قال : ثم عاد في سنة سبع عشرة ، فرجع من
سرع ، ثم قدم سنة ثماني عشرة ، فاجتمع إليه
[ ص: 660 ] الأمراء ، وسلموا إليه ما اجتمع عندهم من الأموال فقسمها وجند الأجناد ومصر الأمصار ثم عاد إلى
المدينة .
وقال
يعقوب بن سفيان : ثم كان
nindex.php?page=treesubj&link=33704فتح الجابية وبيت المقدس سنة ست عشرة . وقال
أبو معشر : ثم كان
عمواس والجابية في سنة ست عشرة ثم كانت
سرع في سنة سبع عشرة ، ثم كان
nindex.php?page=treesubj&link=33705عام الرمادة في سنة ثماني عشرة . قال : وكان فيها
nindex.php?page=treesubj&link=33705طاعون عمواس . يعني فتح البلدة المعروفة بعمواس ، فأما الطاعون المنسوب إليها ، فكان في سنة ثماني عشرة . كما سيأتي قريبا ، إن شاء الله تعالى .
قال
أبو مخنف : لما قدم
عمر الشام فرأى غوطة
دمشق ، ونظر إلى المدينة والقصور والبساتين تلا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=25كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين [ الدخان : 25 - 28 ] . ثم أنشد قول
النابغة : .
هما فتيا دهر يكر عليهما نهار وليل يلحقان التواليا
إذا ما هما مرا بحي بغبطة أناخا بهم حتى يلاقوا الدواهيا
وهذا يقتضي بادي الرأي أنه دخل
دمشق ، وليس كذلك ، فإنه لم ينقل أحد أنه دخلها في شيء من قدماته الثلاث إلى
الشام ; أما الأولى ، وهي هذه ، فإنه
[ ص: 661 ] سار من
الجابية إلى
بيت المقدس ، كما ذكر
سيف وغيره . والله أعلم .
وقال
الواقدي : أما رواية أهل
الشام أن
عمر دخل
الشام مرتين ، ورجع الثالثة من
سرع ، فليس بمعروف ، وإنما قدم مرة واحدة عام
الجابية حين صالح أهل
بيت المقدس سنة ست عشرة ، ورجع من
سرع سنة سبع عشرة ، وهم يقولون : دخل في الثالثة
دمشق وحمص ، وأنكر
الواقدي ذلك .
قلت : ولا يعرف أنه دخل
دمشق إلا في الجاهلية قبل إسلامه كما بسطنا ذلك في " سيرته " .
وقد روينا أن
عمر حين دخل
بيت المقدس سأل
كعب الأحبار ، عن مكان الصخرة ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أذرع من الحائط الذي يلي وادي جهنم ، كذا وكذا ذراعا فهي ثم . فذرعوا فوجدوها وقد اتخذها
النصارى مزبلة كما فعلت
اليهود بمكان القمامة ، وهو المكان الذي صلب فيه المصلوب الذي شبه
بعيسى ، فاعتقدت
النصارى واليهود أنه المسيح ، وقد كذبوا في اعتقادهم هذا كما نص الله تعالى على خطإهم في ذلك .
والمقصود أن
النصارى لما حكموا على
بيت المقدس قبل البعثة بنحو من ثلاثمائة سنة ، طهروا مكان القمامة ، واتخذوه كنيسة هائلة بنتها أم الملك
[ ص: 662 ] قسطنطين باني المدينة المنسوبة إليه ، واسم أمه
هيلانة الحرانية الفندقانية ، وأمرت ابنها فبنى
للنصارى بيت لحم على موضع الميلاد ، وبنت هي على موضع القبر ، فيما يزعمون . والغرض أنهم اتخذوا مكان قبلة
اليهود مزبلة أيضا ، في مقابلة ما صنعوا في قديم الزمان وحديثه ، فلما فتح
عمر بيت المقدس ، وتحقق موضع الصخرة ، أمر بإزالة ما عليها من الكناسة حتى قيل : إنه كنسها بردائه ثم استشار
كعبا أين يضع المسجد ؟ فأشار عليه بأن يجعله من وراء الصخرة ، فضرب في صدره ، وقال : يا ابن أم
كعب ، ضارعت اليهودية ، وأمر ببنائه في مقدم
بيت المقدس .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
أسود بن عامر ، ثنا
حماد بن سلمة ، عن
أبي سنان ، عن
عبيد بن آدم وأبي مريم وأبي شعيب ، أن
عمر بن الخطاب كان
بالجابية ، فذكر فتح
بيت المقدس . قال : قال
ابن سلمة : فحدثني
أبو سنان ، عن
عبيد بن آدم ، سمعت
عمر يقول
لكعب : أين ترى أن أصلي ؟ قال : إن أخذت عني صليت خلف الصخرة ، فكانت
القدس كلها بين يديك . فقال
عمر : ضاهيت اليهودية ، لا ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فتقدم إلى القبلة فصلى ، ثم جاء فبسط رداءه وكنس الكناسة في ردائه وكنس الناس . وهذا إسناد جيد اختاره
الحافظ ضياء الدين المقدسي في كتابه " المستخرج " . وقد تكلمنا على رجاله في كتابنا الذي أفردناه في مسند
عمر ، ما
[ ص: 663 ] رواه من الأحاديث المرفوعة ، وما روي عنه من الآثار الموقوفة مبوبا على أبواب الفقه ، ولله الحمد والمنة .
وقد روى
سيف بن عمر ، عن شيوخه ، عن
سالم قال : لما دخل
عمر الشام تلقاه رجل من يهود
دمشق ، فقال : السلام عليك يا فاروق ، أنت صاحب
إيلياء ، لا ها الله لا ترجع حتى يفتح الله عليك
إيلياء .
