الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : فإن سعى إليها بطل ) أي الظهر المؤدى عند أبي حنيفة بمجرد السعي إليها ; لأنه مأمور بعد صلاة الظهر ينقضها بالذهاب إلى الجمعة فالذهاب إليها شروع في طريق نقضها المأمور به فيحكم بنقضها به احتياطا لترك المعصية وقالا لا تبطل حتى يدخل مع الإمام واختلفوا في معنى السعي إليها والمختار أنه الانفصال عن داره حتى لا يبطل قبله على المختار ; لأن السعي الرافض لها هو السعي إليها على الخصوص ومثل ذلك السعي إنما يكون بعد خروجه من باب داره والمراد من السعي المشي لا الإسراع فيه ، وإنما عبروا به اتباعا للآية وقيد بقوله سعى ; لأنه لو كان جالسا في المسجد بعدما صلى الظهر فإنه لا يبطل حتى يشرع مع الإمام اتفاقا كذا في الحقائق وقيد بقوله إليها ; لأنه لو خرج لحاجة أو خرج ، وقد فرغ الإمام لم يبطل ظهره إجماعا فالبطلان به مقيد بما إذا كان يرجو إدراكها بأن خرج والإمام فيها أو لم يكن شرع وأطلق فشمل ما إذا لم يدركها لبعد المسافة مع كون الإمام فيها وقت الخروج أو لم يكن شرع ، وهو قول البلخيين قال في السراج الوهاج ، وهو الصحيح ; لأنه توجه إليها وهي لم تفت بعد حتى لو كان بيته قريبا من المسجد وسمع الجماعة في الركعة الثانية وتوجه بعدما صلى الظهر في منزله بطل الظهر على الأصح أيضا لما ذكرنا ، وفي النهاية إذا توجه إليها قبل أن يصليها الإمام ثم إن الإمام لم يصلها لعذر أو لغيره اختلفوا في بطلان ظهره والصحيح أنها لا تبطل ، وكذا لو توجه إليها والإمام والناس فيها إلا أنهم خرجوا منها قبل إتمامها لنائبة فالصحيح أنه لا يبطل ظهره ، ثم اعلم أن الضمير المستتر في قوله سعى يعود إلى مصلي الظهر لا إلى من لا عذر له ليكون أفيد وأشمل فإنه لا فرق بين المعذور وغيره في بطلان ظهره بسعيه كما في غاية البيان والسراج الوهاج لكن التعليل المذكور أولا لا يشمله ; لأن المعذور ليس بمأمور بالسعي إليها مطلقا فكيف يبطل به فينبغي [ ص: 166 ] أن لا يبطل الظهر بالسعي ، ولا بشروعه في صلاة الجمعة ; لأن الفرض قد سقط عنه ، ولم يكن مأمورا بنقضه فتكون الجمعة نفلا منه كما قال به زفر والشافعي

                                                                                        وظاهر ما في المحيط أن ظهره إنما يبطل بحضوره الجمعة لا بمجرد سعيه كما في غير المعذور وهو أخف إشكالا وأسند المصنف البطلان إلى الظهر ليفيد أن أصل الصلاة لم يبطل فينقلب نفلا كما في السراج الوهاج وذكر في الظهيرية والخلاصة الرستاقي إذا سعى يوم الجمعة إلى مصر يريد به إقامة الجمعة وإقامة حوائج نفسه في المصر ومعظم مقصوده إقامة الجمعةينال ثواب السعي إلى الجمعة ، وإن كان قصده إقامة الحوائج لا غير أو كان معظم مقصودة إقامة الحوائج لا ينال ثواب السعي إلى الجمعة ا هـ .

                                                                                        وبهذا يعلم أن من شرك في عبادته فإن العبرة للأغلب وقيد بسعي المصلي ; لأن المأموم لو لم يسع إليها وسعى إمامه فإنه لا يبطل ظهر المأموم ، وإن بطل ظهر إمامه ; لأن بطلانه في حق الإمام بعد الفراغ فلا يضر المأموم كما صرح به في المحيط .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله فالبطلان به مقيد بما إذا كان يرجو إدراكها ) الأصوب إسقاطه لاقتضائه عدم البطلان فيما إذا لم يدركها لبعد المسافة مع أنه سينقل عن السراج تصحيح البطلان وعبارة السراج هكذا وهذا إذا سعى إليها والإمام في الصلاة أو قبل أن يصلي وشرط بعض أصحابنا كونه يدركه والصحيح الأول ، وفي النهاية إذا سعى إلى الجمعة قبل أن يصليها الإمام إلا أنه لا يرجو إدراكها لبعد المسافة لم يبطل ظهره في قول العراقيين ويبطل في قول البلخيين ، وهو الصحيح ا هـ .

                                                                                        وبها علم عدم صحة ما في النهر من عزوه التقييد للبطلان برجاء إدراكها وتصحيح عدمه حين عدمه إلى السراج ، وقد تابعه في الدر المختار ( قوله حتى لو كان بيته قريبا من المسجد ) أي وبعيدا من باب المسجد كما في السراج ( قوله ، ثم اعلم أن الضمير المستتر إلخ ) قال في النهر الضمير في صلى واقع على من فما فر منه وقع فيه غاية الأمر أنه سكت عن المعذور ( قوله لكن التعليل أولا لا يشمله ) أجاب الشارح وكذا في الفتح في معرض الجواب عن قول زفر بأنه إنما [ ص: 166 ] رخص له تركها للعذر وبالالتزام التحق بالصحيح .




                                                                                        الخدمات العلمية