وقد روى
أحمد بن مروان الدينوري عن
محمد بن عبد العزيز ، عن أبيه ، عن
الهيثم بن عدي ، عن
أسامة بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن جده
أسلم مولى عمر ، عن
عمر بن الخطاب ، أنه قدم
دمشق في تجار من
قريش فلما خرجوا تخلف
عمر لبعض حاجته فبينما هو في البلد إذا هو ببطريق يأخذ بعنقه ، فذهب ينازعه فلم يقدر ، فأدخله دارا فيها تراب وفأس ومجرفة وزنبيل ، وقال له : حول هذا من ها هنا إلى ها هنا . وغلق عليه الباب وانصرف ، فلم يجئ إلى نصف النهار . قال : وجلست مفكرا ، ولم أفعل مما قال لي شيئا . فلما جاء قال : ما لك لم تفعل ؟ ولكمني في رأسي بيده ، قال : فأخذت الفأس فضربته بها فقتلته ، وخرجت على وجهي فجئت ديرا لراهب ، فجلست عنده من العشي ، فأشرف علي ، فنزل وأدخلني الدير فأطعمني وسقاني ، وأتحفني ، وجعل يحقق النظر في ، وسألني عن أمري ، فقلت : إني أضللت عن أصحابي . فقال : إنك
[ ص: 664 ] لتنظر بعين خائف . وجعل يتوسمني ، ثم قال : لقد علم أهل دين النصرانية أني أعلمهم بكتابهم ، وإني لأراك الذي تخرجنا من بلادنا هذه ، فهل لك أن تكتب لي كتاب أمان على ديري هذا ؟ فقلت : يا هذا ، لقد ذهبت غير مذهب . فلم يزل بي حتى كتبت له صحيفة بما طلب مني ، فلما كان وقت الانصراف أعطاني أتانا ، فقال لي : اركبها ، فإذا وصلت إلى أصحابك فابعث إلي بها وحدها فإنها لا تمر بدير إلا أكرموها . ففعلت ما أمرني به ، فلما قدم
عمر لفتح
بيت المقدس أتاه ذلك الراهب وهو
بالجابية بتلك الصحيفة ، فأمضاها له
عمر ، واشترط عليه ضيافة من يمر به من المسلمين ، وأن يرشدهم إلى الطريق . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر وغيره . وقد ساقه
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر من طريق أخرى في ترجمة
يحيى بن عبد الله بن أسامة القرشي البلقاوي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، عن أبيه ، فذكر حديثا طويلا عجيبا ، هذا بعضه . وقد ذكرنا الشروط العمرية على نصارى
الشام مطولا في كتابنا " الأحكام " وأفردنا له مصنفا على حدة ، ولله الحمد والمنة .
وقد ذكرنا خطبته في
الجابية بألفاظها وأسانيدها في الكتاب الذي أفردناه لمسند
عمر ، وذكرنا تواضعه في دخوله
الشام في السيرة التي أفردناها له .
وقال
أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثني
الربيع بن ثعلب ، نا
أبو إسماعيل المؤدب ، عن
عبد الله بن مسلم بن هرمز المكي ، عن
أبي العالية الشامي قال :
[ ص: 665 ] قدم
عمر بن الخطاب الجابية على طريق
إيلياء على جمل أورق تلوح صلعته للشمس ، ليس عليه قلنسوة ولا عمامة ، تصطفق رجلاه بين شعبتي الرحل بلا ركاب ، وطاؤه كساء أنبجاني ذو صوف ، هو وطاؤه إذا ركب ، وفراشه إذا نزل ، حقيبته نمرة أو شملة محشوة ليفا ، هي حقيبته إذا ركب ، ووسادته إذا نزل ، وعليه قميص من كرابيس قد دسم وتخرق جيبه . فقال : ادعوا لي رأس القوم . فدعوا له
الجلومس ، فقال : اغسلوا قميصي وخيطوه ، وأعيروني قميصا أو ثوبا ، فأتي بقميص كتان فقال : ما هذا ؟ قالوا : كتان . قال : وما الكتان ؟ فأخبروه ، فنزع قميصه فغسل ورقع ، وأتي به ، فنزع قميصهم ولبس قميصه . فقال له
الجلومس : أنت ملك العرب ، وهذه بلاد لا تصلح بها الإبل . فأتي ببرذون فطرح عليه قطيفة بلا سرج ولا رحل ، فركبه فقال : احبسوا احبسوا ، ما كنت أظن الناس يركبون الشيطان قبل هذا ، هاتوا جملي . فأتي بجمله فركبه .
[ ص: 666 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14642إسماعيل بن محمد الصفار : حدثنا
سعدان بن نصر ، حدثنا
سفيان عن أيوب الطائي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16836قيس بن مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب قال : لما قدم
عمر الشام عرضت له مخاضة ، فنزل عن بعيره ونزع موقيه ، فأمسكهما بيده وخاض الماء ومعه بعيره ، فقال له
أبو عبيدة : قد صنعت اليوم صنيعا عظيما عند أهل الأرض ; صنعت كذا وكذا . قال : فصك في صدره ، وقال : أوه ، لو غيرك يقولها يا
أبا عبيدة ! إنكم كنتم أذل الناس وأحقر الناس وأقل الناس ، فأعزكم الله بالإسلام ، فمهما تطلبوا العز بغيره يذلكم الله .
قال
ابن جرير : وفي هذه السنة - أعني
nindex.php?page=treesubj&link=33705سنة خمس عشرة - كانت بين المسلمين وفارس وقعات في قول
سيف بن عمر .
وقال
ابن إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=15472والواقدي : إنما كان ذلك في سنة ست عشرة . ثم ذكر
ابن جرير وقعات كثيرة كانت بينهم ، وذلك حين بعث
عمر بن الخطاب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص يأمره بالمسير إلى
المدائن ، وأن يخلف النساء والعيال
بالعقيق في خيل كثيرة كثيفة ، فلما تفرغ
سعد من أمر
القادسية بعث على المقدمة
زهرة بن حوية ، ثم أتبعه بالأمراء واحدا بعد واحد ، ثم سار في الجيوش ، وقد جعل
nindex.php?page=showalam&ids=17225هاشم بن عتبة بن أبي وقاص على خلافته مكان
خالد بن عرفطة ، وجعل
خالدا هذا على الساقة ، فساروا في خيول عظيمة ، وسلاح كثير ، وذلك
[ ص: 667 ] لأيام بقين من شوال من هذه السنة ، فنزلوا
الكوفة ، وارتحل
زهرة بين أيديهم نحو
المدائن ، فلقيه بها
بصبهرى في جيش من
فارس ، فهزمهم
زهرة ، وذهبت
الفرس في هزيمتهم إلى
بابل ، وبها جمع كثير ممن انهزم يوم
القادسية ، قد جعلوا عليهم
الفيرزان ، فبعث
زهرة إلى
سعد ، فأعلمه باجتماع المنهزمين
ببابل ، فسار
سعد بالجيوش إلى
بابل ، فتقابل هو
والفيرزان عند
بابل فهزمهم كأسرع من لفة الرداء ، وانهزموا بين يديه فرقتين ، ففرقة ذهبت إلى
المدائن ، وأخرى سارت إلى
نهاوند ، وأقام
سعد ببابل أياما ، ثم سار منها نحو
المدائن فلقوا جمعا آخر من الفرس ، فاقتتلوا قتالا شديدا وبارزوا أمير
الفرس ، وهو
شهريار ، فبرز إليه رجل من المسلمين يقال له :
نايل الأعرجي أبو نباتة من شجعان
بني تميم فتجاولا ساعة بالرماح ، ثم ألقياها فانتضيا سيفيهما وتصاولا بهما ، ثم تعانقا وسقطا عن فرسيهما إلى الأرض ، فوقع
شهريار على صدر
أبي نباتة ، وأخرج خنجرا ليذبحه بها ، فوقعت أصبعه في فم
أبي نباتة فقضمها حتى شغله عن نفسه ، وأخذ الخنجر فذبح
شهريار بها وأخذ فرسه وسواريه وسلبه ، وانكشف أصحابه فهزموا ، فأقسم
سعد على
نايل ليلبس سواري
شهريار وسلاحه ، وليركبن فرسه إذا كان حرب ، فكان يفعل ذلك ، قالوا : وكان أول من تسور
بالعراق . وذلك بمكان يقال له
كوثى . وزار المكان الذي حبس فيه الخليل ، وصلى عليه وعلى سائر الأنبياء ، وقرأ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140وتلك الأيام نداولها بين الناس الآية [ آل عمران : 140 ] .
nindex.php?page=treesubj&link=33704فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَلَى يَدَيْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ .
ذَكَرَهُ
أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ رِوَايَةِ
سَيْفِ بْنِ عُمَرَ ، وَمُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ ، هُوَ وَغَيْرُهُ ، أَنَّ
أَبَا عُبَيْدَةَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ
دِمَشْقَ ، كَتَبَ إِلَى أَهْلِ
إِيلِيَاءَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ ، أَوْ يَبْذُلُونَ الْجِزْيَةَ أَوْ يُؤْذَنُونَ بِحَرْبٍ . فَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوا إِلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ . فَرَكِبَ إِلَيْهِمْ فِي جُنُودِهِ ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى
دِمَشْقَ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ ، ثُمَّ حَاصَرَ
بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَضَيَّقَ عَلَيْهِمْ حَتَّى أَجَابُوا إِلَى الصُّلْحِ بِشَرْطِ أَنْ يَقْدَمَ إِلَيْهِمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ . فَكَتَبَ إِلَيْهِ
أَبُو عُبَيْدَةَ بِذَلِكَ فَاسْتَشَارَ
عُمَرُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ ، فَأَشَارَ
عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِأَنْ لَا يَرْكَبَ إِلَيْهِمْ ; لِيَكُونَ أَحْقَرَ
[ ص: 656 ] لَهُمْ وَأَرْغَمَ لِأُنُوفِهِمْ ، وَأَشَارَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِمْ ; لِيَكُونَ أَخَفَّ وَطْأَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي حِصَارِهِمْ بَيْنَهُمْ ، فَهَوِيَ مَا قَالَ
عَلِيٌّ وَلَمْ يَهْوَ مَا قَالَ
عُثْمَانُ . وَسَارَ بِالْجُيُوشِ نَحْوَهُمْ ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى
الْمَدِينَةِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَسَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=18الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى
الشَّامِ تَلَقَّاهُ
أَبُو عُبَيْدَةَ وَرُءُوسُ الْأُمَرَاءِ
nindex.php?page=showalam&ids=22كَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ،
وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، فَتَرَجَّلَ
أَبُو عُبَيْدَةَ وَتَرَجَّلَ
عُمَرُ ، فَأَشَارَ
أَبُو عُبَيْدَةَ لِيُقَبِّلَ يَدَ
عُمَرَ ، فَهَمَّ
عُمَرُ بِتَقْبِيلِ رِجْلِ
أَبِي عُبَيْدَةَ ، فَكَفَّ
أَبُو عُبَيْدَةَ ، فَكَفَّ
عُمَرُ . ثُمَّ سَارَ حَتَّى صَالَحَ نَصَارَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ إِجْلَاءَ
الرُّومِ إِلَى ثَلَاثٍ ، ثُمَّ دَخَلَهَا إِذْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي دَخَلَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ . وَيُقَالُ : إِنَّهُ لَبَّى حِينَ دَخَلَ
بَيْتَ الْمَقْدِسِ ، فَصَلَّى فِيهِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بِمِحْرَابِ
دَاوُدَ ، وَصَلَّى بِالْمُسْلِمِينَ فِيهِ صَلَاةَ الْغَدَاةِ مِنَ الْغَدِ ، فَقَرَأَ فِي الْأَوْلَى بِسُورَةِ " ص " وَسَجَدَ فِيهَا وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةِ " بَنِي إِسْرَائِيلَ " ثُمَّ جَاءَ إِلَى الصَّخْرَةِ فَاسْتَدَلَّ عَلَى مَكَانِهَا مِنْ
كَعْبِ الْأَحْبَارِ ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ
كَعْبٌ أَنْ يَجْعَلَ الْمَسْجِدَ مِنْ وَرَائِهِ ، فَقَالَ : ضَاهَيْتَ الْيَهُودِيَّةَ . ثُمَّ جَعَلَ الْمَسْجِدَ فِي قِبْلِيِّ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَهُوَ الْعُمَرِيُّ الْيَوْمَ ، ثُمَّ نَقَلَ التُّرَابَ عَنِ الصَّخْرَةِ فِي طَرَفِ رِدَائِهِ وَقَبَائِهِ ، وَنَقَلَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ . وَسَخَّرَ أَهْلَ
الْأُرْدُنِّ فِي نَقْلِ بَقِيَّتِهَا ، وَقَدْ كَانَتِ
الرُّومُ جَعَلُوا الصَّخْرَةَ مَزْبَلَةً ; لِأَنَّهَا قِبْلَةَ
الْيَهُودِ ، حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ تُرْسِلُ خِرْقَةَ حَيْضَتِهَا مِنْ دَاخِلِ الْحَوْزِ لِتُلْقَى فِي الصَّخْرَةِ ، وَذَلِكَ مُكَافَأَةً لِمَا كَانَتِ
الْيَهُودُ عَامَلَتْ بِهِ الْقُمَامَةَ ، وَهِيَ الْمَكَانُ الَّذِي كَانَتِ
الْيَهُودُ صَلَبُوا فِيهِ الْمَصْلُوبَ ، فَجَعَلُوا يُلْقُونَ عَلَى قَبْرِهِ الْقُمَامَةَ ، فَلِأَجْلِ ذَلِكَ سُمِّيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ الْقُمَامَةَ ، وَانْسَحَبَ الِاسْمُ عَلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي بَنَاهَا
[ ص: 657 ] النَّصَارَى هُنَالِكَ . وَقَدْ كَانَ
هِرَقْلُ حِينَ جَاءَهُ الْكِتَابُ النَّبَوِيُّ وَهُوَ
بِإِيلِيَاءَ ، وَعَظَ
النَّصَارَى فِيمَا كَانُوا قَدْ بَالَغُوا فِي إِلْقَاءِ الْكُنَاسَةِ عَلَى الصَّخْرَةِ حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى مِحْرَابِ
دَاوُدَ ، قَالَ لَهُمْ : إِنَّكُمْ لَخَلِيقٌ أَنْ تُقْتَلُوا عَلَى هَذِهِ الْكُنَاسَةِ مِمَّا امْتَهَنْتُمْ هَذَا الْمَسْجِدَ ، كَمَا قُتِلَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى دَمِ
يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا . ثُمَّ أُمِرُوا بِإِزَالَتِهَا ، فَشَرَعُوا فِي ذَلِكَ ، فَمَا أَزَالُوا ثُلُثَهَا حَتَّى فَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ فَأَزَالَهَا
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ . وَقَدِ اسْتَقْصَى هَذَا كُلَّهُ بِأَسَانِيدِهِ وَمُتُونِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=13359الْحَافِظُ بَهَاءُ الدِّينِ ابْنُ الْحَافِظِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ عَسَاكِرَ فِي كِتَابِهِ " الْمُسْتَقْصَى فِي فَضَائِلِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى " .
وَذَكَرَ
سَيْفٌ فِي سِيَاقِهِ أَنَّ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، رَكِبَ مِنَ
الْمَدِينَةِ عَلَى فَرَسٍ ; لِيُسْرِعَ السَّيْرَ بَعْدَمَا اسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا
عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، فَسَارَ حَتَّى قَدِمَ
الْجَابِيَةَ ، فَنَزَلَ بِهَا وَخَطَبَ
بِالْجَابِيَةِ خُطْبَةً طَوِيلَةً بَلِيغَةً ، مِنْهَا : أَيُّهَا النَّاسُ ، أَصْلِحُوا سَرَائِرَكُمْ تَصْلُحْ عَلَانِيَتُكُمْ ، وَاعْمَلُوا لِآخِرَتِكُمْ تُكْفَوْا أَمْرَ دُنْيَاكُمْ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ رَجُلًا لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ أَبٌ حَيٌّ وَلَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ هَوَادَةٌ ، فَمَنْ أَرَادَ لَحْبَ وَجْهِ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ ; فَإِنَّ
الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ مَعَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ ، وَلَا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ ; فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا ، وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ . وَهِيَ خُطْبَةٌ طَوِيلَةٌ اخْتَصَرْنَاهَا . ثُمَّ صَالَحَ
عُمَرُ أَهْلَ
الْجَابِيَةِ وَرَحَلَ إِلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ .
[ ص: 658 ] وَقَدْ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ يُوَافُوهُ فِي الْيَوْمِ الْفُلَانِيِّ إِلَى
الْجَابِيَةِ ، فَتَوَافَوْا أَجْمَعُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى
الْجَابِيَةِ ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ تَلَقَّاهُ
يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ ، ثُمَّ
أَبُو عُبَيْدَةَ ، ثُمَّ
خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي خُيُولِ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ يَلَامِقُ الدِّيبَاجِ ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ
عُمَرُ لِيَحْصِبَهُمْ ، فَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ بِأَنَّ عَلَيْهِمُ السِّلَاحَ ، وَأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي حُرُوبِهِمْ ، فَسَكَتَ عَنْهُمْ وَاجْتَمَعَ الْأُمَرَاءُ كُلُّهُمْ بَعْدَمَا اسْتَخْلَفُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ سِوَى
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَشُرَحْبِيلَ فَإِنَّهُمَا مُوَافِقَانِ
الْأَرْطَبُونَ بِأَجْنَادِينَ ، فَبَيْنَمَا
عُمَرُ فِي
الْجَابِيَةِ إِذَا بِكُرْدُوسٍ مِنَ
الرُّومِ بِأَيْدِيهِمْ سُيُوفٌ مُسَلَّلَةٌ ، فَسَارَ إِلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ بِالسِّلَاحِ ، فَقَالَ
عُمَرُ : إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ يَسْتَأْمِنُونَ . فَسَارُوا نَحْوَهُمْ ، فَإِذَا هُمْ جُنْدٌ مِنْ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَطْلُبُونَ الْأَمَانَ وَالصُّلْحَ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ حِينَ سَمِعُوا بِقُدُومِهِ ، فَأَجَابَهُمْ
عُمَرُ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، إِلَى مَا سَأَلُوا ، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابَ أَمَانٍ وَمُصَالَحَةٍ ، وَضَرَبَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ شُرُوطًا ذَكَرَهَا
ابْنُ جَرِيرٍ ، وَشَهِدَ فِي الْكِتَابِ
خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=59وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=38وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=33وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ ، وَهُوَ كَاتِبُ الْكِتَابِ ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ .
ثُمَّ كَتَبَ لِأَهْلِ
لُدٍّ وَمَنْ هُنَالِكَ مِنَ النَّاسِ كِتَابًا آخَرَ ، وَضَرَبَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ ، وَدَخَلُوا فِيمَا صَالَحَ عَلَيْهِ أَهْلَ
إِيلِيَاءَ . وَفَرَّ
الْأَرْطَبُونُ إِلَى بِلَادِ
مِصْرَ ، فَكَانَ بِهَا حَتَّى فَتَحَهَا
عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ، ثُمَّ فَرَّ إِلَى الْبَحْرِ ، فَكَانَ يَلِي بَعْضَ السَّرَايَا الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ الْمُسْلِمِينَ ، فَظَفِرَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ
قَيْسٍ ، فَقَطَعَ يَدَ الْقَيْسِيِّ ، وَقَتَلَهُ الْقَيْسِيُّ ، وَقَالَ فِي ذَلِكَ :
فَإِنْ يَكُنْ أَرْطَبُونُ الرُّومِ أَفْسَدَهَا فَإِنَّ فِيهَا بِحَمْدِ اللَّهِ مُنْتَفَعَا [ ص: 659 ] وَإِنْ يَكُنْ أَرْطَبُونُ الرُّومِ قَطَّعَهَا
فَقَدْ تَرَكْتُ بِهَا أَوْصَالَهُ قِطَعَا .
وَلَمَّا صَالَحَ أَهْلَ
الرَّمْلَةِ وَتِلْكَ الْبِلَادَ ،
أَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَشُرَحْبِيلُ ابْنُ حَسَنَةَ حَتَّى قَدِمَا
الْجَابِيَةَ ، فَوَجَدَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَاكِبًا ، فَلَمَّا اقْتَرَبَا مِنْهُ أَكَبَّا عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَبَّلَاهَا وَاعْتَنَقَهُمَا
عُمَرُ مَعًا ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
قَالَ
سَيْفٌ : ثُمَّ سَارَ
عُمَرُ إِلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنَ
الْجَابِيَةِ ، وَقَدْ تَوَجَّى فَرَسُهُ ، فَأَتَوْهُ بِبِرْذَوْنٍ ، فَرَكِبَهُ فَجَعَلَ يُهَمْلِجُ بِهِ ، فَنَزَلَ عَنْهُ وَضَرَبَ وَجْهَهُ ، وَقَالَ : لَا عَلَّمَ اللَّهُ مَنْ عَلَّمَكَ ، هَذَا مِنَ الْخُيَلَاءِ . ثُمَّ لَمْ يَرْكَبْ بِرْذَوْنًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ ، فَفُتِحَتْ
إِيلِيَاءُ وَأَرْضُهَا عَلَى يَدَيْهِ مَا خَلَا
أَجْنَادِينَ فَعَلَى يَدَيْ
عَمْرٍو ،
وَقَيْسَارِيَّةَ فَعَلَى يَدَيْ
مُعَاوِيَةَ . هَذَا سِيَاقُ
سَيْفِ بْنِ عُمَرَ ، وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ السِّيَرِ ، فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ فَتْحَ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ .
قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ عَائِذٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=15500الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ
عُثْمَانَ بْنِ حِصْنِ بْنِ عَلَّاقٍ قَالَ : قَالَ
يَزِيدُ بْنُ عُبَيْدَةَ : فُتِحَتْ
بَيْتُ الْمَقْدِسِ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ ، وَفِيهَا قَدِمَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْجَابِيَةَ . .
وَقَالَ
أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15863دُحَيْمٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=15500الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ : ثُمَّ عَادَ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ ، فَرَجَعَ مِنْ
سَرْعٍ ، ثُمَّ قَدِمَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ
[ ص: 660 ] الْأُمَرَاءُ ، وَسَلَّمُوا إِلَيْهِ مَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ فَقَسَمَهَا وَجَنَّدَ الْأَجْنَادَ وَمَصَّرَ الْأَمْصَارَ ثُمَّ عَادَ إِلَى
الْمَدِينَةِ .
وَقَالَ
يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ : ثُمَّ كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=33704فَتْحُ الْجَابِيَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ . وَقَالَ
أَبُو مَعْشَرٍ : ثُمَّ كَانَ
عَمَوَاسُ وَالْجَابِيَةُ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ ثُمَّ كَانَتْ
سَرْعٌ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ ، ثُمَّ كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=33705عَامُ الرَّمَادَةِ فِي سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ . قَالَ : وَكَانَ فِيهَا
nindex.php?page=treesubj&link=33705طَاعُونُ عَمَوَاسَ . يَعْنِي فَتْحَ الْبَلْدَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِعَمَوَاسَ ، فَأَمَّا الطَّاعُونُ الْمَنْسُوبُ إِلَيْهَا ، فَكَانَ فِي سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ . كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
قَالَ
أَبُو مِخْنَفٍ : لَمَّا قَدِمَ
عُمَرُ الشَّامَ فَرَأَى غُوطَةَ
دِمَشْقَ ، وَنَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَالْقُصُورِ وَالْبَسَاتِينِ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=25كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ [ الدُّخَانِ : 25 - 28 ] . ثُمَّ أَنْشَدَ قَوْلَ
النَّابِغَةِ : .
هُمَا فَتَيَا دَهْرٍ يَكُرُّ عَلَيْهِمَا نَهَارٌ وَلَيْلٌ يَلْحَقَانِ التَّوَالِيَا
إِذَا مَا هُمَا مَرَّا بِحَيٍّ بِغِبْطَةٍ أَنَاخَا بِهِمْ حَتَّى يُلَاقُوا الدَّوَاهِيَا
وَهَذَا يَقْتَضِي بَادِيَ الرَّأْيِ أَنَّهُ دَخَلَ
دِمَشْقَ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ دَخَلَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ قَدَمَاتِهِ الثَّلَاثِ إِلَى
الشَّامِ ; أَمَّا الْأُولَى ، وَهِيَ هَذِهِ ، فَإِنَّهُ
[ ص: 661 ] سَارَ مِنَ
الْجَابِيَةِ إِلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، كَمَا ذَكَرَ
سَيْفٌ وَغَيْرُهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ
الْوَاقِدِيُّ : أَمَّا رِوَايَةُ أَهْلِ
الشَّامِ أَنَّ
عُمَرَ دَخَلَ
الشَّامَ مَرَّتَيْنِ ، وَرَجَعَ الثَّالِثَةَ مِنْ
سَرْعٍ ، فَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ ، وَإِنَّمَا قَدِمَ مَرَّةً وَاحِدَةً عَامَ
الْجَابِيَةِ حِينَ صَالَحَ أَهْلَ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ ، وَرَجَعَ مِنْ
سَرْعٍ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ ، وَهُمْ يَقُولُونَ : دَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ
دِمَشْقَ وَحِمْصَ ، وَأَنْكَرَ
الْوَاقِدِيُّ ذَلِكَ .
قُلْتُ : وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ دَخَلَ
دِمَشْقَ إِلَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ إِسْلَامِهِ كَمَا بَسَطْنَا ذَلِكَ فِي " سِيرَتِهِ " .
وَقَدْ رُوِّينَا أَنَّ
عُمَرَ حِينَ دَخَلَ
بَيْتَ الْمَقْدِسِ سَأَلَ
كَعْبَ الْأَحْبَارِ ، عَنْ مَكَانِ الصَّخْرَةِ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَذْرِعْ مِنَ الْحَائِطِ الَّذِي يَلِي وَادِي جَهَنَّمَ ، كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا فَهِيَ ثَمَّ . فَذَرَعُوا فَوَجَدُوهَا وَقَدِ اتَّخَذَهَا
النَّصَارَى مَزْبَلَةً كَمَا فَعَلَتِ
الْيَهُودُ بِمَكَانِ الْقُمَامَةِ ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ الْمَصْلُوبُ الَّذِي شُبِّهَ
بِعِيسَى ، فَاعْتَقَدَتِ
النَّصَارَى وَالْيَهُودُ أَنَّهُ الْمَسِيحُ ، وَقَدْ كَذَبُوا فِي اعْتِقَادِهِمْ هَذَا كَمَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى خَطَإِهِمْ فِي ذَلِكَ .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ
النَّصَارَى لَمَّا حَكَمُوا عَلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ الْبِعْثَةِ بِنَحْوٍ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ ، طَهَّرُوا مَكَانَ الْقُمَامَةِ ، وَاتَّخَذُوهُ كَنِيسَةً هَائِلَةً بَنَتْهَا أَمُّ الْمَلِكِ
[ ص: 662 ] قُسْطَنْطِينَ بَانِي الْمَدِينَةِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَيْهِ ، وَاسْمُ أُمِّهِ
هَيْلَانَةُ الْحَرَّانِيَّةُ الْفُنْدُقَانِيَّةُ ، وَأَمَرَتِ ابْنَهَا فَبَنَى
لِلنَّصَارَى بَيْتَ لَحْمٍ عَلَى مَوْضِعِ الْمِيلَادِ ، وَبَنَتْ هِيَ عَلَى مَوْضِعِ الْقَبْرِ ، فِيمَا يَزْعُمُونَ . وَالْغَرَضُ أَنَّهُمُ اتَّخَذُوا مَكَانَ قِبْلَةِ
الْيَهُودِ مَزْبَلَةً أَيْضًا ، فِي مُقَابَلَةِ مَا صَنَعُوا فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ وَحَدِيثِهِ ، فَلَمَّا فَتَحَ
عُمَرُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ، وَتَحَقَّقَ مَوْضِعَ الصَّخْرَةِ ، أَمَرَ بِإِزَالَةِ مَا عَلَيْهَا مِنَ الْكُنَاسَةِ حَتَّى قِيلَ : إِنَّهُ كَنَسَهَا بِرِدَائِهِ ثُمَّ اسْتَشَارَ
كَعْبًا أَيْنَ يَضَعُ الْمَسْجِدَ ؟ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ وَرَاءِ الصَّخْرَةِ ، فَضَرَبَ فِي صَدْرِهِ ، وَقَالَ : يَا ابْنَ أُمِّ
كَعْبٍ ، ضَارَعْتَ الْيَهُودِيَّةَ ، وَأَمَرَ بِبِنَائِهِ فِي مُقَدَّمِ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا
أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ ، ثَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ
أَبِي سِنَانٍ ، عَنْ
عُبَيْدِ بْنِ آدَمَ وَأَبِي مَرْيَمَ وَأَبِي شُعَيْبٍ ، أَنَّ
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ
بِالْجَابِيَةِ ، فَذَكَرَ فَتَحَ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ . قَالَ : قَالَ
ابْنُ سَلَمَةَ : فَحَدَّثَنِي
أَبُو سِنَانٍ ، عَنْ
عُبَيْدِ بْنِ آدَمَ ، سَمِعْتُ
عُمَرَ يَقُولُ
لِكَعْبٍ : أَيْنَ تُرَى أَنْ أَصَلِّيَ ؟ قَالَ : إِنْ أَخَذْتَ عَنِّي صَلَّيْتَ خَلْفَ الصَّخْرَةِ ، فَكَانَتِ
الْقُدْسُ كُلُّهَا بَيْنَ يَدَيْكَ . فَقَالَ
عُمَرُ : ضَاهَيْتَ الْيَهُودِيَّةَ ، لَا وَلَكِنْ أُصَلِّي حَيْثُ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَتَقَدَّمَ إِلَى الْقِبْلَةِ فَصَلَّى ، ثُمَّ جَاءَ فَبَسَطَ رِدَاءَهُ وَكَنَسَ الْكُنَاسَةَ فِي رِدَائِهِ وَكَنَسَ النَّاسُ . وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ اخْتَارَهُ
الْحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ " الْمُسْتَخْرَجِ " . وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى رِجَالِهِ فِي كِتَابِنَا الَّذِي أَفْرَدْنَاهُ فِي مُسْنَدِ
عُمَرَ ، مَا
[ ص: 663 ] رَوَاهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ ، وَمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنَ الْآثَارِ الْمَوْقُوفَةِ مُبَوَّبًا عَلَى أَبْوَابِ الْفِقْهِ ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .
وَقَدْ رَوَى
سَيْفُ بْنُ عُمَرَ ، عَنْ شُيُوخِهِ ، عَنْ
سَالِمٍ قَالَ : لَمَّا دَخَلَ
عُمَرُ الشَّامَ تَلَقَّاهُ رَجُلٌ مِنْ يَهُودِ
دِمَشْقَ ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا فَارُوقُ ، أَنْتَ صَاحِبُ
إِيلِيَاءَ ، لَا هَا اللَّهِ لَا تَرْجِعْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ
إِيلِيَاءَ .
وَقَدْ رَوَى
أَحْمَدُ بْنُ مَرْوَانَ الدِّينَوَرِيُّ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ ، عَنْ
أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ
أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ ، عَنْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ قَدِمَ
دِمَشْقَ فِي تُجَّارٍ مِنْ
قُرَيْشٍ فَلَمَّا خَرَجُوا تَخَلَّفَ
عُمَرُ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ فَبَيْنَمَا هُوَ فِي الْبَلَدِ إِذَا هُوَ بِبِطْرِيقٍ يَأْخُذُ بِعُنُقِهِ ، فَذَهَبَ يُنَازِعُهُ فَلَمْ يَقْدِرْ ، فَأَدْخَلَهُ دَارًا فِيهَا تُرَابٌ وَفَأْسٌ وَمِجْرَفَةٌ وَزِنْبِيلٌ ، وَقَالَ لَهُ : حَوِّلْ هَذَا مِنْ هَا هُنَا إِلَى هَا هُنَا . وَغَلَّقَ عَلَيْهِ الْبَابَ وَانْصَرَفَ ، فَلَمْ يَجِئْ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ . قَالَ : وَجَلَسْتُ مُفَكِّرًا ، وَلَمْ أَفْعَلْ مِمَّا قَالَ لِي شَيْئًا . فَلَمَّا جَاءَ قَالَ : مَا لَكَ لَمْ تَفْعَلْ ؟ وَلَكَمَنِي فِي رَأْسِي بِيَدِهِ ، قَالَ : فَأَخَذْتُ الْفَأْسَ فَضَرَبْتُهُ بِهَا فَقَتَلْتُهُ ، وَخَرَجْتُ عَلَى وَجْهِي فَجِئْتُ دَيْرًا لِرَاهِبٍ ، فَجَلَسْتُ عِنْدَهُ مِنَ الْعَشِيِّ ، فَأَشْرَفَ عَلَيَّ ، فَنَزَلَ وَأَدْخَلَنِي الدَّيْرَ فَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي ، وَأَتْحَفَنِي ، وَجَعَلَ يُحَقِّقُ النَّظَرَ فِيَّ ، وَسَأَلَنِي عَنْ أَمْرِي ، فَقُلْتُ : إِنِّي أَضْلَلْتُ عَنْ أَصْحَابِي . فَقَالَ : إِنَّكَ
[ ص: 664 ] لَتَنْظُرُ بِعَيْنِ خَائِفٍ . وَجَعَلَ يَتَوَسَّمُنِي ، ثُمَّ قَالَ : لَقَدْ عَلِمَ أَهْلُ دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِهِمْ ، وَإِنِّي لَأُرَاكَ الَّذِي تُخْرِجُنَا مِنْ بِلَادِنَا هَذِهِ ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمَانٍ عَلَى دَيْرِي هَذَا ؟ فَقُلْتُ : يَا هَذَا ، لَقَدْ ذَهَبْتَ غَيْرَ مَذْهَبٍ . فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى كَتَبْتُ لَهُ صَحِيفَةً بِمَا طَلَبَ مِنِّي ، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الِانْصِرَافِ أَعْطَانِي أَتَانًا ، فَقَالَ لِيَ : ارْكَبْهَا ، فَإِذَا وَصَلْتَ إِلَى أَصْحَابِكَ فَابْعَثْ إِلَيَّ بِهَا وَحْدَهَا فَإِنَّهَا لَا تَمُرُّ بِدَيْرٍ إِلَّا أَكْرَمُوهَا . فَفَعَلْتُ مَا أَمَرَنِي بِهِ ، فَلَمَّا قَدِمَ
عُمَرُ لِفَتْحِ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَتَاهُ ذَلِكَ الرَّاهِبُ وَهُوَ
بِالْجَابِيَةِ بِتِلْكَ الصَّحِيفَةِ ، فَأَمْضَاهَا لَهُ
عُمَرُ ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَنْ يُرْشِدَهُمْ إِلَى الطَّرِيقِ . رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابْنُ عَسَاكِرَ وَغَيْرُهُ . وَقَدْ سَاقَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى فِي تَرْجَمَةِ
يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ الْقُرَشِيِّ الْبَلْقَاوِيِّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا عَجِيبًا ، هَذَا بَعْضُهُ . وَقَدْ ذَكَرْنَا الشُّرُوطَ الْعُمَرِيَّةَ عَلَى نَصَارَى
الشَّامِ مُطَوَّلًا فِي كِتَابِنَا " الْأَحْكَامِ " وَأَفْرَدْنَا لَهُ مُصَنَّفًا عَلَى حِدَةٍ ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا خُطْبَتَهُ فِي
الْجَابِيَةِ بِأَلْفَاظِهَا وَأَسَانِيدِهَا فِي الْكِتَابِ الَّذِي أَفْرَدْنَاهُ لِمُسْنَدِ
عُمَرَ ، وَذَكَرْنَا تَوَاضُعَهُ فِي دُخُولِهِ
الشَّامَ فِي السِّيرَةِ الَّتِي أَفْرَدْنَاهَا لَهُ .
وَقَالَ
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنِي
الرَّبِيعُ بْنُ ثَعْلَبٍ ، نَا
أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبُ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ الْمَكِّيِّ ، عَنْ
أَبِي الْعَالِيَةِ الشَّامِيِّ قَالَ :
[ ص: 665 ] قَدِمَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْجَابِيَةَ عَلَى طَرِيقِ
إِيلِيَاءَ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ تَلُوحُ صَلْعَتُهُ لِلشَّمْسِ ، لَيْسَ عَلَيْهِ قَلَنْسُوَةٌ وَلَا عِمَامَةٌ ، تَصْطَفِقُ رِجْلَاهُ بَيْنَ شُعْبَتِي الرَّحْلِ بِلَا رِكَابٍ ، وِطَاؤُهُ كِسَاءٌ أَنْبِجَانِيٌّ ذُو صُوفٍ ، هُوَ وِطَاؤُهُ إِذَا رَكِبَ ، وَفِرَاشُهُ إِذَا نَزَلَ ، حَقِيبَتُهُ نَمِرَةٌ أَوْ شَمْلَةٌ مَحْشُوَّةٌ لِيفًا ، هِيَ حَقِيبَتُهُ إِذَا رَكِبَ ، وَوِسَادَتُهُ إِذَا نَزَلَ ، وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ مِنْ كَرَابِيسَ قَدْ دَسِمَ وَتَخَرَّقَ جَيْبُهُ . فَقَالَ : ادْعُوا لِي رَأْسَ الْقَوْمِ . فَدَعَوْا لَهُ
الْجَلَوْمَسَ ، فَقَالَ : اغْسِلُوا قَمِيصِي وَخَيِّطُوهُ ، وَأَعِيرُونِي قَمِيصًا أَوْ ثَوْبًا ، فَأُتِيَ بِقَمِيصِ كَتَّانٍ فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : كَتَّانٌ . قَالَ : وَمَا الْكَتَّانُ ؟ فَأَخْبَرُوهُ ، فَنَزَعَ قَمِيصَهُ فَغُسِلَ وَرُقِّعَ ، وَأُتِيَ بِهِ ، فَنَزْعَ قَمِيصَهُمْ وَلَبِسَ قَمِيصَهُ . فَقَالَ لَهُ
الْجَلَوْمَسُ : أَنْتَ مِلْكُ الْعَرَبِ ، وَهَذِهِ بِلَادٌ لَا تَصْلُحُ بِهَا الْإِبِلُ . فَأُتِيَ بِبِرْذَوْنٍ فَطُرِحَ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ بِلَا سَرْجٍ وَلَا رَحْلٍ ، فَرَكِبَهُ فَقَالَ : احْبِسُوا احْبِسُوا ، مَا كُنْتُ أَظُنُّ النَّاسَ يَرْكَبُونَ الشَّيْطَانَ قَبْلَ هَذَا ، هَاتُوا جَمَلِي . فَأُتِيَ بِجَمَلِهِ فَرَكِبَهُ .
[ ص: 666 ] وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14642إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ : حَدَّثَنَا
سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ الطَّائِيِّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16836قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16243طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ : لَمَّا قَدِمَ
عُمَرُ الشَّامَ عَرَضَتْ لَهُ مَخَاضَةٌ ، فَنَزَلَ عَنْ بَعِيرِهِ وَنَزَعَ مُوقَيْهِ ، فَأَمْسَكَهُمَا بِيَدِهِ وَخَاضَ الْمَاءَ وَمَعَهُ بَعِيرُهُ ، فَقَالَ لَهُ
أَبُو عُبَيْدَةَ : قَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ صَنِيعًا عَظِيمًا عِنْدَ أَهْلِ الْأَرْضِ ; صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا . قَالَ : فَصَكَّ فِي صَدْرِهِ ، وَقَالَ : أَوْهِ ، لَوْ غَيْرُكَ يَقُولُهَا يَا
أَبَا عُبَيْدَةَ ! إِنَّكُمْ كُنْتُمْ أَذَلَّ النَّاسِ وَأَحْقَرَ النَّاسِ وَأَقَلَّ النَّاسِ ، فَأَعَزَّكُمُ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ ، فَمَهْمَا تَطْلُبُوا الْعِزَّ بِغَيْرِهِ يُذِلَّكُمُ اللَّهُ .
قَالَ
ابْنُ جَرِيرٍ : وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ - أَعْنِي
nindex.php?page=treesubj&link=33705سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ - كَانَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفَارِسَ وَقَعَاتٌ فِي قَوْلِ
سَيْفِ بْنِ عُمَرَ .
وَقَالَ
ابْنُ إِسْحَاقَ nindex.php?page=showalam&ids=15472وَالْوَاقِدِيُّ : إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ . ثُمَّ ذَكَرَ
ابْنُ جَرِيرٍ وَقَعَاتٍ كَثِيرَةً كَانَتْ بَيْنَهُمْ ، وَذَلِكَ حِينَ بَعَثَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى
الْمَدَائِنِ ، وَأَنْ يُخَلِّفَ النِّسَاءَ وَالْعِيَالَ
بِالْعَقِيقِ فِي خَيْلٍ كَثِيرَةٍ كَثِيفَةٍ ، فَلَمَّا تَفَرَّغَ
سَعْدٌ مِنْ أَمْرِ
الْقَادِسِيَّةِ بَعَثَ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ
زُهْرَةَ بْنَ حَوِيَّةَ ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِالْأُمَرَاءِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ ، ثُمَّ سَارَ فِي الْجُيُوشِ ، وَقَدْ جَعَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=17225هَاشِمَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَلَى خِلَافَتِهِ مَكَانَ
خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ ، وَجَعَلَ
خَالِدًا هَذَا عَلَى السَّاقَةِ ، فَسَارُوا فِي خُيُولٍ عَظِيمَةٍ ، وَسِلَاحٍ كَثِيرٍ ، وَذَلِكَ
[ ص: 667 ] لِأَيَّامٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ ، فَنَزَلُوا
الْكُوفَةَ ، وَارْتَحَلَ
زُهْرَةُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ نَحْوَ
الْمَدَائِنِ ، فَلَقِيَهُ بِهَا
بُصْبُهْرَى فِي جَيْشٍ مِنْ
فَارِسَ ، فَهَزَمَهُمْ
زُهْرَةُ ، وَذَهَبَتِ
الْفُرْسُ فِي هَزِيمَتِهِمْ إِلَى
بَابِلَ ، وَبِهَا جَمْعٌ كَثِيرٌ مِمَّنِ انْهَزَمَ يَوْمَ
الْقَادِسِيَّةِ ، قَدْ جَعَلُوا عَلَيْهِمُ
الْفَيْرُزَانَ ، فَبَعَثَ
زُهْرَةُ إِلَى
سَعْدٍ ، فَأَعْلَمَهُ بِاجْتِمَاعِ الْمُنْهَزِمِينَ
بِبَابِلَ ، فَسَارَ
سَعْدٌ بِالْجُيُوشِ إِلَى
بَابِلَ ، فَتَقَابَلَ هُوَ
وَالْفَيْرُزَانُ عِنْدَ
بَابِلَ فَهَزَمَهُمْ كَأَسْرَعِ مِنْ لَفَّةِ الرِّدَاءِ ، وَانْهَزَمُوا بَيْنَ يَدَيْهِ فِرْقَتَيْنِ ، فَفِرْقَةٌ ذَهَبَتْ إِلَى
الْمَدَائِنِ ، وَأُخْرَى سَارَتْ إِلَى
نَهَاوَنْدَ ، وَأَقَامَ
سَعْدٌ بِبَابِلَ أَيَّامًا ، ثُمَّ سَارَ مِنْهَا نَحْوَ
الْمَدَائِنِ فَلَقُوا جَمْعًا آخَرَ مِنَ الْفُرْسِ ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا وَبَارَزُوا أَمِيرَ
الْفُرْسِ ، وَهُوَ
شَهْرِيَارُ ، فَبَرَزَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ لَهُ :
نَايِلٌ الْأَعْرَجِيُّ أَبُو نُبَاتَةَ مِنْ شُجْعَانِ
بَنِي تَمِيمٍ فَتَجَاوَلَا سَاعَةً بِالرِّمَاحِ ، ثُمَّ أَلْقَيَاهَا فَانْتَضَيَا سَيْفَيْهِمَا وَتَصَاوَلَا بِهِمَا ، ثُمَّ تَعَانَقَا وَسَقَطَا عَنْ فَرَسَيْهِمَا إِلَى الْأَرْضِ ، فَوَقَعَ
شَهْرِيَارُ عَلَى صَدْرِ
أَبِي نُبَاتَةَ ، وَأَخْرَجَ خِنْجَرًا لِيَذْبَحَهُ بِهَا ، فَوَقَعَتْ أُصْبُعُهُ فِي فَمِ
أَبِي نُبَاتَةَ فَقَضَمَهَا حَتَّى شَغَلَهُ عَنْ نَفْسِهِ ، وَأَخَذَ الْخِنْجَرَ فَذَبَحَ
شَهْرِيَارَ بِهَا وَأَخَذَ فَرَسَهُ وَسِوَارَيْهِ وَسَلَبَهُ ، وَانْكَشَفَ أَصْحَابُهُ فَهُزِمُوا ، فَأَقْسَمَ
سَعْدٌ عَلَى
نَايِلٍ لَيَلْبَسُ سِوَارَيْ
شَهْرِيَارَ وَسِلَاحَهُ ، وَلَيَرْكَبَنَّ فَرَسَهُ إِذَا كَانَ حَرْبٌ ، فَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ ، قَالُوا : وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ تَسَوَّرَ
بِالْعِرَاقِ . وَذَلِكَ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ
كُوثَى . وَزَارَ الْمَكَانَ الَّذِي حُبِسَ فِيهِ الْخَلِيلُ ، وَصَلَّى عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَقَرَأَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ الْآيَةَ [ آلِ عِمْرَانَ : 140 ] .